منتدى العمق

العبر

أظهرت جائحة وباء كورونا لنا أو لمن يتتمتع ببصيرة، عدة دروس وعِبر كنا في حاجة إليها منذ زمن، فهذه الوقفة التي جاءت في مرحلة صراع مالي ومناصبي، وصل درجة من العنف الاجتماعي، وانتشار مناطق المال أولا، و الاستيلاب للأجنبي، وأنا وبعدي الطوفان، ولاشيء يعلو على رنين الذهب.

وقد أبانت الجائحة أن كل هذه الرهانات لا مرتكز لها، ولا قيمة لها، وأن البناء الداخلي اجتماعيا وتربويا ، والتضامن و التكافل، كانوا الوسائل لتجاوز الكارثة، وأن كل اللذين راهنوا على الهروب لغويا و ثقافيا وجنسيةً، قد وصلوا إلى الباب المسدود.

المسألة الأخرى التي أعطتنا الجائحة دروسا فيها ، هي المجتمع الذي انقسم بشكل مُفجع، فالذين ساهموا في تدمير التعليم والتربية العموميتين، أنتجوا مجتمعا آخر لا يتفاهم ولا يستوعب مجتمع التعليم الخاص وتعليم البعثات الأجنبية. وبالتالي تم إنشاء مجتمعات في مجتمع واحد، وكذلك الأمر في الصحة العمومية، فالرهان على المصحات التجارية كاد يؤدي إلى وباء عام، لولا الأمن الذي حل بقوة وليس بالإقناع لدرْء المفسدة.

لقد غادر التعليم العمومي – فضلا عن الذين لم يتمدرسوا أصلا- ملايين الأطفال، خلال السنوات القليلة الماضية نتيجة التفكير في علاج الميزانية على حساب التربية والصحة العامتين. فالأساسي لدى البعض أصبح التوازن المالي، الذي أدى إلى سياسة اقتصاد الجريمة، وبناء السجون الذي أصبح لها ممون خاص، بعكس التعليم العمومي والصحة، الذين فضلا عن تدمير ميزانيتهما والتشكي منها، فإن التسرب و عدم التمدرس بلغ شأوا خطيرا وسط لا مبالاة، بل سار البعض يرفع شعار “لم آمر بها ولم تسؤني”، النخبة أيضا أساءت إلى التعليم العام بمغادرته وتركه يبابا.

هناك دائما وقفات في التاريخ تجعل الشعوب تقف لحظة تأمل بسبب ما مضى، وبين ماهو حاضر، وماهو آت. فالحاضر ابن الماضي وآب المستقبل. وهذه المرحلة هي إحدى الفرص التاريخية، والعبر و القصاص ، لكي نتخذ كمجتمع مايجب اتخاذه، فنحن وسط نقاس عام، رغم أن الصوت قد يكون مشوشا لنتراجع خطوة إلى الوراء من أجل خطوات إلى الأمام. فقد توضح أن الغرب مجرد نمور من ورق، وأن استيلابنا تجاهه بهذا العمق لا معنى له، وأن تهريب أنفسنا وأبناءنا وحياتنا نحوه مجرد هروب إلى الأمام ، فالمجتمع الداخلي العظيم هو المجتمع العالمي العظيم، فسوء التفاهم الذي طابع مجتمعنا خلال السنوات الماضية، راجع إلى الرهان على الأجنبي في قضايانا، وهو أمر اتضحت سلبيته، وذلك ناتج عن تدميرنا الاجتماعي والثقافي واللغوي، لقيمنا التاريخية و الفكرية من أجل حفنة من المال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *