وجهة نظر

بين الأب جيورج الأمريكي.. والطفلة إكرام المغربية

تَدهوُر المنظومة الإيكولوجية لبلدنا أصبح أمراً واضحاً… و تراجع التنوع البيولوجي بمجالنا بدأ منذ عشرات السنوات… لقد تضاءلت أعداد اللقالق، و طيور الحسون، و أشجار الأرز، و اختفى سمك الشابل بشكل كامل، و المصير ذاته ينتظر باقي الأنواع الحيوانية … أما حظ الأرانب و الثعالب فليس أقل تعثراً، وقريبا سيصبح حضورها محصوراً في أرشيف ألبومات الصور و صفحات القصص و المعاجم…

غير أنه هناك طفرة بيولوجية على الأبواب.. بحيث ستختفي كل الحيوانات باستثناء الذئب… مُبيدُ الأغنام.. سيملأُ هذا الماكر اللأزقة و الشوارع، و سيركب الدواب و الدراجات، السيارات المتواضعة، و حتى الفاخرة..

من يساوره شك في كلامي هذا فلينظر إلى هذه الذئاب البشرية التي تأكل من أبناء و بنات المغاربة.. بدون شفقة، بدون رحمة، بدون خوف لا من الموت الآني الذي يمثله السجن الدنيوي، و لا من الموت الآتي الذي سيذوقه كل مخلوق بدون استثناء. ستتخلص منطقة “عين الذياب” البيضاوية من حمولتها التاريخية و المكانية، لتتحول إلى “براند” أو ماركة مسجلة في إسم مجتمع تائه و فاقد للحس الإنساني في معظم الأحيان…

في مشهد شبه “عادي” بحكم ظروف وقوعه المهنية و التراكمات السياسية و الإثنية بين الأطراف الفاعلة فيه، استطاع موتُ المواطن الأمريكي من الأصل الإفريقي، جيورج فلويد، بمدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتة،خنقاً تحت ركبة الشرطي الأبيض، ديريك شوفين، أن يثير موجة غضب اجتماعية غير مسبوقة بالداخل كما بالخارج، احتجاجات عجلت بالكثير من الإصلاحات السياسية و الحقوقية الغير المسبوقة بالولايات المتحدة. غير أنه عندما يتعلق الأمر باغتصاب طفلة مغربية على يد أربعيني أو حتى خمسيني، و ما يختزله ذلك المشهد من علاقة غير متكافئة و لا مقبولة قانونيا و لا إنسانيا، فإن الأمر يمر عندنا مرور الكرام: لو كان في قلوبنا مثقال ذرة من إنسانية، حتى لا أقول ذرة إيمان (لأن غالبية الناس لا تصدق إيمانها و لا تعيش على ضوئه) لكانت هذه الأحداث تحركنا كمجتمع، و بالملايين كما حركتنا خطة إدماج المرأة في التنمية، رغم صوابيتها، و كما حركتنا تصريحات بان كيمون، و قانونيْ التعاقد و التقاعد، و المطالبة بالترسيم، و عجلت بدخول عبارة “المسيرة المليونية” قاموسنا الوطني..

ثم إنه أصبح من الواجب على الدولة أن تُشَجّع المجتمع على النمو الفكري و الحقوقي لأن ثمار ذلك ستنعكس على الدولة بنفسها قبل أي طرف آخ، سيصبح المجتمعُ ضميراً حيّاً، و أكثرُ حضوراً و رقابةً لنفسه و لغيره، و سيصبحُ مساعداً يعول عليه في التصدي للشذوذ الفكري و الأخلاقي : يعتقد الناس أنهم إذا نزلوا للشوارع ليطالبوا بالإنصاف و حق الطفولة في الحياة داخل مجتمع خال من إرهاب المغتصبين و المختطفين و المشعوذين..، فإنهم سيصبحون أمام وضعية خرق للقانون، أو أنهم سيُتَّهَمون بتهديد الأمن العام، و بالتالي سيتعرضون أنفسهم لجزاءات سالبة للحرية. لكن، في الواقع أن صمت المجتمع الآن هو الخرق ذاته للقانون، بحيث لن يكون هناك تفسير للصمت خارج كونه قبولا بأمر الواقع، و تستراً على هاتكي أعراض الأطفال، الشريحة الأكثر هشاشة (vulnerability) و تعرضاً للتعسف.

فالدولة و المجتمع كلاهما مسؤول عن نمو و ازدهار الوطن، فَهُما و جهان لعملة واحدة، و لا يمكن الفصل بينهما، و ما يخدش أحد وجهيْ هذه الورقة، فهو يخدش الورقة النقدية ذاتها. قمع هذه الحريات سيزيد من منسوب الكبت في المجتمع، و سيكون بمثابة غطاء لذوي الميولات الشاذة، و المنشغلين بخلق المزيد من المآسي و تحطيم الأطفال و الأسر، بدل تقديم يد المساعدة للناس و تشجيعهم على النمو و التطور و تحقيق الذات بالعمل و الإنجاز.

إننا نعيش أزمة مجتمعية لن تزيد سوى استفحال و تعقيداً ما لم يتم تصميم سياسات تصحيحية و تنزيلها على أرض الواقع. يجب فتح فرصة للناس من أجل التحرر من قوالب تفكير تسلبهم قدراتهم الفكرية و المبادراتية، و تجعلهم سجناء شهواتهم و روتينهم اليومي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *