وجهة نظر

عبدالله العروي وتعريف الإيديولوجيا

يعتبر عبدالله العروي أن كلمة إديولوجيا دخيلة على جميع اللغات الحية، وتعني لغوياً في أصلها الفرنسي علم الأفكار،لكنها لم تحتفظ بمعناها اللغوي، وصارت دخيلة في اللغة الفرنسية بعدما إستعارها الألمان.

وأكد أن الكتاب العرب عجزوا عن ترجمتها بصيغة مرضية ،والعبارات التي تقابلها ( منظومة فكرية،عقيدة،ذهنية…) تشير فقط إلى معنى واحد من معانيها.بالرغم من وجود لفظة الدعوة في العلوم الإسلامية التي لعبت نفس الدور الذي تلعبه الإيديولوجية إلا أنه لايمكن الإستعاضة بها عنها.

يقترح عبدالله العروي تعريب الكلمة وادخالها في قالب من قوالب الصرف العربي( أدلوجة) على وزن أُفْعُولَة .

إستعرض كذلك عدة إستعمالات للإديولوجية، حيث يقال أن حزب سياسي معين يحمل أدلوجة بمعنى مجموع القيم والأخلاق والأهداف التي ينوي تحقيقها على المدى القريب والبعيد. وهو حكم إيجابي لأن الحزب الذي لايملك أدلوجة هو حزب إنتهازي يسعى إلى إستغلال النفوذ والسلطة .

ندرس أدلوجة عصر النهضة بمعنى النظرة التي كان ينظر بها رجل النهضة إلى الكون والمجتمع …أي أن أدلوجة عصر من العصور هي الأفق الذهني الذي كان يحد فكر إنسان ذلك العصر . واعتبر أن الماركسية تتميز بتقديمها لنظرية عن الأدلوجة ،وتجيب عن الأسباب التي جعلت الفكر الإنساني يرى الأشياء طبقاً لدعواه لاطبقاً لذات الأشياء ،وهنا يقابل مفهوم الأدلوجة مفهوم الحق الذي يطابق ذات الكون ، والأدلوجة تطابق ذات الإنسان .

كما يقال أن شخصاً ينظر إلى الأشياء نظرة أدلوجة أي أنه يؤول الأشياء،ويختارها طبقاً لما يعتقده حقاً. ويتعارض الفكر الإيديولوجي مع الفكر الموضوعي الذي يخضع للمحيط الخارجي ويتشبع قوانينه،ويرى أن الإرتباط بمعتقدات سابقة والإحتكام لها هو مراهقة فكرية .

تتعدد حسب العروي ميادن هذه الإستعمالات، فبالنسبة للمفهوم الأول يستعمل في ميدان المناظرة السياسية ويكتسي صبغة السلبية والإيجابية حسب هوية المستعمل، وبالتالي فدارسها لايحكم عليها بمنطق الحق والباطل،وإنما من خلال قدرتها على إستمالة الناس،وتحقيق أهدافها. ويستعمل المفهوم الثاني في المجتمع في دور من أدواره التاريخية،فهي تحدد أفكار وأعمال الأفراد والجماعات بشكل خفي وغير واعي. ونجد المفهوم الثالث في مجال الكائن أي كائن الإنسان المتعامل مع محيطه والبحث فيه من قبيل نظرية الكائن لذلك نجد في الماركسية تعارض بين المعرفة الإديولوجية والعلم الموضوعي. واعتبر إستعمال المفهوم الرابع مشترك بين المجالات السابقة لأن دراسة تأثير أي أدلوجة على الفكر هي بمثابة البحث في الحدود الموضوعية التي ترسم أفقه،وهي حدود إنتمائه إلى أدلوجة سياسية،والدور التاريخي الذي يمر به المجتمع وحدود الإنسان في محيطه الطبيعي .

يستنتج العروي من خلال ذلك أن مفهوم الأدلوجة يتميز بإزدواجية،فهو وصفي ونقدي يستلزم مستويين، مستوى أول تقف عنده الأدلوجة بإعتبارها حقيقة مطابقة للواقع يصفها الباحث بأمانة .ومستوى ثاني يقوم فيه بالحكم على الأدلوجة بأنها لاتعكس الواقع …ولايصبح للادلوجة مدلولاً خاصاً إذا إكتفى الباحث بمستوى واحد لأن الظاهرة النقدية هي التي تميزها عن باقي المفاهيم .

كما أن إستعمال كلمة أدلوجة في المجال السياسي يعني أنها تكشف الواقع لنا وتحجبه عن خصمنا،وعندما نتكلم عن أدلوجة عصر النهضة ،فإننا نستعمل الكلمة عن قصد لا مجرد مرادف لذهنية … ليشعر القارئ أننا نحكم عليها بأنها حقيقة مرحلية بالنظر إلى تطور التاريخ…لأنها ترتبط بواقع ما وحقيقة ما،وهذه الإزدواجية تستتبع نظرية بأكملها.مما جعله يؤكد على أن أي إستعمال للأدلوجة يرتبط بمجال وبعلة ووظيفة ويقود إلى نظرية ويخلق نوعاً من التفكير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *