وجهة نظر

التعايش التكاملي النظمي.. مفتاح معاناة الإنسانية

التعايش التكاملي* مفهوم حديث مختلف تمامًا عن التعايش الذي يُطالب به بعض التيارات الفكرية أو الدينية والذي يختلف كذلك عن التسامح! إن تحقيق هذا الأخير، الذي أعتبره تعايشًا جزئيًا، فشلَ للأسف على المستوى المحلي والوطني والعالمي بسبب طبيعته الجزئية و”المنافقة” على الرغم من الجهود التي تطورت على مدى عشرات السنين الماضية.

وعملياً أتساءل كيف يمكن لمسيحي لا يؤمن بالإسلام ويهودي لا يؤمن بالمسيحية والإسلام ولمسلمٍ لا يؤمن بصلب حضرة المسيح ولبهائيٍّ لا يُعترف حتى بديانته كدينٍ سماوي ومستقلK أن يتعايشوا جميعا مع كل هذه الأحكام المسبقة؟ وكيف يمكن للأمازيغي الذي يعتقد أنه مختلف عن العرب وللصحراوي الذي يُحتقر بسبب لون جلدته ولِلفاسيِّ الذي يرى نفسه متفوقًا على الآخرين وللبدوي “العْروبي” الذي يحتقره سكان المدينة، أن يتعايشوا مع كل هذه الأحكام المسبقة؟

وهذا ما يقودني إلى وصف “مسرحية التسامح” لجميع اللقاءات الدينية والثقافية المختلفة لأن كل من الفاعلين على دراية بأحكامهم وأحكام الآخرين وإنه لسوء الحظ شكل من أشكال النفاق الحديث والمتحضر.

1- التسامح يناشد العقل

يختلف التسامح أو التعايش الجزئي تمامًا عن التعايش التكاملي النُظمي لأن التسامح هو شكل من أشكال الاحترام فقط ونوع من معاهدة السلام بدون دافع المحبة والحس بالانتماء الجماعي لمجموعة واحدة سواء كانت محلية أو وطنية أو عالمية. ويمكننا التفكير في التسامح كشكل من أشكال التعايش الجزئي الذي يلجئ للعقل لحماية المصالح العامة. كما مع ممارسة التعايش الجزئي نحتفظ بأحكامنا المسبقة تجاه أولئك الذين يختلفون عنا ونحاول عدم الكشف عنها ونسعى للتعبير عن احترامنا لهم. وبالطبع هذه العملية في حد ذاتها معقدة ويصعب تنفيذها.

والمثال النموذجي للتسامح أو التعايش الجزئي هو الطريق العام الذي نتفق على مشاركته ونتسامح من حيث المبدأ مع الجميع وحتى مع الحيوانات. ولذلك نمارس التسامح بدافع الضرورة ولكن عند أدنى احتكاك تندلع بسرعة البرق الشجارات والعنف الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى القتل.

2- التعايش التكاملي يناشد القيم الروحية العالمية

التعايش التكاملي يستدعي كل أشكال الروحانية الكونية ويتجلى في المشاركة الصادقة لجميع ثرواتنا الدينية والثقافية والفكرية والصناعية والمادية والبشرية والعلمية والعاطفية والطهوية والأدبية والفلسفية والفنية والتعليمية والتقليدية باعتبار كل شيء مِلكٌ للجميع ونتشاركه دون أحكام مسبقة مع الانقطاع الخالص. وهذه العملية أكثر تعقيدًا وتتطلب جهدًا شخصيًا وجماعيًا نفسيًا وروحيًا أثناء محاولة تعلم “أن أكون” فاعلا حسب النهج النُظمي الاجتماعي**.

والمثال النموذجي للتعايش التكاملي النُظمي هو الأسرة رغم تنوع أفرادها تبقى العائلة ملك كل واحد منهم . ويتم الحصول على هذا النوع من التعايش الأسري التكاملي النُظمي بعد التعلم الفردي والجماعي على كيفية الحفاظ على الوحدة في التنوع.

إن الرغبة في تحقيق التعايش الديني فقط، مغامرة محكوم عليها بالفشل لأن هذا التعايش يبقى مستحيل لأنه جزئي ومتجزئ وخاصة أن هناك 2300 مجموعة وفقا لموسوعة الأديان الأمريكية في الطبعة التاسعة في نهاية سنة 2016.

هذا هو السبب في أننا يجب أن ندمج التعايش الديني في التعايش التكاملي النُظمي وهو الخيار الوحيد الذي سيسمح لنا بالوحدة في التنوع والازدهار والسلام الاجتماعي وإنهاء معاناة الإنسانية.

Coexistence intégrative systémique*

Approche systémique sociale**

* الدكتور جواد مبروكي، طبيب نفساني، باحث وخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *