مجتمع

بعد الندم .. مغربيات “داعش” يطلقن صرخات بحث عن تذكرة عودة آمنة إلى الوطن

عشن مأساة الحروب، وفَقْد الزوج والولد، في مخيمات خارج الزمن.. مغربيات “داعش”، نساء اقتادهن القدر ذات “لهفة على نعيم كاذب” نحو المجهول.

نساء أطلقن منذ سنوات مضت، صرخات تحمل في طياتها الكثير من المعاناة، والألم، نتيجة فشلهن في الهروب، والعودة إلى المغرب، بعدما صُدمن بواقع مرير بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، الإرهابي، المعروفة اختصارا بـ”داعش”، وواقع أمر بمخيمات الهول في شمال شرق سوريا.

نساء، أطلقن صرخات بحث عن تذكرة آمنة للعودة من “جحيم داعش” إلى الوطن..أرامل، وأمهات، ضاقت بهن سبل العيش بمخيمات “الهول التابع للأكراد”، يتوسلن عطف، وصفح الوطنِ…، ويأملن بإشراقة يوم تتدخل الدولة التي هاجرنها يوما بحثا عن “حياة النعيم والجنة” لإعادتهن إلى كنف أسرهن.

اختلفت قصصهن، وتجاربهن، لكن الهدف كان واحد، السعي رفقة أزواجهن خلف سراب “دولة داعش الوهمية”..حيث تم استقطابهم باقتراح مبالغ مهمة، وإغرائهم بحياة كريمة، وكسب “الدنيا والآخرة” بالجهاد في سبيل الله، هناك تم قتل أزواج البعض في جبهات القتال، تيتم أطفال، وسُلبت الحرية من الجميع…

تواصلت جريدة “العمق”، مع بعض النساء المغربيات المحتجزات رفقة أبنائهن بمخيمات الهول، لنقل ظروف عيشهن بتلك المخيمات، تحت وطأة التعذيب والظلم.. نساء تحملن أوزار أزواجهن الذين قتلوا قبل سقوط التنظيم الإرهابي “داعش”.. نادمات، يتوسلن العفو للعودة إلى حضن الوطن، وعائلاتهن المكلومة..

من المغرب إلى داعش

تحكي “إيمان” (إسم مستعار)، البالغة من العمر 35 سنة، قصتها بكل ألم، هاجرت ذات فجر خلسة، رفقة زوجها، وأبنائها…ومن المغرب كانت الوجهة نحو توركيا، تم إدلب بسوريا، “وداعش”.. لينتهي بها المطاف رفقة أبنائها عند الأكراد، مسلوبة الحرية، ولا حول لها ولا قوة.

تقول إيمان:” لم أكن على علم بما يحدث بتنظيم “داعش”، رافقت زوجي بسبب خوفي من تحمل مسؤولية أبنائي الثلاثة، سيما وأنني كنت حامل بابنتي الرابعة، قضيت رفقة زوجي، وأبنائي فترة بتوركيا، تم انتقلنا إلى مضافات بإدلب في انتظار التواصل معنا للانتقال إلى تنظيم “داعش”، إلى أن جاء بعض المناصرين لجبهة النصرة، الذين طالبوه بمرافقتهم للقتال معهم إلا أنه رفض الأمر، وأخبرهم بأنه لم يهاجر من أجل الانضمام إليهم”.

وأضافت: “في يوم، خرج زوجي من البيت إلا أنه لم يعد، حاولت البحث عنه بدون فائدة، وبعد مرور أيام، علمت أنه معتقل لدى جبهة النصرة، أتى رجال ملثمون من “داعش” أبلغونا بضرورة الخروج من إدلب مخافة اغتصابنا، وبيع أطفالنا، وهو ما حدث مع عائلات أخرى أيضا، حيث تم جمع العائلات، والأطفال، إلى بيوت أخرى، وبعد أسبوعين تم تنقيلنا إلى مكان آخر أيضا، فكان نهاية هذا المسار الوصول إلى تنظيم”داعش”..تم بعدها الاعتقال بمخيمات الأكراد”.

خوفا من القصف اليومي، وبعد كشف حقيقة “تنظيم داعش” الإرهابي، هربت إيمان، رفقة زوجها، وأبنائها، إلا أنهم سقطوا مرة أخرى في يد الأكراد، تم وضعها وأبناؤها في المضيفة، فيما تم الزج بزوجها في السجن، ولا يزال هناك إلى حدود اليوم يواجه مصيره.

تقول: “إبني يبلغ من العمر 16 سنة، لا علم لي بمكان وجوده، أخذوه ذات يوم إلى وجهة مجهولة، فيما أحاول إعالة أبنائي ببعض المال الذي وفرته من قبل، بالإضافة إلى المساعدات التي ترسلها منظمة الصليب الأحمر”.

بنبرة حزينة، أكدت “إيمان” أن فترة وجودها بداعش لم تُوكل لها أية مهمة، تقول: “لم يكن لدي أي دور بداعش، كنت في المضافة أقوم بتربية أبنائي، قرابة السنة، وقبل ذلك عشت قرابة السنة في “إيدلب”، لأمضي قرابة السنتين بالسجن لدى الأكراد”.

وبحرقة وألم قالت المتحدثة ذاته: “الله ياخد الحق في الدواعش..شردونا وضحكوا على عباد الله..كنا هانيين في بلداننا شردونا وخلاونا في السجون عند الأكراد يديرو فينا ما بغاو”.

الزواج أو المضافة

“لبنى” (إسم مستعار) أرملة، لديها أربعة أطفال، قضت ست سنوات ونصف، بين إيدلب، وتنظيم داعش، وهي الآن أسيرة بين يدي الأكراد بمخيمات الهول.

“لبنى”، واحدة من النساء اللواتي صاحبن أزواجهن بغية تغيير وضع الفقر الذي عشنه في المغرب، وأملا في الحصول على جوز سفر للجنة عبر الجهاد مع التنظيم الإرهابي الذي يصور للناس أن التقتيل والترهيب الذي يمارسه هدفه تأسيس دولة إسلامية، إلا أن صدمة هؤلاء تكون كبيرة حين يواجهون واقعا مرا لا علاقة له حتى بأبسط شروط الإنسانية.

غادرت “لبنى” المغرب، سنة 2013 رفقة زوجها وإبنيها، كانت الوجهة الأولى هي تركيا، بعدها إدلب في انتظار الترحيل إلى “جنة الخلد”.

تقول لبنى التي أكدت في بداية حديثها عن ندمها الشديد على هذه الخطوة الغير محسوبة:”لم أشأ التخلي عن زوجي، ولا يمكن العيش بدونه في المغرب، لا أحد يمكنه إعالتي وأبنائي، لذلك قررت الذهاب معه، حيث كان الاتفاق بيننا أن أبقى 20 يوما فقط، لو أعجبني المكان سأستقر معه، إذا لم يعجبني سأعود إلى المغرب”.

“مكثنا أسبوعا في توركيا، بعدها اللاذقية، مكثنا بها 3 أشهر، تم عدنا إلى تركيا، وبعدها دخلنا إلى حلب مكثنا هناك سنتين تقريبا، وعدنا إلى الرقة لستة أشهر، لم يرقنا الوضع وعدنا مرة أخرى إلى حلب وهناك قُتل زوجي..وبدأت المعاناة..حين قتل زوجي عرفت أنها ليست دولة إسلامية، هي دولة ظالمة، رأينا الويل هناك..نعيش في ظروف جد مزرية لا يعلمها إلا الله تعالى “.

تم احتجاز “لبنى” في المضافة، كانت حينها حامل بابنتها الصغرى، حين قتل زوجها سنة 2016 خلال قصف جوي، تم وضعها في المضافة لتمضي عدتها، وخيروها بين الزواج، أو البقاء محجوزة في المضافة.

تقول: “خيروني بين الزواج، أو البقاء في المضافة محجوزة، فاخترت أن أبقى مع أبنائي على أمل أن أعود إلى بلدي وعائلتي.. بالرغم من جحيم المضافات حيث نعيش نعيش حياة لا إنسانية، كان كل شيء ممنوع علي، لا أخرج من خيمتي، لا يُسمح لي باستعمال الهاتف لأطمْئِن والدتي علي، حاولت الهروب مرارا، لكنني فشلت.. وكان الجزاء الاعتقال لأشهر”.

عاشت “لبنى” معاناة حقيقية لمدة سنتين في المضافات، تقول:”كانوا يعيلوننا، يمنحوننا راتبا شهريا، بعد بلوغ إبني 11 سنة، تقدمت بطلب لأسكن لوحدي، حينها حاولت البحث عن مهرب لكي أعود إلى بلدي، طلب مني 6 مليون سنتيم، تمكنت من جمع المبلغ، وبالفعل حاولت الهروب، لكن تم اعتقالي من أول حاجز في الصحراء، فهمت حينها بأن المهرب سلمني للأكراد صحبة أطفالي.. تم سجني 3 أشهر، مع تعذيب نفسي، يقدمون لنا ماء متسخ، عذاب يومي..”

عبرت “لبنى” أكثر من مرة عن ندمها على مرافقة زوجها، تقول: “لم أكن أحمل أي فكر جهادي، ولازلت كذلك، ونادمة جدا لأنني ضيعت مستقبل أبنائي، نحن نعاني الويل، وألتمس من المسؤولين في المغرب البحث عن حل لكي نعود إلى وطننا وأهلنا.. تفاجأنا بل صُدمنا بالواقع المر.. كنا نسمع بدولة إسلامية لكن حاشا أن توصف نفسها بذلك، فهي دوة ظالمة”.

مراجعات بعد فوات الأوان

“سهام” مغربية كانت تعيش بفرنسا رفقة زوجها وأسرتها، استيقظت يوما على قرار والديها وإخوتها وزوجاتهم الذهاب إلى “داعش” للجهاد، إلا أنها قررت عدم الانصياع إلى أفكارهم الهدامة، وعادت للمغرب رفقة زوجها وأبنائها، لتعيش وسط أسرة زوجها، حيث تعيش جحيما آخر حيث نظرات الاحتقار، والشفقة من ذوي أسرة زوجها، إلا أنها غالبت كل هذه الأوضاع واختارت جحيم نظرات الحسرة على مصاحبة أسرتها إلى جحيم داعش.

تحكي “سهام” أن إخوتها قتلوا خلال القصف، ولازالت والدتها وزوجات إخواتها وأخواتها يعشن معاناة حقيقية داخل مخيم الهول، نادمات على قرار اتخذنه بدون وعي، وبسبب الأفكار التي كانوا يؤمنون بها والتي تم التراجع عنها بعد الوقوف على حقيقة تنظيم “داعش”.

كثيرة هي القصص المؤلمة، واقع مرير يعيشه المغاربة الذين تم التغرير بهم للجهاد في سبيل الله، حيث كانت الصدمة قوية بكون هذا التنظيم لا يمثل الإسلام ولا المسلمين، ولا مبادئ إنسانية لديه بالمطلق…هناك مئات المحتجزات راجعن أفكارهن..وندمن على خطوة مصاحبة أزواجهن، لكن لا قوة لديهن للخلاص سوى تدخل سلطات بلدهن لترحيلهن.

وبمخيم الهول الذي يحتضن جيلا جديدا من تنظيم “داعش” الإرهابي، بعض هؤلاء استيقظ من سباته، وراجع أفكاره، وقرر البحث عن خلاص، وآخرون لازالوا يعتقدون بشرعية “داعش”، وبين هؤلاء نساء وأطفال يموتون حرقا داخل خيامهم، بسبب قارورات الغاز والحرارة المفرطة..هناك تموت أسرة بأكملها (الأم والأبناء) حرقا داخل الخيمة دون أن يهز هذا الحادث المؤلم مشاعر “الأكراد”.

محجزات في جحيم يومي

تعيش نساء “داعش” محتجزات لدى الأكراد، بمخيمات تفتقر إلى أبسط شروط الحياة الكريمة، يعيشون داخل خيام لا تقيهم حرارة الصيف، ولا أمطار الشتاء، يقضين صحبة أبنائهن حياة، بل جحيما يوميا، “نذرة الماء، تمويل ضعيف، ضعف أدوية، تفشي الأمراض الجلدية خصوصا في صفوف الأطفال، تسرب الصرف الصحي حول الخيام، حظر التجول ليلا، الاعتقال والتعذيب..وترقب لمصير مجهول.

مأساة يومية يعيشها الأطفال وأمهاتهم، عمل مضني لكسب أموال قليلة، أطفال يبعن الماء بعربات صغيرة يجرونها، نساء يشتغلن خادمات لدى النساء اللواتي ترسل إليهم أسرهن المال سيما الأجنبيات، أعمال يدوية بسيطة، بيع بعض الأغراض البسيطة بعيدا عن أعين الحراس الأكراد..بالإضافة إلى المساعدات الدولية التي تصلهم من المنظمات الدولية.

في مخيمات الهول، تعيش المغربيات وغيرهن ممن أغرَّ بهن، أو بأزواجهن تنظيم “داعش” الإرهابي، أسيرات لدى الأكراد، الذين يتسولون بهن

لدى المنظمات الدولية، فيما يتاجر “السماسرة” في رغبتهن للهروب من ذلك الجحيم..قد يصل ثمن تهريب أم وأبنائها من مخيمات الهول، إلى الحدود التركية أو “إدلب”، إلى 10 ملايين سنتيم، وفي غالب الأحيان يتم اعتقالهم في الحدود.

 

بريق أمل

تأملت نساء “الدواعش” خيرا السنة الماضية، بعد إعلان مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، عبد الحق الخيام، على إطلاق استراتيجية لإعادة النساء والأطفال المغاربة من بؤر التوتر.

وكشف الخيام أن 280 مغربية رفقة 391 طفل موجودون في بؤر التوتر في الشرق الأوسط، مضيفا أن هناك جهودا من المغرب للتدخل.

وكان المكتب التنفيذي لـ”التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين المغاربة بسوريا والعراق”، قد التمس من الملك محمد السادس، التدخل لإرجاع المحتجزات بسوريا والعراق “، الذين يعيشون في ظروف مزرية وأوضاع صعبة فهذه الجائحة لن تصدها جدران السجون الاسمنتية العالية ولا الخيام الرثة”، إلى أرض الوطن.

ووجهت التنسيقية التي تضم عائلات المغاربة المحتجزين بالعراق وسوريا، نداءً إلى الملك بأن يصدر أوامره لإعادة هذه الفئة إلى المغرب: “نتخوف مع مرور الأيام والساعات، أن ينتشر الوباء في سجون العراق وسوريا ومخيمات

المحتجزين، فيصبح أبناؤنا في مواجهة الموت المحتم وهم بالمئات”.

وكانت التنسيقية ذاتها، قد طالبت في وقت سابق، من السلطات المغربية بالتدخل من أجل استرجاع المغاربة العالقين بمخيمات الاحتجاز بسوريا، وغالبيتهم من النساء والأطفال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *