منتدى العمق

إقليم طاطا بين جمال وحات النخيل وغنى التراث الثقافي منذ القدم

يعد إقليم طاطا من أقدم مراكز العمران البشري في المغرب، حيث استقر فيه الإنسان منذ عهود غابرة و هذا ما تؤكده النقوش الصخرية والأدوات الحجرية التي توجد في جميع أنحاء الإقليم. وقد ظل طوال عدة قرون واحدا من المحاور الرئيسة للتجارة الصحراوية القديمة، وقناة من أهم القنوات التي تتعامل من خلالها المغرب مع إفريقيا جنوب الصحراء المغربية. فمنذ ما قبل التاريخ كان ممرا لما يسمى بطريق العربات، وازداد دوره أهمية في هذا المجال خصوصا بعد بناء مدينة “تمدولت” الشهيرة زمن “الأدارسة” المدينة التي كانت من أهم محطات القوافل المتجهة إلى السودان قدوما من باقي أرجاء المغرب، وظل يضطلع بهذا الدور إلى حدود القرن التاسع عشرالميلادي، وساهم في نقل التأثيرات الحضارية بين المغرب وإفريقيا.

وإلى جانب ذلك ساهم إقليم طاطا في بناء الثقافة والحضارة الإسلامية في المغرب بوساطة زواياه ومدارسه العتيقة المتعددة التي ازدهرت فيها الحركة العلمية، وبلغ بعضها درجة كبيرة من الشهرة وذيوع الصيت، وقدمت رجالات وشخصيات علمية مرموقة أمثال عبد الله بن ياسين والشيخ التمنارتي وأحفاده ومحمد بن مبارك الأقاوي وحفيده سيدي عبد الله بن مبارك وعلماء آل حسين بطاطا وعلماء الأسر اليعقوبية “بإمي نتاتلت” إلخ… وهكذا فعراقة تاريخ الإقليم وأدواره الاقتصادية والعلمية، والدينية وتعدد المشارب العرقية والحضارية لسكانه، كلها عوامل أعطته رصيدا تراثيا مهما ومتنوعا.

بلإضافة إلى هذا، ساعدت الطبيعة الجيولوجية للمنطقة، الإنسان القديم في انجاز وتشكيل لوحات صخرية وفنية، تعبر عن معتقداته وطبيعة البيئة الإيكولوجية والحيوانية ما قبل التاريخ .

ولا ننسى أيضا دور المجاري المائية والروافد التي تخترق المنطقة في خلق الواحات، إذ ساهمت بشكل أساسي في استيطان المجموعات البشرية من العصور القديمة، وحفظ التوازنات البيئية والطبيعية للمنطقة منذ تلك الفترة. كما أنها ساهمت في تشكيل ممرات طبوغرافية وطبيعية، وتنوع الفضاء النباتي والفرشة المائية لهذه المجالات الواحية، الشيء الذي أنتج تراث طبيعيا غنيا بشكل عام، ومجالا متميزا بخصوصيات ومشاهد طبيعية متعددة ومتنوعة على وجه الخصوص.

اما في مايخص التركيبة البشرية لواحات طاطا، باعتبارها محددا أساسيا في تنوع وتعدد المجموعات البشرية المستقرة فيها فان هذا التنوع البشري للمنطقة ليس وليد اليوم، بل هو نتاج مسلسل تاريخي امتد منذ البدايات الأولى للهجرات البشرية عبر التاريخ.

من زاوية أخرى، تؤكد الروايات الشفوية حول المنطقة عن تواجد حضارات قديمة منها: فئة اليهود، والمسيح، والتي استقرت بالمنطقة عبر مراحل تاريخية قديمة. وقد رجح الباحثين أن التاريخ البشري لواحات طاطا، يعد محطة وصول أولى الهجرات المعقيلية خلال الفترة الإسلامية والتي أغنت النسيج البشري للمنطقة عموما، يمكن اعتبار أن التاريخ البشري للمنطقة جزء من التاريخ العام للواحات المغربية، إذ لا يمكن فصله عن تاريخ باقي المجالات الواحية الصحراوية المغاربية، باعتبار الاستقرار البشري القاسم المشترك بين واحات طاطا وجل المناطق شبه الصحراوية والصحراوية فمعظمها حضارات ما قبل التاريخ تجلت أساسا في مواقع الصناعات الحجرية، التى تزخر بها المنطقة، وهي مواقع لحضارات العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث والفن الصخري، الذي يعد من أهم الشواهد التاريخية لكتابة تاريخ المنطقة.

فقد أكد الباحثين أن منطقة طاطا تعتبر أولا، متاحف تاريخية للنقوش الصخرية، والتي تتميز بمراحل مختلفة من الاستقرار البشري منذ مرحلة ماقبل التاريخ حتى الفترة الليبية الامازيغية…إلا أنها، تحتاج اليوم إلى اتخاذ إجراءات كفيلة لحماية هذا الموروث التاريخي والحد من المخاطر والمشاكل التي يعاني منها في الوقت الراهن. ثانيا، مجالا غنيا بالمدافن ماقبل الإسلام والتي تشكل مظهرا من مظاهر الاستقرار البشري بالمنطقة، وجانب من جوانب تاريخ المنطقة الغير المعروف خلال الفترة ما قبل الإسلام.

إن المميزات الثقافية والجغرافية لاقليم طاطا ، تؤكد على التعدد اللغوي والثقافي في تاريخ المنطقة. ولعل أهم ما يميزه عن باقي جهات المملكة، تمكنه من الصمود أمام تحديات العولمة، والتطور التكنولوجي وحفاظه إلى حد كبير على أصالته وهويته. ومن نقاط القوة الأخرى التي تميز هذا التراث مكوناته العديدة المتمثلة في المآثر المعمارية التقليدية ، ( القصبات بأسوارها وأبراجها الطينية، وأطلال المخازن الجماعية بأدوارها الاقتصادية والاجتماعية القديمة والمساجد والمآذن والزوايا بهندستها المتميزة، والمنازل التقليدية الفخمة منها والبسيطة…) من دون إغفال المدن الأثرية والعادات التقليدية والفنون الشعبية الذي تعد رقصة أحواش أبرزها شعبية بالإضافة إلى المهارات اليدوية المتوارثة أبا عن جد على مدى مئات السنين.

وبهذا يكون إقليم طاطا قد ضم مظاهر حضارية من النادر إيجادها مجتمعة في رقعة جغرافية واحد.

* مدون وكاتب رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *