أدب وفنون، مجتمع

دفتر تحملات جديد لدعم الكتاب يثير غضب فعاليات ثقافية.. واتهامات بـ”تسمين” دور النشر الكبرى

أثارت مضامين دفتر التحملات الاستثنائي الذي أصدرته وزارة الثقافة والشباب والرياضة لدعم الكتاب خلال سنة 2020 بسبب ظروف جائحة “كورونا”، ردود فعل غاضبة ومستنكرة لدى عدد من الفعاليات الثقافية من كُتاب ودور نشر وكتبيين وجمعيات ثقافية، حيث اعتبروا أن دفتر التحملات الجديد “صيغ على المقاس” لتستفيد منه “دور النشر الكبرى والسمينة” كدعم غير مباشر.

وينص دفتر التحملات الاستثنائي لدعم النشر والكتاب الذي اطلعت عليه جريدة “العمق”، في محوره الأول، على طلب عروض لاقتناء المؤلفات الجاهزة من طرف الناشرين وفق شروط محددة، عوض الصيغة السابقة التي كان يتم من خلالها انتقاء مشاريع كتب بعد إخضاعها لمعايير محدد، من أجل تقديم الدعم للجمعيات الثقافية ودور النشر لطباعتها ونشرها.

غير أن عددا من الفعاليات الثقافية اعتبرت أن الصيغة الجديدة لدعم الكتاب تحمل في طياتها إقصاءً وحرمانا للجمعيات الثقافية ودور النشر الصغيرة والمثقفين الذين لا يقدمون على خوض عملية الطبع والنشر إلا عن طريق دعم الوزارة فقط، واصفين الصيغة الجديدة بأنها تشكل “إعداما للمؤلفات المغربية والأنشطة الثقافية التي تمثل عصارة معارف العقل المغربي”.

وأشارت الفعاليات المذكورة إلى أن اقتناء كتب جاهزة لدور نشر لديها إمكانيات لطبع ونشر وتخزين الكتب، يعتبر حرمانا للثقافة المغربية من كتب جديدة، خاصة للكُتاب الشباب ودور النشر بالمدن الصغيرة، حيث كان الكاتب المغربي يحصل على نسبة من الأرباح وفق العقد الذي يربطه بدار النشر التي تعاقد معها، عكس الكتاب الجاهز الذي يشكل دعمه مساهمة في “تسمين” دور النشر الكبرى التي ليست في حاجة لهذا الدعم أصلا.

وفي نفس السياق، كشف مصدر مطلع لجريدة “العمق”، أن مجموعة من الفعاليات الثقافية من كتاب ومثقفين وكتبيين، خاصة الجمعيات الثقافية المتضررة من استثنائها من الدعم خلال الموسم الجاري، ينسقون لخوض احتجاجات ستتخذ أشكالا متعددة خلال الأسابيع المقبلة، وذلك للرد على مجموعة من القضايا التي يعتبرونها إجحافا وإقصاءً بحقهم، على رأسها الصيغة الجديدة لدعم الكتاب.

هذا وحاولت جريدة “العمق” أخذ وجهة نظر وزارة الثقافة والشباب والرياضة حول الموضوع، حيث تواصلت مع مدير قسم الكتاب والنشر بالوزارة حسن النخلي الذي وعد بتقديم توضيحات في الملف خلال هذا اليوم، إلا أن الجريدة لم تتلقى أي رد بعد رغم إعادتها الاتصال بالمسؤول المذكور، لكن دون جواب.

“إعدام” الكتاب

نادي القلم المغربي، وهو واحد من الهيئات الثقافية الوطنية الفاعلة في مجال الكتاب، يرى أن “الحكومة مُصرة على سياسية محاربة الثقافة المغربية”، معتبرا أن حزب الاتحاد الدستوري الذي يرأس وزارة الثقافة يسير في اتجاه “إعدام” أزيد من 500 كتاب مغربي كان من المفترض أن يتم دعمها كما جرت العادة سنويا.

وأوضح النادي في بلاغ له، توصلت جريدة “العمق” بنسخة منه، أن لجوء وزارة الثقافة إلى اقتناء المؤلفات من الناشرين والجمعيات الثقافية المتهمة بنشر الكتاب المغربي، “ليس حلا أو بديلا، ويمكن أن يكون دعما غير مباشر لدور النشر الكبرى السمينة، وليس بتاتا دعما للجمعيات التي لا يمكنها طبع ونشر الكتاب بدون دعم الوزارة، ما دامت الأخيرة قد استثنت اقتناء الكتب المدعومة”.

جاء ذلك في وقت اعتاد فيه المثقفون المغاربة في مختلف التعبيرات الفنية والأدبية، أن يتم دعم أزيد من 500 عنوان يتم نشرها سنويا في كل المجالات والتخصصات، لتُسهم بدورها في تحقيق التراكم الثقافي، بالإضافة إلى ما تنشره المطابع داخل المغرب وخارجه لمؤلفات مغربية، وفق المصدر ذاته.

وأشار النادي إلى أنه “كان من الحكمة الإبقاء على دعم نشر الكتب كما هو الشأن بالنسبة للمجلات، وليس الإقدام على حصد أرواحها وإعدام دعم الأنشطة الثقافية بالآلاف أيضا، بدون موجب شرع أو وعي بأهمية الثقافة في التنمية والبناء”.

وتساءل البلاغ بالقول: “لماذا هناك دائما من يريد أن يعود بالمغرب إلى الوراء ويعتقد أن الثقافة حائط قصير، وأن المثقف المغربي يمكن أن يكون بدون لسان يصرخ به في وجه من يكرسون الجهل والزيف؟”.

“فقدان” الزخم الثقافي

وفي هذا الصدد، اعتبر أحد مسؤولي نادي القلم المغربي في تصريح لجريدة “العمق”، أن الصيغة الجديدة لا تستهدف الفاعلين الأساسيين في الساحة الثقافية بل تستهدف دور النشر الكبرى واللوبيات الفنية المسيطرة على القطاع الفني، مشيرا إلى أن هذه الصيغة تمثل إقصاءً لدور النشر الصغرى وهو في الحقيقة إقصاء لإنتاجات الكُتاب والباحثين الشباب، وفق تعبيره.

وأوضح المسؤول الذي كان يتحدث لـ”العمق” باسم نادي القلم، أن الصيغة الجديدة تستهدف دور النشر الكبرى لأنها هي من تستطيع طبع المؤلفات بأعداد كبيرة مسبقا، بينما تنتظر الجمعيات الثقافية ودور النشر الصغيرة دعم الوزارة لطبع ونشر الكتب باعتبارها لا تملك الإمكانيات لذلك، لافتا إلى أن الصيغة الجديدة ستحرم أيضا الجمعيات من تنظيم معارض الكتاب.

وأضاف أنه خلال السنوات السابقة كانت دور النشر الصغرى والكبرى والجمعيات الثقافية تقدم مشاريع كتب على حدٍ سواء إلى الوزارة التي تتدارسها وتصادق على تقديم الدعم لطبع مجموعة من تلك الكتب التي تستجيب للمعايير المحددة، موضحا أن تلك الصيغة كانت تمكن من طبع ما بين 500 إلى 600 كتاب مغربي سنويا لكُتاب أغلبهم باحثين شباب.

وتابع قوله: “الصيغة السابقة، على علاتها ورغم التراجع عن الدعم على دفعتين والاكتفاء بدفعة واحدة، كانت تتيح لدور النشر الصغيرة إمكانية نشر إنتاجات الشباب، خاصة في مجالات البحث العلمي، باللغات الفرنسية والعربية والأمازيغية ومختلف التعبيرات الموجودة في الساحة الثقافية المغربية، وهو ما يمثل عائدا للثقافة المغربية بصفة عامة، بغض النظر عن مشاكل التوزيع الذي يعرف احتكارا بدوره”.

وبخصوص قيمة الدعم الذي كان يمنح لدور النشر والجمعيات الثقافية قبل الصيغة الجديدة، أفاد نفس المصدر أن كتابا يضم 120 صفحة مثلا كان يحصل على دعم يتراوح ما بين 8000 إلى 10000 درهم، وهو مبلغ يمكننا من طبع ما بين 300 و500 نسخة، حسب كل مطبعة وجودة الطبع، وفي الغالب يتم التوزيع بشكل يدوي من طرف الكاتب أو دار النشر الصغيرة لأن أغلب تلك الدور ليست لها شراكة مع شركات التوزيع الكبرى.

إضافة إلى ذلك، يضيف المتحدث، فإن دفتر التحملات الاستثنائي سيحرم الثقافة المغربية من أنشطتها على غرار معارض الكتب المستعملة والمعارض المحلية وحفلات توقيع الكتب في دور الثقافة والجمعيات الثقافية، وبالتالي فقدان الزخم الثقافي الذي اعتدنا عليه، مشيرا بالمقابل إلى أن “الأسماء المكرسة للكُتاب عادة ما تطبع كتبها في دور النشر الكبرى بالمغرب والمشرق وهي ليست في حاجة للتقدم لهذا النوع من الدعم”.

ودعا المتحدث وزارة الثقافة إلى تعديل صيغة الدعم في دفتر التحملات الاستثنائي من أجل دعم الجمعيات الثقافية التي تُنشِّط الفعل الثقافي بالمغرب، لافتا إلى أنه لا يجب التراجع عن هذا المكتسب رغم أن الدعم كان يُقدم خلال السنوات الماضية مرتين في السنة، قبل أن يتحول إلى دفعة واحدة خلال العامين الأخيرين، وإذا به الآن كأنه حُذف نهائيا مع الصيغة الجديدة للدعم، حسب قوله.

شروط الدعم “الاستثنائي”

وأطلقت وزارة الثقافة، ابتداءً من 17 يونيو الجاري، طلب عروض لدعم مشاريع النشر والكتاب بغلاف يقدر بـ11 مليون درهم في مجالات اقتناء الكتب من المكتبات والناشرين لتوزيعها على المكتبات والخزانات العمومية، وإصدار ونشر المجلات الثقافية الورقية والإلكترونية، والتحسيس بأهمية القراءة، ومشاركة المؤلفين المغاربة في إقامات المؤلفين، ومشاركة الناشرين المغاربة في المعارض الدولية للكتاب.

فبخصوص اقتناء الكتب، اشترط دفتر التحملات على الناشر أن يكون عبارة عن مقاولة نشر أو جمعية ثقافية مغربية تشتغل في مجال نشر الكتاب (دور نشر، جمعيات)، وأن تتوفر على إنتاج منشـور برسم سنوات 2018 و2019 و2020، مع استثناء الكتب المدعمة من قبل قطاع الثقافة، وأن تكون قد أوفت بكافة تعهداتها السابقة إزاء قطاع الثقافة، وأن يحمل الكتاب إشارة إلى مثن البيع على ظهر الغلاف.

وبالنسبة للكتبيين، فقد اشترطت الوزارة أن تكون المقاولة مكتبة بيع تزاول بيع الكتاب الثقافي كنشاط رئيسي، وأن يستجيب المقر للشروط والمعايير المطلوبة في مكتبة البيع، وأن تكون الكتب المرشحة صـادرة خلال سنوات 2018 و2019 و2020، مع استثناء الكتاب المدرسي، وأن تكون المقاولة قد أوفت بكافة تعهداتها السابقة إزاء قطاع الثقافة، وأن يحمل الكتاب إشارة إلى مثن البيع على ظهر الغلاف.

وحدد دفتر التحملات أصناف الكتب المعنية في كتب أدب الأطفال واليافعين، الكتب الثقافية والعلمية والتقنية التي تستهدف مـن خلال مضامينها وكميات طبعها وتوزيعها تعميم المعرفة بين أوساط الجمهور العريض، الأعمال والدراسات الأدبية والفنية واللغوية والمؤلفات المندرجة في إطار العلوم الإنسانية والاجتماعية.

كما يشمل الدعم كتب التراث الثقافي المغربي، الأعمال المترجمة والكتب الأولى للأدباء المغاربة، الموسوعات والمعاجم، الأعمال الكاملة للكتاب المغاربة، الكتب الفائزة بجائزة المغرب للكتاب، الكتب الموجهة إلى المعاقين بصريا.

وأوضحت الوزارة من خلال دفتر التحملات ذاته، أن معايير الاختيار تتجلى في أولوية الكتاب المغربي، ملاءمة الكتب المرشحة لمعايير الجودة والجدة والقيمة الإبداعية، قيمة الكتاب الأصلي وأهمية ترجمته ونشره بالنسبة للكتب المترجمة، مع تخصيص نسبة %10 من الدعم للكتب المترجمة بالعربية والأمازيغية، وإيلاء عناية خاصة لكتب الأطفال واليافعين والكتب المؤلفة باللغة الأمازيغية أو الحسانية.

وحددت الوزارة آخر أجل لإيداع طلبات الدعم يوم 3 يوليوز 2020، مشيرة إلى أن لجنة الفحص ستقوم بتحديد لوائح الكتب المختارة للاقتناء، وتخبر بها مقدمي الطلبات المستوفين للشروط وفق المقتضيات التعاقدية بين قطاع الثقافة والمستفيدين مــن الدعم، حيث يتعين توقيع العقد في أجل أقصاه 7 أيام من إشعار صاحب الطلب، وخلاف ذلك يتم إلغاء الدعم، كا يتم استبعاد الملفات الناقصة.

الكتبيون “غاضبون”

من جانبهم، عبر الكتبيون عن غضبهم من الصيغة الجديدة التي اعتمدتها وزارة الثقافة لدعم الكتاب، حيث أشاروا إلى أن “عزم الوزارة حجب الدعم المخصص للكتاب وللتظاهرات الخاصة به، أثار ردود فعل غاضبة ومنددة من طرف كل من له ذرة غيرة على الثقافة المغربية وعلى مصير الفكر والإبداع، وأيضا على مستوى الدورة الاقتصادية الخاصة بالنشر والكتاب الهزيلة أصلا رغم ما توفره من مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة”.

واعتبر بلاغ للجمعية البيضاوية للكتبيين، توصلت جريدة “العمق” بنسخة منه، أن الأخطر في هذه الصيغة هو “تهميش الكتاب المغربي وفتح الباب على مصراعيه أمام استيراد فكر غريب عن المجتمع والثقافة المغربيين، وما سيتبع ذلك من نتائج كارثية اكتوينا بها في الماضي القريب ولن نسمح كأمة بتكرار التجربة مرة أخرى”.

وأضاف البلاغ مخاطبا وزير الثقافة: “إنه حقيقة لأمر محزن وغير مفهوم وغير موفق تماما أن تدشنوا مهامكم على رأس الوزارة بمثل هذه القرارات التي تتناقض تماما مع الآمال والانتظارات التي أفرزتها الأزمة الحالية في حقول البحث العلمي والابتكار والإبداع في جميع المجالات، والتي أبان فيها المغاربة عن علو كعب لا يضاهى، وهي الحقول والمجالات التي يحتل فيها الكتاب موقع الصدارة”.

وأضافت الجمعية: “بصفتنا كتبيين، فإن قراركم بحجب الدعم عن التظاهرات الثقافية الخاصة بالكتاب يمسنا في مهنتنا ويضيف إلى معاناتنا ويعمق الأزمة التي نتخبط فيها منذ أزيد من 20 سنة بفعل تراجع القراءة وبفعل التغيير المستمر للمقررات الدراسية، ناهيك عن كوننا نشتغل في إطار القطاع غير المهيكل ولا نتوفر على أي تغطية صحية واجتماعية، إضافة إلى كون عددنا يقل سنة بعد أخرى سواء بفعل توجه البعض نحو نشاطات أخرى أو بفعل الوفاة في ظروف تنعدم فيها أدنى شروط الكرامة الإنسانية”.

وانتقدت الهيئة ذاتها ما اعتبرته حجب الدعم عن التظاهرات الثقافية، مبدية استياءها من “حجب الدعم عن المعرض الوطني للكتاب المستعمل الذي شكل على مدى 12 دورة تظاهرة وطنية ببعد دولي، نظرا لطبيعتها الشعبية وللبرامج الثقافية التي توازيها وتستقطب عدد مهما من الأكاديميين والباحتين والمبدعين، وهي تظاهرة صارت موعدا سنويا ينتظره مئات الآلاف من القراء والزائرين من كل أنحاء البلاد”.

وتابع البلاغ: “هل بمثل هذه القرارات سنشجع القراءة؟ وهل يحجب الدعم عن مثل هذه التظاهرة سنساعد مهنيي الكتاب والمؤلفين على مزيد من البدل والعطاء؟”، داعيا الوازرة إلى التراجع عن هذا القرار وزيادة حجم الدعم وابتكار وسائل مالية لتوسيعه، “وإلا فإن التاريخ سيسجل أنكم انحزتم إلى تعميق الجهل وقلة الذوق والأمية، وذلك ما لا نرضاه لبلدنا التواق إلى تنوير أبنائه وإلى مزيد من الإشعاع لثقافته الضاربة بجذورها في عمق التاريخ”.

يوسف بورة، رئيس الجمعية البيضاوية للكتبيين، أشار في تصريح لجريدة “العمق”، إلى أن الضحية من هذا القرار هو المغرب، خاصة في ظل منافسة شرسة من قبل الناشرين المصريين والسوريين وغيرهم، مطالبا في هذا الصدد بإجراء حوار وطني يجمع كافة الفعاليات المرتبطة بالكتاب المغربي مع عدم تغييب أحد، وذلك من أجل مناقشة مكامن الخلل.

وانتقد بورة التغييرات التي تتم على مستوى دعم الكتاب كلما جاء وزير جديد، قائلا إن الدعم الذي كان يصل للكتبيين في عهد الوزيرين الصبيحي والأعرج كان يبلغ 3 ملايين سنتيم فقط لمعرض الكتاب المستعمل، بينما نعاني حاليا بسبب جائحة كورونا التي دفعتها لإغلاق محلاتنا طيلة 3 أشهر وإلغاء الدورة الـ13 من معرض الكتاب المستعمل، وفق تعبيره.

وأضاف المتحدث أن الكتبي ليست لديه إمكانيات لطبع ونشر الكتاب بدون دعم الوزارة، مردفا: “نريد دعما ماديا ومعنويا ومناقشة مطالبنا، خاصة التغطية الصحية، لأننا نشجع الكتاب المغربي الذي نبيعه بتخفيض %50  في معارضنا بمشاركة واسعة للكُتاب المغاربة، وهدفها هو نشر الكتاب قصد ترسيخ الوعي ومحاربة أنواع الانحراف والتطرف، لذلك يجب رفع ميزانية الثقافة والكتاب”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *