سياسة

جدل سد النهضة بإثيوبيا يعيد للواجهة إحياء مشروع سد عملاق بين المغرب وإسبانيا

أعاد جدل سد النهضة بإثيوبيا إلى الواجهة إمكانية إحياء مشروع بناء سد على مضيق جبل طارق -والذي يعود إلى عشرينيات القرن الماضي- في ظل استمرار التغيرات المناخية.

في تقريره الذي نشرته صحيفة نوفال أوبسرفاتور (L’Obs) الفرنسية، قال جون بول فريتز إن فكرة بناء سد عند مضيق جبل طارق يقوم على فصل المحيط الأطلسي عن البحر المتوسط لإنتاج الكهرباء وربط جنوب إسبانيا بالساحل المغربي، قد تبدو جنونية وغير قابلة للتحقيق.

ولكن هذا لم يمنع من طرحها في العديد من المناسبات على طاولة النقاش، وكانت في كل مرة تقابل بالتجاهل لتنضم إلى قائمة المشاريع الضخمة التي لم تر النور.

لكن في سياق الاضطرابات المناخية، حيث من المرجح أن يرتفع منسوب المياه وتواتر الفيضانات وارتفاع الحاجة إلى العثور على طاقة نظيفة، بات الكثيرون يتساءلون عن إمكانية إعادة النظر في فكرة هذا المشروع.

مستوى المتوسط سينخفض

اقتُرح المشروع لأول مرة من قبل المهندس المعماري الألماني هيرمان سورجيل في أواخر عشرينيات القرن الماضي، وقد استمر في الترويج له حتى وفاته عام 1952.

كان مشروعه الذي أطلق عليه اسم “أتلانتروبا” (Atlantropia)، يتمثل في بناء سد كهرومائي يمتد على حوالي 14 كيلومترا يفصل صخرة جبل طارق عن القارة الأفريقية ممثل في المغرب

وقد حصل سورجيل على بيانات تفيد بأن حجم المياه المتدفقة من المحيط الأطلسي إلى البحر الأبيض المتوسط تعادل أضعاف ما يتدفق من شلالات نياغارا بنحو 12 مرة.

وأورد الكاتب أن مشروع سورجيل لم يقتصر فقط على بناء سد في جبل طارق، فهو يعتبره محور شبكة كهرومائية تشمل سدا على الدردنيل، وسدا آخر بين صقلية وتونس. ومن خلال هذه المنشآت من المتوقع أن ينخفض مستوى البحر الأبيض المتوسط بنحو 200 متر.

ويقضي المشروع أيضا بضرورة توسيع قناة السويس. ويتجاوز مشروع سورجيل البحر المتوسط، حيث تصور بناء سدود على نهري الكونغو والزمبيزي، الأمر الذي من شأنه أن يملأ الحوض حول بحيرة تشاد بأكمله وبالتالي توفير المياه العذبة لري الصحراء.

وأوضح الكاتب أن مشروع “أتلانتروبا” قادر على إنهاء الصراعات بين دول أوروبا، وتوفير مساحات شاسعة من الأراضي الجديدة القابلة للزراعة. وبالنسبة لسورجيل، تعد الطاقة الكهربائية العامل المشترك الذي يمكنه توحيد الدول الأوروبية.

إعادة النظر في المشروع

بعد عقود، طرح هذا المشروع مرة أخرى. ومنذ منتصف التسعينيات تناول المؤلفون هذه الفكرة وتوصلوا إلى استنتاجات مختلفة.

ففي عام 2014، نظر فونغ نغوين المهندس الشاب في المعهد الفدرالي للتكنولوجيا بلوزان في فكرة بناء السد وعواقبها. وقد رأى أن بناء السد هو الحل وليس المشكل، غير أنه قيّمه بشكل مختلف عن سورجيل.

يقول نغوين إنه “من أجل السيطرة على مستوى المياه، ينبغي بناء سدين أحدهما في البحر الأبيض المتوسط بين إسبانيا والمغرب، والآخر في البحر الأحمر بين جيبوتي واليمن”. كما درس نغوين حركة الملاحة البحرية وهجرة الكائنات التي لا تعرف التقسيمات الجغرافية.

بدوره قدم جي في أنغيتا في مجلة “ريادة الأعمال وتنظيم المشاريع” تصورا آخر للسد يسمح أيضا بعبور الأحياء البحرية والقوارب وحتى الغواصات من خلال فتح كيلومترين، وبذلك لن يكون الهدف من السد سوى حماية السواحل من ارتفاع مستوى سطح البحر.

الاحترار وضرورة السد

أشار الكاتب إلى أنه من المحتمل أن يكون مشروع جيم جوير من معهد علوم المحيطات في كندا، المشروع الأكثر نجاحا والذي قدم وصفا مفصلا له في مجلة “المخاطر الطبيعية”.

إذ لا يخطط جيم جوير لبناء السد في أضيق نقطة لأنه سيكون عميقا للغاية، وإنما على بعد 15 كيلومترا غربا بطول 25 كيلومترا وعمق 284 مترا فقط. ويوصي باستخدام الصخور المحلية التي يمكن نقلها فقط لمسافات قصيرة.

وأضاف الكاتب أنه ينبغي أن تتم المحافظة على هذا الهيكل مع فارق متر واحد بين الجانبين الأطلسي والمتوسطي، مع السماح لمياه المحيطات بالمرور للتعويض عن التبخر الذي سيحدث حتما في البحار.

وينوي جوير استخدام 9 قنوات عرضها 50 مترا وعمقها 20 مترا، مما يسمح بتدفق المياه من المحيط الأطلسي إلى البحر المتوسط، علما بأنه يمكن للحيوانات البحرية بما في ذلك الحيتان استخدام هذه القنوات.

ولكن جيم جوير غير متفائل بشأن عملية البناء، حيث يقول إنه “لن يتم بناؤه في السنوات العشر المقبلة، ولا حتى في الخمسين سنة المقبلة. وبحلول ذلك الوقت، سيكون مستوى سطح البحر قد ارتفع بشكل ملحوظ”.

وأضاف أن هذه الظاهرة متصلة بالاحترار العالمي، وهي “تجعل السد أكثر ضرورة، مما يعني أنه يجب أن تبدأ المناقشات لتحديد التكاليف والفوائد والآثار”.

احترس من الآثار

من الناحية العملية، ركز هيرمان سورجيل في هذا المشروع على الجانب المعماري والتكنولوجي، لكنه أهمل عواقبه على الكوكب.

فقبل التفكير في مدى واقعية هذا السد، من الضروري أخذ جميع العواقب بعين الاعتبار. فمن الضروري ضمان عدم تعرض المجموعة النباتية والحيوانية لأي خطر. كما لا بد أيضا من دراسة تفاصيل آثاره على تيارات المحيطات، التي تثير الجدل بين الخبراء.

بالنسبة للبعض، فإن تدفق المياه المالحة في البحر الأبيض المتوسط له تأثير عميق على الدورة الحرارية (التيارات الناتجة عن الاختلاف في كثافة المياه). فضلا عن ذلك، لم يتم تحديد الزيادة في ملوحة البحر المتوسط كميا، على الرغم من أنها يمكن أن تعطل النظم البيئية.

من جانبه، يعتقد جيم جوير أنه لن يكون لذلك تأثير خطير على مدى قرون. في المقابل، يحذر من الآثار المحتملة على الصيد خاصة مع ضرورة مرور القوارب عبر جبل طارق وقناة السويس من أجل موازنة القناة في الظروف البحرية الجديدة.

وتساءل الكاتب عما إذا كان حلم هيرمان سورجيل سيتحقق. وفي حين أنه من غير المحتمل اتخاذ قرار فيما يتعلق بتخفيض مستوى سطح البحر بمقدار 200 متر أو بناء سد كهرومائي ضخم لتغطية الاحتياجات الأوروبية، لا يعتبر سد جوير مستحيلا.

* “الجزيرة” بتصرف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *