وجهة نظر

حينما يوظف العلم لخدمة المخطط الشيعي”رشيد بن عيسى نموذجا”

سياق المقال :

ما كنا لنتشجم عناء إضاعة الوقت للرد على خرف المدعو رشيد بنعيسى المتشيع وهذيانه، لو لم يقدم نفسه كعالم في اللسانيات… وما كنا لنرد لو لم يلبس رشيد بن عيسى عباءة العالم اللساني: ظاهره التخفي في محراب العلم،وباطنه تصريف خلفية إيديولوجية شيعية سخيفة. منذ عودته إلى الجزائر ورشيد بنعيسى السليط اللسان يسب ويشتم ويوزع التهم ذات اليمين والشمال متهما البعض بحزب فرنسا التي احتضنته لأكثر من 49 سنة،بعد أن أصبح غير مرغوب فيه في بلد المليون شهيد بسبب-والعهدة على الراوي- المذهب الشيعي الذي اعتنقه منذ أن كان طالبا في سوريا سنة 1962،وتارة يهاجم الحراك الذي أنهى العقدة الخامسة لبوتفليقة… وتارة أخرى يهاجم رجال السياسة الجزائرين السابقين و رجال الدين ولم يسلم من لسانه السليط حتى الأموات من الصحابة وأزواج النبي (ص) .ما كان يهمنا شتمه ليزيد بن معاوية،في مقابل تمجيده وبكائه على الحسين وصراخه وعويله ولطم وجهه وإسالة دمائه وكل ما يرتبط بطقوس الشيعة… ما كان يعنينا أمر معجمه النتن ،لو لم يمتط صهوة العالم اللساني ويسمح لنفسه بتمرير مغالطات لسانية لا أساس لها من الصحة دون أن يلتزم بأخلاقيات البحث العلمي النزيه،جاعلا من اللسانيات قميص عثمان للتحريض ضد الباحثين والمناضلين الأمازيغ، والزعم أن الأمازيغ كانوا شيعة ،وأنهم ينحدرون من الأصل الفينيقي؛ وأن مصطلح “بربر” كلمة مصرية وليست إغريقية ،فضلا عن شطحات بهلوانية وخرافات لسانية يعتمد فيها الإثارة لإقناع العامة والبسطاء بحفرياته التي سرقها من الباحث علي فهمي خشيم – الذي كان يكتب مرغما لتلبية طلب الكولونيل معمر القذافي-كما مارس البلاجيا plagiat والقرصنة من مواطنه عثمان سعدي، الذي وهب حياته للهجوم على الأمازيغية والباحثين في اللسانيات الأمازيغية منذ سنوات بإيعاز من الهواري بومديان وفلوله. عقود من الزمن والذئاب تعوي فاستأنست الأمازيغية الضاربة عمقها في تاريخ شمال افريقيا إذ عوى رهط خشيم وسعدي سابقا ورشيد بن عيسى حاليا.مرت مياه كثيرة تحت جسر الحركة الأمازيغية …اعترف بالأمازيغية دستوريا وأصبحت لغة رسمية في المغرب والجزائر وظلت شامخة ومستمرة فيما انزوى كل من علي فهمي خشيم وعثمان سعدي ورهطهما في صقيع النسيان.

استنادا إلى سياق ودواعي نشر هذا المقال ،الذي يروم نسف ترهات رشيد بنعيسى ،الذي يوظف اللسانيات لخدمة ايديولوجيته السخيفة ،ارتأينا تأطير هذا المقال من وجهة نظر فيرناند دو سوسير، الأب الروحي للسانيات، والعالم اللساني نوام تشومسكي ، الذي تربع على عرش اللسانيات منذ أكثر من 60 سنة.

الصوسيرية : القطيعة الابستمولوجية مع أدْلجة اللغة وخرافة رجال الدين

ظلت الدراسات اللغوية منذ أفلاطون إلى حدود ظهور كتاب “cours de linguistique générale ” للعالم اللساني فردناند دو صوسير (1913-1875)F. de Saussure منضوية في إطار الفلسفة وعلم الكلام والأصول والمنطق،الأمر الذي أدى إلى تشويه بعض الحقائق العلمية وتسريب بعض الترهات من الثقافة الشعبية المتداولة لدى العامة كالزعم أن اللغة العبرية هي أم اللغات وأن اللغة العربية هي لغة أهل الجنة. بيد أن ظهور كتاب صوسير ،الذي شكل هزة خلخلت مختلف العلوم الإنسانية، سيحرر اللسانيات من تلك الشوائب والانطباعات الذاتية محدثا بذلك قطيعة ابستمولوجية مع الدرس اللساني التليد متبنيا منهجا بنيويا صارما في تحليل الظاهرة اللغوية وتمحيصها معلنا عن مرحلة جديدة في الدرس اللساني عنوانها تبني الصرامة المنهجية في تحليل الأنساق اللغوية،ودراسة اللغة في ذاتها ومن أجل ذاتها ،وليس خدمة لنزعة عرقية أو طائفة دينية كما هو ديْدن الشيعي رشيد بنعيسى. أكد صوسير على أهمية دراسة اللغة دراسة سانكرونية والنظر إليها بوصفها بنية أو قطعة شطرنج دون أن نتوسل إلى عناصر خارجية ،والتي من شأنها أن تشوش على مسار البحث العلمي الموضوعي. واللغة عند صوسير هي بالمفهوم الواسع أي تلك اللغة الطبيعية التي يتكلمها أبناء البشر بصرف النظر عن عرقهم ولونهم.ومعنى ذلك أن صوسير يساوي بين جميع اللغات الطبيعية ولا يرى أي فرق بينها.وهو ما جعله يوجه معاول الهدم إلى حراس المعبد القديم وتقويض تصورهم العنصري القائم على عنصرية اللغة الراقية في مقابل ما يسمونه باللغة المنحطة، وبالتالي هدم التمايز بين اللغة واللهجة التي يعتبرهما نظاما تواصليا واحدا.وقد كتب صوسير في هذا الشأن في الصفحة 378 من كتابه السالف الذكر :

« Il est difficile de dire en quoi consiste la différance entre une langue et un dialecte, surtout souvent un dialecte porte le nom de langue, parce qu’il a produit une littérature »

اللهجة، وفق تصور صوسير، لا تختلف عن اللغة سواءمن حيث القدرة التواصلية أو الإنتاجية فضلا عن كون الأولى مربتطة ارتباطا وثيقا بالحيوية والدينامية واليومي، وليست نظاما تواصليا جامدا ومحنطا كما شأن اللغات المكتوبة التي هاجرت اللسان منذ سنوات وبقيت فقط محفوظة في بطون الكتب. لقد سلك مسلك صوسير العديد من السوسيولسانيين الذين رفضوا الاختلاف بين اللغة واللهجة السائد بين العامة وغير المختصين على اعتبار أنه تمايز قائم على الحكم الانطباعي، وأن اللغة هي نفسها اللهجة.وتبعا لجون كالفي calvet ف” اللهجة ليست سوى لغة محطمة سياسيا، أما اللغة فليست سوى لهجة نجحت سياسيا “.وقد زكت المدرسة الامريكية هاريس وتشومسكي) والسوسيواللسانيات ( Labov) هذه العلاقة البنيوية والوظييفية بين كلا النظامين السيميائيين،حيث يرى أن العلاقة بينهما ( اللهجة واللغة)هي بمثابة علاقة الكل بالجزء أما فيشمان فيفضل استعمال مصطلح نوعية variété بدلا من المصطلحات التقليدية.

لقد قاد اشتغال فيردناند دو صوسير خلال العقد الأخير من القرن التاسع عشر على علاقة القرابة بين بعض اللغات الأوربية واللغة السانسكيرتية والاشتغال في إطار الدراسات المقارنة، التي ابتدأت مع العالم البريطاني وليام جونز منذ(1913-1875) ، إلى تجاوز التصور الفيلولوجي القديم الذي وجه له انتقادات لاذعة منذ الصفحة الأولى من كتابه “المحاضرات”.

” L’histoire des sciences du langage avait passé par trois phases successives avant de reconnaître quel est son véritable et unique objet ”
ترهات رشيد بن عيسى تحت مجهر اللسانيات الحديثة :

إن المتتبع لفيديوهات رشيد بن عيسى،التي يقدمها حول قضايا لسانية، لاسيما تلك التي تتعلق باللغة الإمازيغية وفصيلة الأفروأسيوية، يؤكد- مما لا يدع مجالا للشك- أن الرجل لم يطلع على أبجديات اللسانيات.فإذا كان صوسير قد حسم في مجموعة من القضايا البديهية التي أضحت من المسلمات التي تم صوغها والاتفاق عليها من قبل جمهور علماء اللسانيات منذ أزيد من قرن من الزمن، فإن مثل رشيد بن عيسى،الذي مافتئ يطلق الكلام على عواهنه،كمثل من يخلط السحر بالعلم.

مجمل تخريجاته السمعية-البصرية عبارة زفرات شفوية إنشائية لا تستند لا إلى إحالات علمية ولا إطار لساني ،ولا تقر بها أية مدرسة لسانية ( من وظيفية وتوزيعية وتوليدية).إن استغلاله لوفرة وسائل التواصل الاجتماعي جعلته يسير في أمره على غير هدى ولابصيرة. إن المتشيع، رشيد بن عيسى، بأضاليله هذه إنما هو كثل حاطب الليل الذي لا يبالي بما يحمل هل هو خشب أم أفعى. فزعمه أن القبايلية لهجة فينيقية وليست أمازيغية،وأن الأمازيغ وساكنة شمال إفرقيا كانت شيعية يجعلنا نطرح سؤالا عن مصداقية الرجل. فالقبايلية نوعية ضمن نوعيات متعددة تنتمي إلى اللغة الأمازيغية ، اللغة الأولى والأصلية لساكنة شمال إفريقيا .كما أن المذهب المالكي هو المذهب السائد في الغرب الإسلامي منذ قرون خلت.لكن العمى الطائفي الشيعي الذي تشبع به رشيد بن عيسى بصيرته .

إن المجال لا يسع لبسط كل نماذج من حماقاته وشطحاته اللغوية التي يقوم بتمريرها في قنوات اليوتيوب. إن وضع كل ما يقوله بنعيسى تحت مجهر اللسانيات الحديثة ستبين أن الرجل لا يمت بصلة بمبادئ و مفاهيم البحث اللساني ،علما أن اللسانيات أقرب العلوم الإنسانية إلى العلوم الصلبة في الدقة والموضوعية. ونترك للباحثين اللسانيين تقويم ظاهرة رشيد بن عيسى وإخضاعها لمجهر المنهج اللساني الحديث الذي يدرس الظاهرة اللغوية دراسة نسقية محايثة دون تشويهها ومسخها بمعتقد إيدلوجي سخيف أو نزعة دينية كما هو شأن رشيد بنعيسى المسكون بالطائفية.

عمل صوسير على تجاوز فرضية النحو التقليدي والفيلولوجيا ،التي تتسم بالانطباعية والذاتية وأحكام قيمة التي أساءت كثيرا إلى البحث اللساني، وخلّص الدراسة اللغوية من ترهات أمثال رهط رشيد بن عيسى رغم أنه لا مجال لعلماء الفيلولوجيا القدلامى مع بنعيسى الذي لم يقم بسوى إعادة ما كتبه متعصبون وشوفينون سبقوه في الهجوم على الأمازيغية.كما قام صوسير في مطلع محاضراته على حصر موضوع اشتغال الباحث اللساني تفاديا لأي انزلاق أو انفلات قد يفضي به إلى متاهات وخلاصات لاهوتية. لذلك نجد صوسير يلح، في أكثر من موضع،على أن الموضوع الوحيد والحقيقي لعلم اللغة هو اللغة في ذاتها ولأجلها ليس إلا.

ولكي يتأتى له ذلك اعتمد منهجا بنيويا استقصائيا ينطلق من المتن وإخضاعه للوصف الشامل والملاحظة الدقيقة بغية الوصول في نهاية التحليل إلى صياغة نظرية عامة قابلة التطبيق على جميع اللغات البشرية. بفضل هذا المنهج البنيوي العلمي الدقيق، الذي أرسى صوسير دعائمه، تمكن صوسير من تقويض مزاعم اللغويين الانطباعيين الذين يصدرون أحكام قيمة انطلاقا من انتقائهم لعينات محدودة. علاوة على كل الإصلاحات التي قدمها صوسير،لكي يستقيم البحث اللساني ،أعطى صوسير الأولوية للمنطوق على المكتوب : بعد اشتغاله الطويل على أسرة اللغات الهندو- أروبية، وبحكم تخصصه وتشبعه بالمنهج الفيلولوجي، في صورته التاريخية والمقارنة، خلص صوسير إلى نتيجة مفادها أن دراسة اللغة وأشكال التواصل اللفظي، في مستوى الكتابة، لا تؤدي إلى نتائج مقنعة. لأن المنطوق لا يجسد حقيقة اللغة. ومن ثمة ينبغي على الباحث أن يأخذ بعين الاعتبار اللغة المتكلمة وكل النوعيات المحكية. لقد كرس الفيلولوجيون حياتهم في الاشتغال على النصوص الأدبية والدينية القديمة، وأهملوا اللغات الحية والمتداولة من قبل أفراد العشائر اللغوية. وكان من نتائج اهتمام المقاربة الانطباعية ،التي كانت تقتصر على دراسة نصوص لكتاب مشهورين وجعلهم النموذج الأرقى ، كبير الأثر في إهمال كل ما ينتج شفويا. ولتجاوز كل هذه الطروحات اللاعلمية أولت اللسانيات الصوسيرية عناية خاصة باللغات الشفوية معتمدة في ذلك على حجتين دامغتين:

-الكلام سابق على الكتابة، وهو بالتالي أكثر الأشكال التواصلية فهما وإدراكا؛

– الطفل يتعلم الكلام ولغة قومه ابتداء من السنة الثانية والنصف، بينما لا يتعلم مبادئ الكتابة حتى السنة السادسة. إن أنظمة الكتابة لا يمكنها أن تقوم إلا باعتمادها على وحدات اللغة المتكلمة، حيث تستند في ذلك إلى الأنساق الصوتية من قبيل المقطع، النبر…

نجنح إلى القول،من خلال هذه العجالة اللسانية،إن إخضاع ما يبثه رشيد بنعيسى في بعض قنوات اليوتوب وإخضاعها لمبادئ وضوابط اللسانيات الحديثة تجعل الباحث اللساني الموضوعي ينفي صفة بروفيسور في اللسانيات عنه.لأنه في حالة تناف وتناقض وتنافر وشروذ مع كل ما أنتج في اللسانيات الحديثة منذ كتاب “المحاضرات”،مرورا بنظريات المدرسة الوظيفية بمختلف تشعباتها، ووصولا إلى النظرية التوليدية بمختلف تياراتها.

إتباث عراقة اللغة الأمازيغية واستقلالها في ضوء الأركيولوجيا وبارمترات الفونولوجيا اللاخطية
( دحض خرافة رشيد بنعيسى ” الأمازيغية لغة فينيقية “)

لسنا في حاجة لتكرار بعض القضايا العلمية التي تهم علاقة القرابة la généalogie بين الفصائل اللغويةمثل الفصيلة الأفروأسيوية (السامية -الحامية) والفصيلة الهندوأوربية وغيرها من الأسر اللغوية.لكن الثابت أن جميع اللغات البشرية تشترك في الكليات اللغوية الفطرية والنحو الكلي والفرضية الفطرية(تشومسكي) والنحو العام (ديكارت) والنحو العام العقلي (مدرسة Port royal) .ولا شك أن الباحث النبيه الذي يروم ربط جسور ابستمولوجية بين مختلف حقول المعرفة البشرية، من خلال الاشتغال على مفهوم الكليات، سيلاحظ أن اللسانيات ليست وحدها من تناولت هذا المفهوم،بل متحت من الفلسفة وعلم النفس المعرفي والبيولوجيا والفيزياء والرياضيات.لقد حاولت مقاربات لسانية نهلت من الفلسفة العقلانية (ديكارت) بناء أنحاء عامة وكلية تقول بإمكانية تطبيقها على جميع اللغات الطبيعية.إن الدارس لتركيب اللغات العالمية وبنيتها المورفو-فونولجية وحتى المعجمية سيكتشف حتما أوجه التشابه والتقاطع بينها.ويبدو أن “البروفيسور” رشيد بنعيسى-الذي يدعي أن “موقل”Mmuql” في القبايلية بالجزائر بمعنى “نظر” من “المقلة” في العربية،وبالتالي ادعائه تارة أن القبايلية والشاوية لهجات عربية قديمة،وتارة أخرى يرجعها إلى اللغة الفينيقية- جاهل لمفهوم الكليات الفطرية التي تشترك فيها جميع اللغات البشرية.ولنفرض جدلا أنها فرضيته صحيحة.فهل يمكن ارجاع الأمازيغية إلى اللغة الفرنسية من خلال تشابه الجذر الأمازيغيkrz والفعل الفرنسي creuser وما أكثر المفردات والوحدات المعجمية التي تتقاسمها الأمازيغية مع اللغة اللاتينية والإغرقية لا يسعنا المجال لجردها .

لعمري إنها لسخافة لسانية تلك التي يزعم فيها “البروفيسور” رشيد بن عيسى أن تقبايليت وتشاويت وتاشلحيت وغيرها من النوعيات الأمازيغية لهجات عربية وفينيقية ناكرا وجود اللغة الأمازيغية التي كانت اللغة الأولى في شمال إفريقيا ومنها تفرعت النوعيات الأمازيغية. إن العمى الإيديلوجي أزاغه عن العلم رغم توافره على إمكانات كان من الممكن أن تجعل منها باحثا كبيرا لو لم يخلط بين تعصبه الديني والعلم.والمتتبع لفيديوهاته التي يبثها عبر اليوتيوب هذا سيكتشف شخصا ممزقا يعيش انفصاما هوياتيا وتناقضا سيكولوجيا.فهو يقدم تارة نفسه قبايليا أصيلا،وتارة أخرى يدعي أن نسبه شريف من آل البيت.

كل القرائن الأركيولوجية والمعطيات اللغوية والأنطروبولوجية والوثائق والمصادر التاريخية وحتى التحاليل الجينية الوراثية تؤكد أن الأمازيغ هم الأوائل الذين استوطنوا شمال أفريقيا ،وأن اللغة الأمازيغية أعرق لغة في حوض البحر الأبيض المتوسط،وأنها اللغة الوحيدة التي لازالت حية ومتداولة فيما باقي اللغات التي عاصرتها ماتت كلها (الفنيقية، المصرية القديمة، اللاتنية…). لا شك أن الاكتشاف العلمي الباهر الذي توصل إليه علماء الأركيولوجيا ، المتمثل أساسا في ما سيعرف في أدبيات الحفريات والأركيولوجية بـ “إنسان يغود”، سيخلخل مجموعة من المسلمات، وسيجعل من المغرب خاصة، وشمال إفريقيا عامة، مهد الحضارة الإنسانية.

في ضوء هذا الاكتشاف العلمي الباهر، أود أن أثير قضية علمية أساسية مؤداها أن اللغة الأمازيغية أقدم لغة في حوض البحر الأبيض المتوسط وأعرقها.

استنادا إلى المنهج اللساني المقارن، وفي ضوء ما توفره اللسانيات التوليدية من مفاهيم كونية (PCO مثلا)، ونظرا لكون اللغة الأمازيغية، بفروعها اللغوية، لازالت تحتفظ بأشكال لغوية قديمة وموغلة في القدم (المقطع الأحادي، الجذر الأحادي)، فإننا نجزم بأن اللغة الأمازيغية هي أقدم لغة في المجموعة الأفرو-أسيوية.
لدعم هذا الرأي سأقدم المسوغات والقرائن اللغوية الآتية:

• لازالت الأمازيغية تحتفظ ببعض الجذور الأحادية مثل “فعل الكينونة” (g) و”المقطع الأحادي”.

• تغطي الجذور الثنائية جزء أساسيا من المعجم الأمازيغي المتداول، ولازال المتكلم الفطري لهذه اللغة يستعملها بشكل مطرد.

• الصامت الثاني للجذر الثنائي في الأمازيغية غير مكرر كما هو الحال في العربية Kr (قم،) مد= مدد. لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للصامت الأول حيث توجد صوامت أولى مضعّفة. وفي هذه الحالة، لا يجوز فك الإدغام في الأمازيغية.

• ثمة جذور على شكل (AAB) كما هو الحال في السريانية (م م د) وفي الأمازيغية (RˇK(، بيد أن مثل هذه الجذور لا تقبل فك الإدغام في هذه اللغة، وهو ما يؤكد حقيقة الأصل الثنائي، ويثبت، في المقابل، أن الإدغام في العربية والساميات هو نوع من التوسع والزيادة لحق الجذر الثنائي.

• لا يمكن أن نتنبأ بفرضية انقراض الجذر الثنائي في اللغة الأمازيغية، كما هو شأن اللغة العربية وباقي اللغات السامية؛ لأنه يشكل وحدة معجمية وصرفية أساسية.

• الجذر الثنائي خاصية مورفوفونو-معجمية ووحدة أساسية في الأمازيغية، ويندرج ضمن الخصائص التي تتميز بها الأمازيغية عن اللغات التي تقوم، في بنائها الصرفي والمعجمي، على الجذر.

• نظام الجذر (سواء كان ثنائيا أو ثلاثيا أو رباعيا) نظام ثابت لا يقبل التوسعات والزيادات كما هو الحال في العربية والساميات.

• ثمة جذور ثنائية تتشكل من صامت أول وحرف علة (,bˇy,lˇy)، يشترط في الصامت الأول أن يكون مضعّفا، يحظر وجود متتالية جذرية من قبيل: C1C2C1 في جميع الفروع الأمازيغية عدا حالات السببية مثل SRS.

• يعتبر الجذر الثلاثي الجذر الأكثر اطرادا في الأمازيغية، في حين يلاحظ قلة الجذور الرباعية (snfl) وانعدام الجذر الخماسي.

خلاصة :

الأمازيغية نتاج لغوي من نتاجات الإنسان العاقل وتطوره في الزمان والمكان. بعد انتقاله من كائن رامز إلى كائن لغوي، كانت الأمازيغية هي الأداة التواصلية التي استعملها إنسان جبل يغود، واستمرت قرونا من خلال أبنائه و أحفاده وستستمر رغم تراهات الشيعي رشيد بن عيسى.

* محـند الرݣيݣ أستاذ اللسانيات المقارنة والترجمة شعبة اللغة الأمازيغية وآدابها – كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس- فاس جامعة سيدي محمد بن عبد الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • Mbarki
    منذ 4 سنوات

    مقال رائع وتحليل منهجي رد يعتمد الأدلة العلمية وقرع الحجة بالحجة

  • منذ 4 سنوات

    دمت متألقا أستاذي محند الركيك...

  • H.Lazhar
    منذ 4 سنوات

    دمت متألقا أستاذي محند الركيك ...