وجهة نظر

“كورونا” أنقذت المخيمات الصيفية !

كاتب رأي

إن المخيمات الصيفية المغربية بشكل عام، تهدف من خلال برامجها النظرية إلى تكوين وتأهيل العنصر البشري حتى يكون فاعلا ومنتجا في المجتمع، إضافة إلى تنمية القيم الاجتماعية والوطنية وكذا المساهمة الايجابية في كل مايرتقي بسعادة المجتمع. فالمخيم هو بمثابة معمل تكوين الموارد البشرية.

لكن، هل فعلا يحقق المخيم الصيفي هدف التنمية على القيم بناءا على برامج واضحة المعالم وخصوصا خلال القرن 21 ؟ هل ممثلو قطاع الشباب والرياضة والأطر “التربوية” والجمعيات المشرفة على المرحلة التخييمية تقف وتحترم مضامين البرامج التربوية الخاصة بالأطفال والشباب ؟ هل جميع المخيمات الصيفية تحتوي على تجهيزات وآليات داعمة للأنشطة التربوية والتنشيطية والثقافية وتحوي على مرافق تحترم كرامة الإنسان ؟ هل جميع الجمعيات المستفيدة من مرحلة أو مراحل تخييمية لها برامج تربوية وأطر كفأة تتسم بخلق الأمانة ؟ أم أن المخيم الصيفي هو مجرد فرصة للبعض لينفث أفكاره الشاذة والسامة ضاربا عرض الحائط كل البرامج الهادفة إلى تنمية القيم الوطنية والدينية الحقة ؟

يقوم المخيم الصيفي، المحترِم لكرامة الإنسان، من خلال برامجه التنويرية على مجموعة وظائف، منها: ما هو تكويني، تربوي وايديولوجي.

فوظيفة التكوين تسعى إلى تعليم الطفل والشاب معارف دينية، تواصلية، ثقافية وتنشيطية. وبهذا المعنى، فالمخيم مركز اجتماعي مهمته تكوين مواطن المستقبل وتربيته وتكوينه وتأهيله عن طريق تنشئته اجتماعيا بإكسابه معارف ومهارات وإعداده لممارسة أدواره الاجتماعية وذلك عبر معرفته كيف يعيش في الجماعة مع احترام القواعد الاجتماعية المشتركة وتثمين قيم الحرية والمسؤولية.

أما الوظيفة التربوية، فيسعى المخيم من خلالها إلى التربية والتوجيه على احترام القيم الدينية والوطنية وعلى مجموعة من القيم الأساسية التي تنظم علاقاتهم وتفاعلاتهم وتعاملاتهم بشكل إيجابي. سواء تعلق الأمر مع أنفسهم أو مع الآخر بشكل يمكنهم من الاندماج داخل المجتمع بعيدا عن الاقصاء والتهميش.

فاختيار التربية على القيم الوطنية ليس اختيارا تربويا فحسب، وإنما هو توجه وطني استراتيجي يندرج في مسار بناء مجتمع ديمقراطي، وتنمية روح المواطنة والسلوك المدني لدى كل مواطن.

إن الطفل والشاب الذي يتشبع بالقيم خلال فترة تواجده بالمخيم الصيفي، من تسامح ومبادرة واعتماد على النفس ومنافسة شريفة وتضامن واحترام للآخر وغيرها من القيم يكون مؤهلا في حياته المجتمعية عموما والأسرية خصوصا.

فيما يخص الوظيفة الايديولوجية، فيعمل المخيم على دور إعادة انتاج القيم والعلاقات الاجتماعية السائدة بالرغم أنه (المخيم) لايكتسي طابعا حزبيا رسميا ولاصبغة طبقية مكشوفة. إلا أنه لايزال جهازا للتأطير الايديولوجي.

إن واقع الحال بفضاء نِسبة من المخيمات الصيفية، يندى له الجبين، لما يعانيه من افتقاده العديد من أساسيات تساهم في تجويد واحترام تام للمبادئ الأساسية للعملية التخييمية، بالرغم أن إدارة قطاع الشباب والرياضة تقوم بمراسلات تحث على احترام القيم المثلى والمبادئ الفضلى خلال كتابة وتنزيل البرامج التربوية الهادفة المنادية بتبني القيم الوطنية والدينية واحترامها والعمل بها. فنجد على سبيل المثال لا الحصر؛

الجمعيات:

من المؤسف جدا أن يُلاحظ على بعض الجمعيات انعدامها على الحس التربوي وإغفال وتجاهل تام للقيم، ومما يؤكد ذلك ملء فقرات برامجها المسماة زورا “تربوية”، طوال مدة التخييم، بالرقص الماجن ذي الإيحاءات الجنسية بين أطفال وشباب وأطر اللاتربوية ممزوجة بأغاني لاتمت بصلة بتاتا لما يطلق عليه الأغاني التربوية. إضافة إلى الكلام السوقي الحيواني داخل الفضاء التربوي والصفع والركل والتحرشات الجنسية والسُّكْر و الممارسات الجِنسية الحيوانية بين من أعطيت لهم مهام حماية ومتابعة أبناء الأسر ليل نهار، وكذا تدخين الحشيش والشيشة أمام المستفيدين وفي المكان المخصص لمبيت الأطفال والشباب.

إضافة إلى وجود نوع من الجمعيات كلما دخلت فضاءا تخييميا إلا وتفرض شروطها واختياراتها على المكان الأنسب لها ولو استدعى الأمر التواصل هاتفيا مع جهات “عليا” للضغط على الموظف الجبان الملقب ب “رئيس المخيم” الذي همه الأساسي أن تمر المرحلة بسلام وأمان دون وقوع “حرب” دموية بين جمعية وأخرى!!. ونجد أخرى تستغل فرصة نهاية المرحلة بالسرقة وتمزيق صور وترك خراب داخل الفضاء وكتابات على الجذران أو على الخيم مقولات دالة على نوع من الفكر ذو النزعة الفصائلية الداعية بشكل مباشر إلى الفتنة داخل البلد الحبيب المغرب.

ومن جانب آخر، نجد جمعيات معدودة على رؤوس الأصابع تحترم الأمانة الملقاة على عاتقها ببرامج تربوية، ثقافية وتنشيطية هادفة وروح وطنية عالية بتفاعلها الإيجابي مع المستفيدين وسلوكات تنم على صدق العمل بكل ما تحمل الكلمة من معنى. بصياغتهم لأهداف واضحة المعالم على سبيل المثال لا الحصر:
التنشيط الهادف (أناشيد وأغاني تربوية، مسرحيات، …) تنمية الوعي بالحقوق والواجبات (برلمان الطفل…)، إكساب المستفيد ثقافة احترام الآخر، التربية على الالتزام التام بالقواعد المتفق عليها جماعيا (احترام البيئة..)، تنمية القدرة على النقد الذاتي وإبداء الراي، التربية على المبادرة، اكتساب القدرة على التواصل…

موظفو قطاع الشباب والرياضة:

كما يعلم المهتم، أن المخيمات الصيفية يشرف عليها قطاع الشباب والرياضة (وزارة الثقافة والشباب والرياضة -حاليا-) يمثله موظفو القطاع بعد انتقاء (سيتم التحدث عن طريقته) خولت للبعض التوصل بقرارات التعيين. فمنهم من تم تكليفه بمسؤولية رئيس مخيم وآخر مكلف بالمطعمة (المقتصد العام) وآخر مكلف بالتتبع التربوي وذاك مكلف بالتنشيط الرياضي … إلخ.

الملاحظ أن طريقة انتقاء موظف تابع للقطاع للظفر بمسؤولية داخل المخيم الصيفي، تتم بطرق بعيدة كل البعد عن المبادئ والقيم التي يدعو لها القطاع الوصي من خلال مراسلاته وبلاغاته وندواته الصحفية، تعكِس حجم الفساد الذي ينخر القطاع و من خلال تصارع وتطاحن جهات ضد جهات للظفر بمسؤولية في أماكن تخييمية محددة وبأشخاص معروفين لها إما بانتماءاتهم الحزبية أو النقابية أو بمعارف أو قرابة أسرية أو بدافع قدمهم في مقر عملهم أو علاقتهم السمينة مع المدير الاقليمي أو الجهوي.

ولكوني موظفا تابعا للقطاع، أستغرب لحد اللحظة إقصائي المتكرر من المشاركة التخييمية من طرف المديرية التي أنتمي لها حاليا، بل الأدهى من هذا أنه تم إدراج إسمي (حسب قول موظف بالمديرية) على قائمة الموظفين المشاركين في إقليم شفشاون، إلا أنني، وبعد الإعلان عن أسماء الموظفين الذي تم انتقاؤهم من طرف الوزارة، أستغرب حذف إسمي من القائمة الرسمية!! وبعد البحث تأكد لي أن أحد الموظفين الجبناء قام بتغيير اسمي بإسم موظف آخر بدافع إنتمائه لنقابته “العتيدة” وليس بناءً على الكفاءة.

هذه التطاحنات النقابية والحزبية والقرابات العائلية الصبيانية لأجل الظفر بدريهمات وتقاسم الغنيمة بعد نهاية المرحلة التخييمية، في فترة تحتاج للكفاءة والاستحقاق وشخصية تخطط جيدا استعدادا لظروف قد تحصل بشكل مفاجئ لا يعلم متى وكيف ك: الموت المفاجئ، الغرق في البحر، التسمم، الاغتصاب، السكر العلني، الصراعات بين الجمعيات ..!! والتي تستدعي من الشخص “المسؤول” الحِكمة والرزانة خلالها لا إلى الكلام النابي والقذف والكذب والمبررات الواهية وتزوير التقارير للنجاة.. ، من نتائجها سلوكات مقيتة تعرقل السير نحو الأهداف والطموحات التي لاتنم على موظف مسؤول يقف ضد العبث المستشري من سلوكات حاطة بكرامة الإنسان داخل الفضاء التخييم، بقدر أن من بين أهدافه وأولوياته خلال المراحل التخييمية قضاء عطلة السنة مع عائلته وأقاربه وأحبابه مستفيدا من وجبات المستفيدين من المخيم الصيفي.

إن ما يقع داخل هذا القطاع خلال فترة المخيمات الصيفية خصوصا، إنما يدل على الفقر الفكري والأنانية وحب الذات لا إلى روح التعاون واحترام الكفاءة والفعالية وتغليب مصلحة الوطن والمواطن على المصالح الشخصية الآنية المقيتة.

لذلك فإن أي تصور جديد للفضاءات التخييمية ولأدوارها التربوية، بعدما فرضت جائحة كورونا إلغاء المخيمات الصيفية مشكورة، استغلال هذه المرحلة للتعرف على مكامن الخلل بمسؤولية وجرأة كبيرة دالة على الغيرة الحقيقية على الوطن والمواطن وكذا تأهيل العنصر البشري.

فمن بين ما أقترحه شخصيا على #وزارةالثقافةوالشباب_والرياضة، قبل اعطاء انطلاق المخيمات الصيفية المقبلة لتجويدها وترشيدها، ما يلي:

1- أطر وزارة الثقافة والشباب والرياضة

✅ تأهيل وتكوين أطر قطاع الثقافة والشباب والرياضة الراغبة في التخصص والمشاركة. وذلك بتزويدها بالمعارف والمهارات والقيم اللازمة.
✅ إجراء اختبارات كتابية وشفوية حول المواضيع خلال نهاية كل تكوين من طرف لجنة محايدة.
✅ إجراء فحوصات تأكد السلامة الجسدية والنفسية للموظف قبل المشاركة.
✅ انتقاء الموظف الراغب في المشاركة بعد متابعة مساره العملي خلال السنة بمعايير واضحة له اطلاع مسبق بها.
✅ الحد النهائي من العلاقات النقابية والحزبية والقرابات العائلية.

2- الجمعيات

– تتبع أنشطة الجمعيات النشيطة خلال السنة:
✅ علاقتها مع المديرية الاقليمية والجهوية من حيث البرامج والأنشطة.
✅ مبادراتها التكوينية لفائدة أطرها وللساكنة.
✅ علاقتها بالساكنة ومحيط اشتغالها.
✅ أنشطتها الداخلية والاشعاعية.
✅ برنامجها الدوري والسنوي.
✅ التقرير المالي والأدبي.
✅ أنشطتها بدار الشباب.

بخصوص مقترحات حول تنزيل مخيم صيفي في ظل جائحة كورونا، فأجد أنه من الذكاء والحِكمة إستغلال هذه الظرفية لترتيب ما يجب ترتيبه من أوراق. فالطفل والشاب يحتاج مخيما يُحترم فيه وتحترم فيه القيم الهادفة إلى تحقيق إرساء دعائم التضامن والكرامة وتكافؤ الفرص وارتفاع الروح الوطنية لديه.

هي حقيقة مؤلمة ولكنها تبقى الحقيقة، إن جائحة كورونا أنقذت المخيمات الصيفية من تسلط وجشع بعض الجمعيات ومن أطر موظفي قطاع الشباب والرياضة المتناسية للأهداف العامة والمعالم الكبرى المرسومة للمخيم الصيفي الذي هو مرحلة من بين عدة مراحل لإعداد العنصر البشري لممارسة السلوك الديموقراطي والمشاركة الفعالة في المجتمع وفقا للمبادئ والقيم الديمقراطية، إذا حسن انتقاء موظفي القطاع وجمعيات تحمل برامج تحترم قيم التكافل والتضامن وترسيخ قيم التعاون وثقافة المواطنة الحقة. فهل نستوعب الدرس؟

* المدير الحالي لدار الشباب امتيوة بالجبهة إقليم شفشاون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *