وجهة نظر

المغاربة.. مقاومة المجاعات وبدائل الأطعمة

كثيراً ما كان المغرب يعرف مجاعات تتفاوت خطورتها حسب المكان والزمان، وغالباً ما كانت تنشأ هذه المجاعات التي يمكن تعريفها بقلة الأكل وغلائه في الأسواق، بسبب عوامل ذات صبغة طبيعية بالدرجة الأولى كتوالي سنوات الجفاف، وإنحباس المطر، وفي آحايين أخرى نجد أن كثرة المطر والفيضانات سببت هي الأخرى في مجاعات عديدة بالمغرب،وذلك أن كثرة المطر وإستمراره لفترة طويلة يسبب في تدهور الأراضي الفلاحية وصعوبة إستغلالها، ومن جهة شكلت زيارات الجراد المتكررة للمغرب خطراً على البيئة النباتية، مما كان يهدد المحاصيل الفلاحية التي كد الفلاح المغربي بوسائله التقليدية من أجل توفيرها ضماناً لقوته الغذائي. وهكذا سجل لنا التاريخ حوادث مأساوية تتعلق بضياع محاصيل زراعية مهمة في رمشة عين بسبب الجراد.

بالإضافة إلى هذه العوامل الطبيعية انضاف تدخل العامل البشري الذي كان يساهم هو الأخر في تدهور معيشة المغاربة، والمثمتل أساساً في عملية الإحتكار وتخزين الحبوب من طرف المضاربين، مما كان يساهم في إرتفاع أسعارها فيعجز البسطاء عن توفير قوتهم اليومي فتنتشر المجاعة .

ويذكر كذلك أن التحولات التي عرفها المغرب أواخر القرن التاسع عشر التي شملت جميع الميادين، بما فيها الميدان الإقتصادي تحت تأثير الضغوط الأوربية التي ألزمت المغرب بفتح أسواقه أمام منتوجاتها، وتصدير منتوجات أساسية لها حضور قوي في مائدة المواطن المغربي كالحبوب …مع ما كان يعرفه المجال النقدي في المغرب من إنهيارات، تظافرت كلها للمساهمة في إنتشار مجاعات بسبب غلاء أسعار الحبوب.

بيد أن قسماً كبيراً من الفقهاء والعلماء وعامة الموطنين الذين كانوا يشكلون آراءهم ونظرتهم إلى الوقائع والظواهر من فتاوى وأقوال هؤلاء الفقهاء إرتأوا إلى تفسير هذه المجاعات بمنظور غيبي، مما يجعل منها ظاهر غيبية تتحكم فيها القدرة الإلهية لتحقيق ما كانوا يسمونه بالعقاب السماوي للناس بسبب فسقهم، وغيهم وانتشار الرذيلة والمنكر …وبالتالي فأي مجاعة حلت بين ظهرانيهم إلى وفسروها بطبيعة أعمالهم، وفي نفس الوقت كان المخزن نفسه يستغل مثل هذه التفسيرات لضرب المناطق المتمردة التي خرجت عن طاعته، ويعتبر المجاعة غضب الله عليهم لأنهم نكثوا البيعة وأشاعوا الفتنة والفرقة بين المسلمين. أما المصادفة الغريبة فهي أن المتمردين والثوار كانوا يعتمدون نفس التفسير لضرب المخزن.

بغض النظر عن تدخلات المخزن، وقناصل الدول الأجنبية من أجل الحد من إنتشار وآثار هذه المجاعات التي غالباً ما كانت محدودة ومرتبطة بالمدن الكبرى، سنتساءل كيف كان المغاربة في البوادي والمدن الهامشية يقاومون الجوع في مثل هذه الظرفية الصعبة ؟ وماهي الأطعمة البديلة التي كانوا يلجأون إليها لتعويض نقص الطعام ؟.

سأحاول أن أعتمد هنا على محمد أمين البزاز في كتابه تاريخ الأوبئة والمجاعات في المغرب، حيث أشار إلى أن المغاربة ورغم إيمانهم الغيبي، وتفسيرهم للمجاعة بكونها عقاب إلاهي مرتبط بأعمال الإنسان … كانوا يلجأون إلى مقاومة الجوع بعدة وسائل من أهمها قضية الإدخار وتخزين الطعام عبر عدة أشكال .

من أهم أشكال التخزين التي اعتمدها المغربي نجد (المطمورة) كجزء رئيسي من الحقل، عبارة عن تجاويف باطنية تفرش جوانبها بالتبن وتغطيها صخرة منبسطة يعلوها غطاء صغير مخروطي الشكل مكونة مرتفع يحول دون تسرب مياه الأمطار. ونجد كذلك الأهراء الجماعية فحسب نفس الباحث فإنها كانت منتشرة

في المناطق الجبلية بالجنوب، وهي عبارة عن قلاع كبيرة تدعى (أكدير) أو ( إيغرم)تتكون من طبقتين أو ثلاثة بأبراج للحراسة وتنظمها أعراف القبائل.

أما في المدن فكانت الأسر تلجأ إلى عمليات التخزين داخل المنزل في أماكن مخصصة لذلك حيث يتم وضع المواد في سلال، ويتم تجصيصها بالطين.

صحيح أن عملية تخزين الطعام كانت ترتبط بوفرته وكثرته، مما كان لا يتاح إلا للفئة الغنية، أما عموم الفقراء فكانوا يصارعون من أجل توفير قوتهم اليومي لكن لم يمنع ذلك من ظهور مبادرات تضامنية في زمن المجاعة جسدها أغنياء المدن والمحسينين بهدف مساعدة الفقراء في توفير ما يسدون به رمقهم، ويواجهون به الموت. كما أن المخزن نفسه كان يشجع هذه العملية ويساهم فيها بمساعداته. وفي آحايين أخرى يلجأ الفقراء إلى قناصل وسفارات الدول الأجنبية طلباً للغوت.

يؤكد محمد أمين البزاز في نفس المرجع المعتمد أن هذه المبادرات التضامنية كانت لا تكفي لسد حاجيات الجوعى والآفاقين…وكانت المجاعة نفسها تفرض عليهم أغدية إستثنائية تعمل على تسكين آلام الجوع لبضع ساعات. مما يفرض علينا أن نشير إلى بدائل الأطعمة التي لجأ إليها المغاربة في زمن الجوع.

تشير عدة مصادر تاريخية إلى مجموعة من النباتات البرية التي استهلكها المغاربة درءً للجوع،ومن بينها نبات ( أيرني) أي الدغفل حيث كان المغاربة يخرجون إلى الخلاء بفؤوسهم للحفر على جدوره التي يتم طحنها للحصول على دقيق يقي من الجوع بالإضافة إلى الخروب والنبق والخبازة والدوم…

كما كانت المجاعة تفرض عليهم سلوكاً غذائياً مخالفاً لطبيعتهم البشرية فيأكلون القطط والحيوانات والجثت ولحم الآدمي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *