وجهة نظر

وزير”خرق” حقوق الانسان

السيد “مصطفى الرميد” الحاصل على الاجازة في الحقوق، المحامي، العضو السابق بالمجلس الاستشاري لحقوق الانسان ورئيس سابق لمنتدى الكرامة لحقوق الانسان، رئيس سابق للجنة حقوق الانسان بمجلس النواب ووزير سابق للعدل والحريات ووزير دولة حالي مكلف بحقوق الانسان. كل هذا الرصيد لم يمنعه من التورط في” فضيحة” حقوقية وسياسية كبيرة، جراء ظهور تسجيل صوتي يكشف عدم التصريح بكاتبته التي تشتغل منذ أكثر من عقدين من الزمن بمكتب المحاماة الذي يمتلكه بالدار البيضاء.

الوزير لم يدلي بأي تصريحات أو توضيحات في الموضوع، عكس ما كان منتظرا، لكن أحد المحاميين الذي يشتغل مع المستخدمة في نفس مكتب المحاماة ووالدها، تكلفا بتوضيح المستور، فكان القاسم المشترك بينهما هو تبرئة الوزير، وذلك حين وصفا الكاتبة على أنها المسؤولة عن الاشراف المالي والإداري وانها رفضت تسجيلها في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بعد اكتشاف الوزير كونها غير منخرطة فيه، بالرغم من استعداده لتحمل واجبات التسجيل وغرامات التأخر منذ التحاقها بالعمل لديه، بالإضافة الى تزكيتهما للجانب الإنساني للمحامي الوزير.

إن الحدث كان مناسبة لكشف التناقض لدى الوزير بين النظرية والممارسة، وفي القضية مجموعة من الخروقات القانونية للاتفاقيات الدولية وللتشريع الوطني، لابد من توضيحها:

على المستوى الدولي، فإن بحثا صغيرا عن اخر الأنشطة التي قام بها السيد الوزير للدفاع عن حقوق الانسان، سيقودنا إلى الزيارة التي قام بها الى جنيف شهر فبراير الماضي بمناسبة الدورة 43 لمجلس حقوق الانسان، وحسب الموقع الرسمي لوزارة الدولة المكلفة بحقوق الانسان والعلاقات مع البرلمان فقد كانت الزيارة مناسبة لاستعراض الوزير للتطور الحقوقي بالمغرب والتأكيد على أن المغرب قطع أشواطا كبيرة في تعزيز حقوق الانسان.

ولكن في مقابل ذلك، الوزير انتهك حقا أساسيا من حقوق الانسان، وحرم مواطنة من الاستفادة من برنامج الحماية الاجتماعية، هذا الحق الذي اعتبره العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يحظى بأهمية مركزية في ضمان الكرامة الإنسانية لجميع الأشخاص، هذا العهد الذي صادق عليه المغرب منذ سنة 1979، إلى جانب 8 اتفاقيات أخرى كلها تتعلق بالحقوق الاساسية للإنسان. وكلنا نعرف أن الدستور نص على المكانة السامية للاتفاقيات الدولية، كما نص على التزام المغرب على حماية منظومة حقوق الانسان وعلى كونيتها وعدم قابلية تجزئتها، وهو ما يعني أن الوزير بخرقه لاتفاقية دولية لم يحترم الدستور.

إن مهمة الوزير مستقبلا ستصبح مقترنة بالفشل، فكيف له أن يرافع ويدافع عن حقوق الانسان في المحافل الدولية وواقعة انتهاك حقوق مواطنة تشتغل بمكتبه منشورة على أولى صفحات العديد من الجرائد الدولية، فليس هناك ما يمنع حقوقيا او صحفيا من أن يحرجه بالقضية ويطلب تفسيرا، ولن يشفع له تبرير ذلك بالعلاقة الإنسانية التي تجمعه بأجيرته ولا بتحمله تكلفة علاجها، لأن ذلك لا يمكن أن يكون مبررا لخرق القانون، وكيف للمغرب كذلك أن يتقدم لاستفاضة ملتقيات دولية حقوقية، على غرار الدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الانسان التي نظمها سنة 2014 بمراكش، الحقيقة أنه وضع المغرب وسياسته الخارجية في وضع حرج جدا.

أما على المستوى الوطني، وزير حقوق الانسان، أخل بالواجب وخرق القانون، عندما لم يصرح الى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بمستخدمة في مكتبه، وبذلك يكون قد خرق الظهير الشريف رقم 184-72-1 المؤطر لنظام الضمان الاجتماعي و الذي حدد في فصله الأول الأشخاص الذين يجري عليهم وجوبا نظام الضمان الاجتماعي والذين تندرج ضمنهم الكاتبة، بالإضافة الى الفصل 15 الذي ينص على أن المشغل ملزم بتسجيل جميع مأجوريه في الصندوق، ثم الفصل 22 الذي نص على أن المشغل يبقى متحملا وحده واجب الاشتراك، وتعتبر ملغاة بحكم القانون كل اتفاقية منافية لذلك، إضافة الى الفصل 23 من نفس الظهير الذي ينص على عدم جواز تعرض الاجير على اقتطاع واجب اشتراكه.

كما أن عدم التصريح بالمستخدمة يعني حرمانها من بطاقة الشغل والتي يشترط القانون أن تتضمن وجوبا رقم التسجيل بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وذلك حسب المرسوم رقم 422-04-2 المتعلق بتحديد البيانات التي يجب أن تتضمنها بطاقة الشغل. والوزير بذلك يكون قد خرق كذلك مدونة الشغل في مادتها 23.

إن القاعدة القانونية في هذا السياق، قاعدة ملزمة وآمرة ولا يجوز الاتفاق على مخالفة أحكامها، وهو ما يدحض تبرير أن المستخدمة رفضت التصريح بها في نظام الحماية الاجتماعية. كما أن الترويج لكون الوزير تكفل بنفقة علاجها وقام بتعويضها بمبالغ تفوق ما يمكن ان يعوضها به صندوق الضمان الاجتماعي، لا يمكن أن يبرر عدم تطبيق القانون، ثم أن من المفروض أن يعلم السيد الوزير أن نظام الحماية الاجتماعية يقوم على مبدأ المساهمة وعلى مبدأ التعاضد.

لقد وضع السيد الوزير الحكومة في ورطة كبيرة، خصوصا فيما يتعلق بدعوتها المتكررة لأرباب العمل الى التصريح بأجرائهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وإعلان عزمها في أكثر من مناسبة تطبيق القانون على الذين يتهربون من التصريح أو الذين يتلاعبون في أرقامه، في وقت يقوم وزير ينتمي الى حزب يقود الحكومة بخرق القانون ولا يجد حرجا في ذلك بدعوى العلاقة الانسانية التي تجمع المشغل بالأجير.

الوزير سيفشل في مهماته وطنيا ودوليا لما للحدث من تداعيات كبيرة، وعليه أن يتحمل مسؤوليته القانونية في عدم تطبيق القانون، ويتحمل مسؤوليته السياسية بصفته مسؤولا حكوميا لطالما ترافع يمينا وشمالا عن مبادئ ومواقف لم يستطع هو نفسه الالتزام بها. وأقرب طريق الى ذلك هو تقديم استقالته الفورية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *