منتدى العمق

المقاربة الجنائية لتفعيل حالة الطوارئ الصحية

عرف المنتظم الدولي نهاية سنة 2019، ظهور وباء أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية تسمية “كوفيد 19″، الذي عرف انتشارا في كل قرات المعمور، واكتسح كل دول العالم تقريبا، من بينها المغرب حيث أصبح مهددًا بهذا الوباء لخطورته على صحة الانسان، وغياب تلقيحات لهذا الفيروس، الأمر الذي دفع إلى إصدار مجموعة من التدابير ذات الطابع الوقائي للحد من انتشار هذا الوباء لعل أهمها إعلان وزارة الداخلية عن حالة الطوارئ الصحية، بناءً على الفصل 21 و24 و81 من الدستور واللوائح المنظمة العالمية للصحة .

ولضمان حسن تفعيل هذا المرسوم، تم نهج سياسة جنائية تقوم على فلسفة زجر كل مخالف لأحكام حالة الطوارئ، وبذلك متابعته جنائيا، واحتراما لمبدأ الشرعية الجنائية الجنائية، جاء المرسوم الذي أعلن بموجبه حالة الطوارئ الصحية بمجموعة من الأفعال التي تشكل خرقا لحالة الطوارئ، وقرر لها عقوبات جنائية توقع على مرتكبيها، ذلك من أجل ضمان التطبيق السليم لحالة الطوارئ الصحية، بالإضافة إلى بعض الجرائم المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي، التي يمكن أن تكون مدخلاً للمتابعة القضائية كذلك.

مما سبق، لا يسعنا إلا طرح الإشكالية الجوهرية حول مدى نجاعة السياسة الجنائية لضمان التطبيق السليم لحالة الطوارئ؟ وتتفرع على هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات من قبيل: ما هو واقع سياسة الجنائية في ظل حالة الطوارئ الصحية؟ وما مدى نجاعة الزجر المقرر لخرق حالات الطوارئ؟.

للإجابة على هذه التساؤلات، سنحاول تقسيم موضوعنا إلى: المطلب الأول: نهج سياسة التجريم للتطبيق الأمثل لحالة الطوارئ، المطلب الثاني: مدى نجاعة سياسة العقاب في زجر خروقات حالة الطوارئ؟

المطلب الاول: سياسة التجريم للتطبيق الامثل لحالة الطوارئ

تعتبر سياسة التجريم جزأ لا يتجزأ من السياسة الجنائية، إلى جانب السياسة الوقائية من الاجرام. وتتميز سياسة التجريم على مر الأزمنة بحركية واضحة تعكس خاصية الإنتقال والتطور الذي تشهده باستمرار تبعا للنظم الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، لكل دولة على حدة.

ولضمان نجاعة حالة الطوارئ في الحد من انتشار فيروس “كوفيد 19″، تم إضفاء الصفة الجرمية على مجموعة من الأفعال التي قد تُشل من نجاعة حالة الطوارئ الصحية، وأمام الفراغ التشريعي الذي تعيشه المملكة لحالة الطوارئ الغير المسبوقة، تدخل المشرع لسن جرائم مستحدثة بموجب المرسوم المعلن لحالة الطوارئ (فقرة أولى)، بالإضافة إلى الحماية الجنائية للموظفين المنوط بهم تنفيد التدابير الاستعجالية، وأيضا حماية السلامة النفسية للمواطنين (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى:الجرائم المستحدثة بموجب مرسوم حالة الطوارئ

أمام هذه الأزمة التي يعاني منها العالم عامة، والمغرب خاصة أصبح التدخل التشريعي أمر ثابت، لضمان إستمرارية العنصر البشري، وهذا ما تأتى من خلال إعلان وزارة الداخلية لحالة الطوارئ الصحية، حيث تم إعلان حالة الطوارئ الصحية بمجموع أرجاء التراب الوطني، لكون حياة الاشخاص وسلامتهم مهددة من جراء انتشار أمراض معدية أو وبائية، واقتضت الضرورة اتخاذ تدابير إستعجالية لحمايتهم من هذه الأمراض، والحد من انتشارها تفاديا للأخطار التي يمكن أن تنتج عنها، شريطة ألا تحول هذه التدابير المتخذة دون استمرارية المرافق العمومية وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين.

ولضمان تنفيذ هذه التدابير التي تتخدها السلطات الحكومية، جاء المرسوم بمجموعة من الأفعال التي تشكل جرائم في نظر القانون لخرقها لحالة الطوارئ.

أولا: جنحة مخالفة تدابير حالة الطوارئ

يواجه المغرب خلال المرحلة الراهنة تحديات مهمة على مستوى السياسة التجريمية أملتها ظرفية التنزيل الأمثل لمضامين حالة الطوارئ.

يقصد بالتجريم إضفاء الحماية الجنائية على مصلحة معينة تعد من المصالح الأساسية لأي كيان إجتماعي واعتبار كل فعل أو امتناع يمس بها جريمة يعاقب عليها بعقوبات زجرية، وتنصب الحماية الجنائية في هذا الصدد على التدابير التي تتخذها السلطة الحكومية المعنية.

حيث تم تجريم كل مخالف للأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية التي تقتضيها حالة الطوارئ، سواء تم اتخاذها بموجب مراسيم أو مقررات تنظيمية أو ادارية أو بواسطة مناشير وبلاغات من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتطبيقا لمبدأ إقليمية القانون الجنائي حيث يسري التشريع الجنائي على كل من يوجد بإقليم الدولة من وطنيين وأجانب وعديمي الجنسية. وهذا ما أكدته أيضا مقتضيات المادة الرابعة من المرسوم السالف ذكره.

وعليه سواء كان الشخص مواطنا مغربيا أو أجنبيا أو حتى عديم الجنسية، يعتبر مرتكبا لجريمة مخالفة أحكام حالة الطوارئ من حالة اتيانه أحد الافعال التالية:

• مغادرة أو تنقل الشخص خارج محل سكنه دون توفر حالة الضرورة القصوى، كالتنقل للعمل أو من أجل اقتناء المنتجات والسلع والأدوية الضرورية للعيش اليومي، أو التنقل من أجل العلاج.

• التجمعات والتجمهرات أو اجتماع مجموعة من الأشخاص.
• فتح المحلات بما فيها التجارية التي تستقبل العموم، كالمقاهي وقاعات السينيما وغيرها، حيث يمنع فتح هذه المحلات إلا لأغراض شخصية.

• عدم وضع الكمامات في حالة الخروج من المسكن للضرورة القصوى.

• بيع الكمامات بأكثر من الثمن المحدد لها بموجب قرار لوزير االقتصاد واملالية وإصالح الادارة رقم 20.1057 صادر في 12 من شعبان 1441( 6 أبريل 2020)باتخاذ تدابير مؤقتة ضد ارتفاع أسعار الكمامات الواقية.

ثانيا: عرقلة تنفيذ قرارات السلطات العمومية كمدخل للمتابعة الجنائية

يعيش المغرب والعالم عامة فترة استثنائية، والملاحظ أن السياسة الجنائية قد واكبت هذه الفترة الإستثنائية بإصدار نصوص جنائية خاصة خارج مجموعة القانون الجنائي، لضمان تنفيذ التدابير الصادرة عن السلطات الحكومية حيت تضمن المرسوم الصادر بتاريخ 23 مارس 2020 مقتضيات زجرية لمعاقبة مخالفة أحكامه، حيث جرم كل فعل قد يعرقل تنفيذ قرارات السلطات العمومية المتخذة سواء تمت هذه العرقلة عن طريق تعنيف أو تهديد الموظفين المكلفين بتنفيذ هذه التدابير من قبل الشرطة أو أعوان الإدارت أو غيرهم، أو استعمال الإكراه أو التدليس للحيلولة دون تنفيذ هذه القرارات العمومية.

ومن أجل ضمان نجاعة سياسة التجريم لزجر مخالفي أحكام حالة الطوارئ الصحية، تم تجريم حتى التحريض على اتيان هذه الأفعال التي تشكل في جريمة تستلزم المتابعة، سواء كان هذا التحريض بالوسائل التقليدية كالخطب أو الصياح أو التهديدات أو الإجتماعات العمومية، أو بواسطة الوسائل الحديثة للتأثير على الرأي العام وتحريضه على مخالفة أحكام حالة الطوارئ، كاستعمال المطبوعات والمكتوبات أو الصور أو الأشرطة أو بواسطة تسخير وسائل الإعلام لهذا الغرض أو أية وسيلة إلكترونية يمكن أن تكون محل التحريض.

الفقرة الثانية: الحماية الجنائية للموظفين والسلامة النفسية للمواطنين

يعتبر القانون الجنائي ضابط معياري يرسم الخط الفاصل بين المباح والمجرم، حتى يتأتى للأفراد اتيان المباح دون خشية توقيع الجزاء الجنائي، وأمام حالة الضرورة الملحة لتفعيل المرسوم الخاص بإعلان حالة الطوارئ ظهرت الحاجة إلى صياغة نصوص جنائية جديدة، لملئ الفراغ التشريعي بالاضافة إلى الاستناد على مجموعة من الجرائم المنظمة في مجموعة القانون الجنائي، التي يمكن أن تكون محل متابعات قضائية عدة في هذه الأونة الأخيرة، من أجل ضمان تنفيذ التدابير الاستعجالية التي تتخذها السلطات الحكومية لمنع تفشي فيروس كوفيد19، وكما هو معلوم أن الدولة تستند إلى الوسائل البشرية للإدارات في تفعيل هذه التدابير، لهذا وجب توفير حماية جنائية لهذه الفئة من الموظفين التابعين للإدارات العمومية، وتتجلى هذه الحماية التي يوفرها القانون الجنائي في تجريم مجموعة من الافعال والسلوكات، لعل أبرزها جريمة إهانة الموظف العمومي وجريمة العصيان (أولا)، بالإضافة إلى حماية السلامة النفسية للمواطنين من الأخبار الزائفة، التي تخل بالنظام العام أو تزرع الفزع والخوف في نفوسهم (ثانيا).

أولا: الجرائم التي يرتكبها الافراد ضد النظام العام

أ_ جريمة إهانة الموظف العمومي:

من أجل ضمان تنفيذ القرارات الادارية من طرف الموظفين العمومين، كان لزاما على المشرع أن يتدخل بنصوص جنائية، لردع الأفعال والتصرفات التي تهين بقيمتهم، وذلك من أجل توفير حماية جنائية تجعلهم يمارسون مهامهم وهم في اطمئنان، ذلك ما تأتى من خلال الباب الرابع من الجزء الأول من الكتاب الثاني الذي جاء تحت عنوان الجنايات والجنح التي يرتكبها الأفراد ضد النظام العام.

وتم التعرض لجريمة إهانة الموظف العمومي والإعتداء عليه من خلال الفصول 263 الى الفصل 267 من مجموعة القانون الجنائي، واعتبر المشرع جريمة إهانة الموظف العمومي كل شخص أهان أحد رجال القضاء أو الموظفين العموميين أو رؤساء أو رجال القوة العامة أثناء قيامهم بوظائفهم أو بسبب قيامهم بها، سواء كان هذا التهديد بأقوال او إشارات أو تهديدات أو إرسال أشياء أو وضعها، أو المساس بشرفهم أو شعورهم أو الإحترام الواجب لسلتطهم بواسطة كتابات أو رسوم غير علنية، أو قيام أحد الاشخاص بتبليغ السلطات العمومية عن وقوع جريمة يعلم بعدم حدوثها، حيث إن الدولة في هذه الأونة تسعى إلى احترام جل التدابير المتخذة لمنع تفشي فيروس كوفيد19، وكما هو معلوم فإن أمر تنفيذ هذه التدابير الاستعجالية متوقف على موظفيها عامة، ورجال الشرطة والدرك الملكي وباقي أعوان السلطة خاصة، لذا وجب توفير حماية جنائية لقيامهم بالمهام المنوطة بهم على أحسن وجه، ولذلك فإن كل فعل يهدف إلى المساس بشرف أو شعور.

ب_ جريمة العصيان:

تعرض المشرع المغربي لجريمة العصيان في الفصول من 300 إلى 308 من مجموعة القانون الجنائي، حيت اعتبر أن العصيان هو كل هجوم أو مقاومة بواسطة العنف أو الإيذاء ضد موظفي أو ممثلي السلطة القائمين بتنفيذ الأوامر والقرارات الصادرة من تلك السلطة.

تعتبر هذه الجريمة من بين الجرائم التي جاء بها المشرع للتصدي لكل الأفعال، التي من شأنها عرقلة تنفيذ الأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات الحكومية، وعليه يعتبر مرتكبا لجريمة العصيان في هذه الأونة الأخيرة كل شخص هاجم أو قاوم الموظفين المعنيين بتنفيذ التدابير الاستعجالية الصادرة عن الادارات المغربية لمنع تفشي فيروس كوفيد19، سواء كان بواسطة العنف أو مجرد التهديد به. ويعرض مرتكب هذا الفعل الجرمي إلى حق النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية ضده، من أجل توقيع العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي، التي تترواح في الحبس من شهر إلى سنة وغرامة من 60 إلى 100 درهم، إلا أنه إذا كان مرتكب جريمة العصيان مسلحا، فإن العقوبة تشدد لتصبح الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وغرامة من 200 الى 500 درهم.

ثانيا: الحماية الجنائية لمصداقية الأخبار الصادرة عن السلطات الحكومية:

أعاد التعاطي الإعلامي والجماهيري مع فيروس كورونا (COVID-19)، إلى الواجهة موضوع “الأخبار الزائفة” الذي يُعد موضوعاً قديماً، إلا أنه لم يحظَ بعدُ بالاهتمام الكافي، رغم أن التشريع الوطني، منذ الإستقلال، جَرّمَ الأفعال التي تُشكل جريمة نشر أو نقل أو إذاعة “الأنباء الزائفة”، ووضع ضوابط التصدي لها من خلال تحديد عقوبة إتيانها، ولعل مع هذا الطارئ الصحي الدولي، قد يجعله يحظى بالإهتمام الذي يوازي خطورته.

وعلى الرغم من غياب أي نص في مجموعة القانون الجنائي، فإن التشريع المغربي تصدى لهذه التصرفات والأعمال التي تكون الغاية منها الاخلال بالنظام العام أو إثارة الفزع بين الناس، في القانون المتعلق بالصحافة والنشر، حيث جرمت المادة 72 من القانون المذكور كل من يقوم بنشر نقل خبر زائف أو إداعاءات أو وقائع غير صحيحة أو مستندات مختلفة أو مدلس فيها منسوبة للغير بسوء نية، من أجل الإخلال بالنظام العام أو إثارة الفزع بين الناس، سواء تم ترويج هذه الأخبار الزائفة على بواسطة المكتوبات و المطبوعات المبيعة أو الموزعة أو المعروضة للبيع… أو بواسطة وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الإلكترونية.

من أجل مصداقية الأخبار الصادرة عن الصارة عن السلطات الحكومية، تم تجريم كل تزوير أو تزييف ينصب على الأخبار بهدف الإخلال بالنظام العام أو إثارة الفزع بين الناس، تحت طائلة الغرامة من 20000 إلى 200000 درهم، وهذا ما توجه إليه القضاء المغربي في أحكام عديدة في هذا الباب، نسوق من ضمنها قرار إستئنافية أكادير ، حيث يُقدم هذا القرار صورة لخطورة نشر هذه الأخبار، باعتبار أن “أخلاقيات مهنة الصحافة والإعلام تفرض التحرّي والدقة في صحّة الخبر قبل إذاعته، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالنظام العام أو ما من شأنه إثارة الفزع بين الناس، اعتباراً لطبيعة وسيلة النشر والتي تجعل الخبر خارجاً عن سيطرة مذيعه ومِلكاً للجمهور والمشاهد…”

ولا يجب أن يسود الإعتقاد بأن المخاطب في هذه المادة هو الصحافي فقط، باعتباره هو الفاعل، لأن التطور التكنولوجي الذي شهده العالم جعل كل من له إمكانية النفاذ إلى الأنترنيت، واستعمال منصات التواصل الإجتماعي من عموم المواطنات والمواطنين من الذين يُزاولون مهناً أخرى غير مهنة الصحافة أو بدون مهنة نشر الاخبار، بالعودة إلى متن المادة 72، فالبيّنُ منها أنها تُخاطب الصحافيين وغير الصحافيين، ففضلاً عن استعمال المشرع لعبارة “كل من قام…” وهي عبارة لا تخاطب الصحافيين فحسب، فإنه استعمل في آخر المادة، حين تحديده لوسائل النشر، عبارة “مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الإلكترونية وأية وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة إلكترونية”، وهي عبارة تُدخل في حكمها مختلف التطبيقات الإلكترونية، مما يعني أن أي شخص قام بسوء نية بنشر أخبار زائفة تحققت فيها الشروط الأربعة، السالف ذكرها، فإن القضاء سيتصدى له بالعقوبات الواردة في المادة 72 من القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة بالنشر.

المطلب الثاني: مدى نجاعة سياسة العقاب في زجر خروقات حالة الطوارئ:

سنحاول في هذا المحور ملامسة الجانب العقابي للجرائم المستحدثة بموجب المرسوم الصادر يوم 23 مارس 2020 (الفقرة الأولى)، ثم نحاول إعطاء تقييم لمدى نجاعة السياسة العقابية في ضبط الجريمة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: توجه السياسة العقابية للزجر خرق حالة الطوارئ

يعتبر الجزاء الجنائي هو الأداة المقررة في القانون الجنائي لزجر مرتكبي الأفعال المجرمة بنصوص القانون الجنائي الواسع، سواء كانت منظمة داخل القانون الجنائي أو في نصوص خاصة كقانون الصحافة، والنشر، والقانون التجاري، وقانون الشغل، وغيرها.

فالجزاء الجنائي يأخذ أحد الصور التالية العقوبات الأصلية والعقوبات الإضافية والتدابير الوقائية، فتكون العقوبة أصلية عندما يسوغ الحكم بها وحدها دون أن تضاف إلى عقوبة أخرى، وتكون إضافية عندما لا يسوغ الحكم بها وحدها، أو عندما تكون ناتجة عن الحكم بعقوبة أصلية.

والعقوبات تتخذ 3 صور، إما جنائية أو جنحية أو ضبطية،
حيت تترواح العقوبات المقررة للجنايات بين:
1 – الإعدام
2 – السجن المؤبد
3 – السجن المؤقت من خمس سنوات إلى ثلاثين سنة
4 – الإقامة الإجبارية
5 – التجريد من الحقوق الوطنية

أما الجنح فالعقوبة الأصلية هي:
1 – الحبس
2 – الغرامة التي تتجاوز 1200 درهم
والمخالفات
1 – الإعتقال لمدة تقل عن شهر
2 – الغرامة من 30 درهم إلى 1200 درهم

والملاحظ بخصوص الجرائم المستحدثة بموجب المرسوم رقم 2.20.292 الصادر يوم 23 مارس 2020، أن توجه المشرع في الشق العقابي، يتضح جليا أنه لم يعتمد التصنيف الثلاثي للجرائم المرتكبة في إطار حالة الطوارئ وتصنيفها تبعا لذلك إلى جنايات وجنح ومخالفات، حيت جاء النص على العقوبة المقررة في المادة الرابعة من المرسوم السابق ذكره أنه: “یعاقب على مخالفة أحكام الفقرة السابقة بالحبس من شھر إلى ثلاثة أشھر وبغرامة تتراوح بین 300 و 1300 درھم أو بإحدى ھاتین العقوبتین، وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائیة الأشد”،
حيث جعل لكل مخالفة لأحكام الطوارئ وصف جنحة وقرر عقوبة جنحية، وترك السطلة التقديرية للقاضي في تقرير هذه العقوبة بين شهر وثلاثة أشهر و غرامة من 300 درهم الى 1300، وجعل العقوبة أيضا موحدة لكل الأفعال والإمتناعات التي تعتبر مخالفة لأحكام حالة الطوارئ، فكل مخالفة لحالة الطوارئ تطبق فيها العقوبة المنصوص عليها في المادة الرابعة من المرسوم الصادر يوم 23 مارس 2020.

الفقرة الثانية: تقييم توجه السياسة العقابية في ظل حالة الطوارئ

يعتبر العقاب أهم مرحلة ترمي إليها كافة الإجراءات الجنائية، انطلاقا من البحث التهميدي إلى غاية اصدار حكم قضائي نهائي، وذلك لغاية أساسية وهي مكافحة الأفعال الإجرامية التي تشكل خطورة على المجتمع، والتي يتوجب مواجهتها بنصوص جنائية تجرم كل الأفعال والتروكات التي قد تؤثر سلبا على المجتمع، بالاضافة الى عقوبات ذات توجه حديث تمكن حقا من تحقيق الغاية المنشودة وهي مكافحة الظاهرة الاجرامية.
إلا أن لجوء الدولة للعقاب دائما قد يفسد السياسة العقابية غايتها وينعكس سلبا من المجتمع.

اللجوء المكثف للعقوبات التقليدية التي تنطوي على فكرة الانتقام، لم تعد تعطي ثمارها في مكافحة الجريمة، وهذا ما ثبت من خلال اكتظاظ السجون، والعود إلى الجريمة خاصة في العقوبات الجنحية قصيرة المدة.

فبخصوص العقاب الذي نهجته الدولة لمكافحة خروقات حالة الطوارئ تتجه كلها إلى العقوبات الجنحية قصيرة المدة التي تترواح بين شهر و 3 أشهر ، حيث أن الدولة تسعى للتطبيق الأمثل لحالة الطوارئ لمكافحة فيروس كوفيد 19، إلا أنه لا يجب تغليب مصحلة على أخرى، فالتخفيف من خرق حالات الطوارئ الصحية قد يزيد من أزمة السياسة العقابية بالمغرب.

حيت بلغ عدد المتابعين من طرف النيابة العامة بتهمة خرق حالة الطوارئ الصحية حوالي 4825 يوم الثاني من أبريل 2020، تمت متابعة 334 شخص في حالة اعتقال، وتمت متابعة 263 شخص لارتكابه الجرائم المنصوص عليها في القانون الجنائي السالف ذكرها، و81 متابعة لارتكاب جريمة نشر الاخبار الزائفة، حيث بلغ عدد المتابعين 5098 شخص من يوم 24 مارس الى غاية 2 أبريل 2020. وإلى غاية يوم20 أبريل بلغ عدد المتابعين 47143 شخص تم وضع 25480 رهن الحراسة النظرية.
وهذا الأمر من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم أزمة السياسة الجنائية بالمغرب لكونها تعاني مسبقا من أزمة اكتظاظ السجون حيث بلغ عدد نزلاء السجون بالمغرب 83757 سجين سنة 2018، الأمر الذي أدى إلى تفاقم نسبة الإكتظاظ بنسبة 205%.

بالإضافة إلى طبيعة العقوبات التي تم تبنيها في توجه السياسة الجنائية لمكافحة خروقات حالة الطوارئ التي تتميز بقصر مدتها من شهر الى 3 أشهر، الأمر الذي سيؤدي بدوره الى تفاقم أزمة السياسة الجنائية بالمغرب حيت سجل مسبقا ارتفاع نسبة العود بالنسبة للجنوح البسيطة التي تمتاز بقصر مدتها من شهر الى 6 أشهر.

فهذا الإمر سيؤدي إلى احتكاك المدانين بالسجناء الأكثر اجراما الأمر الذي سيؤدي إلى اكتساب سلوكات أكثر جرما وعدوانية، وبالتالي فعوض أن يكون السجن أداة لردع المجرمين، سيصبح مستنقع لاكتساب سلوكات عدوانية، ستؤدي بهم الى العود إلى الجريمة مرة أخرى. بالإضافة إلى أن مدة شهر إلى 3 ثلاثة أشهر لا تكفي لإعادة تنشئة المجرم إجتماعيا وإعادة إدماجه داجل محيطه المجتمعي.

وتعتبر هذه الفترة أكثر حساسية مما مضى، فضبط الفاعل وهو بصدد خرق حالات الطوارئ والزج به في السجن أو الحراسة النظرية، ربما ذلك لن يكون أفيدا للساكنة السجنية، لغياب إجراء تحاليل على الشخص التي تم القاء القبض عليه والتأكد من سلامته من الفيروس قبل ايداعه وسط السجن لأن إدانة مصاب ستؤدي إلى إصابة جل الساكنة السجنية، الأمر الذي يهدد سلامة السجناء من جهة، وتكاليف علاجهم التي ستتكبدها الدولة من جهة أخرى في حالات انتشار الوباء داخل السجن.

وما يمكن ملاحظته جليا من خلال مرسوم إعلان حالة الطوارئ الصادر بتاريخ 23 مارس 2019، لم يتضمن أي تطبيق للعقوبات البديلة التي كان من الممكن اللجوء اليها لضمان ترشيد هذه الفترة الاستثنائية.

لذا كان من الأجدر تبني توجه حديث للعقوبات في ظل هذه الظرفية بشكل يتلاءم مع المعايير الدولية من جهة، ويخفف العبئ على قضاة المحكمة من تحريك المتابعات وعقد الجلسات والتخفيف أيضا من الساكنة السجنية، كعقوبة الغرامة اليومية عوض أن يضبط المدان ويتم إيداعه في السجن وتتكبد الدولة مصاريف تبلغ حوالي 21 درهم في اليوم للتغذية ومصاريف العلاج والتنقل به من المحكمة إلى السجن، سيتم توقيع غرامة يومية مع التزامه باحترام حالة الطوارئ تحت طائلة عقوبة السجن المنصوص عليها في المادة الرابعة من المرسوم، أو العمل من أجل المنفعة العامة، كبديل للعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة فعوض أن يودع المجرم في السجن سيتم تسخيره لخدمة المنفعة العمومية بشكل يعود بالنفع على المجتمع، كالتزامه بتعقيم أمكنة عمومية أو رعايته لمركز خيري …الخ

وبذلك وجب تفعيل العقوبات البديلة كمبدأ عام يتم تقريره هو الاصل وتبقى العقوبات السالبة للحرية هي الإستثناء يمكن اللجوء إليه في حالة عدم احترامه للإلتزامات التي سيتحملها على إثر تطبيق العقوبة البديلة.

خاتمة:
ختاما، يمكن القول أن السياسة الجنائية في فترة إعلان حالة الطوارئ تميزت بمجموعة من الخصوصيات سواء على مستوى التجريم أو العقاب، حيث تم الزحف على حرية التنقل وتجريم كل تنقل بدون ضرورة ملحة، بالإضافة إلى مجموعة من الأفعال التي من شأنها أن تشكل خطورة محتملة بشأن تفشي فيروس كوفيد19، بالإضافة إلى خصوصيات على مستوى العقاب حيث تميز بتقرير تقريبا عقوبة واحدة بالنسبة لكل الأفعال التي اعتبرها مرسوم إعلان حالة الطوارئ جرائم.

إلا أن السياسة العقابية التي تبناها المشرع المغربي في هده الاونة، زادت من حدة أزمة السياسة الجنائية وخاصة اكتظاظ السجون، وفشل الردع في الجنوح البسيط.
لذلك كان من الاجدر على المشرع الأخذ ببدائل العقوبات السالبة للحرية، للتخفيف من أزمة السياسة الجنائية، وتبني رؤية تهدف إلى الوقاية من خرق حالة الطوارئ، من أجل تحقيق مصلحة مزدوجة، الحد من الجريمة من جهة وتخفيف حدة ازمة السياسة الجنائية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *