وجهة نظر

تفاصيل 5 ساعات إلى سلا

كلما فتحت السماء أبوابها بالمطر سيالا، سألت ربي أن يلطف بنا بما جرت به تصاريف أقداره، معترفا لربي في نفس الآن، أن سقف بيتي ليس من حديد، واضعا يدي على قلبي، ومعلنا استسلامي، وقارئا للطيف.
وصلت لأول مرة إلى بيتي، في مدينة سلا، مرهقا نفسيا وجسديا ودماغيا، وعاجزا عن تركيب الصورة الكاملة، لفهم ما جرى.
ورافقني السائق الصديق عبود، في رحلة تسليمي لمدينتي سلا، من مدينة المكتب الرباط، فكانت 5 ساعات طويلات، في مهمة شبه مستحيلة؛ الوصول إلى حي المسكن، فلماذا؟
في سياق سنة ممطرة جدا، نزل مطر غزير، منذ ساعات الصباح الأولى، على مدينتي ضفتي نهر أبي رقراق، الرباط وسلا، إلا أني قضيت نهاري في مهمة صحافية، غارق في أداء مهامي، مغلقا لهاتفي المحمول، وللتواصل الاجتماعي.
وبعد مغادرتي مكان التصوير، تواصل المطر كما تركته، قبل أكثر من 3 ساعات، فدعوت فريق التصوير، لتناول جماعي لغذائي، وسط تزايد قوة المطر، ولكنه مطر من دون برد قارس ولا رياح عاتية.
وبالتدريج بدأت تتواتر صور مثيرة للانتباه؛ سيارات غارقة في مياه الأمطار في مدينة سلا، وتغريدات من مواطنين وصحفيين، تعلن عن حالة ارتباك حقيقي، في حركة المرور، ما بين الرباط، مدينة العمل النهاري، وسلا، مدينة النوم الجماعي، لأمثالي العاجزين عن مواجهة أثمنة العقار النارية جدااا، في العاصمة الإدارية الرباط.
وبعد الانتهاء من العمل، قررت دخول مغامرة العودة إلى البيت في سلا، وبعد الابتعاد من المكتب، والاقتراب من خروج الرباط في اتجاه سلا، تترائى لي من بعيد، أساور طويلة حمراء اللون، حددت موقع القنطرة الجديدة، وقنطرة طريق مطار سلا.
تأكدت من زحمة الملتقى الطرقي، حيث مقر سفارات قطر ومصر وهولندا، أن التوجه صوب سلا، ستكون مرة المنال الآن، فطلبت من عبود، تكسيرا للطريق عبر مخرج استراحة في المقهى، كان رأسي فعلا يؤلمني، فتناولت حبة مضادة للألم، ووضعت غطاء الرأس من جلبابي الصوفي.
فعدت لاحقا أنا وعبود إلى المكتب، لتسليم عدة العمل المهنية، كما هي العادة، لأننا علقنا في اتجاه سلا، عبر ما تسمى بطريق مرجان، صدمني مشهد سيارات متوقفة في كل مكان، مواطنون أعينهم على هواتفهم، وآخرون عالقون وسط زحمة رهيبة، لا سابق لي رؤيته، بينما المطر ما بين نزول وتوقف، على وتيرة خفيفة جدا.
وفي المحاولة الثالثة، انشغلت في ثرثرة للتنفيس عن الضغط العصبي مع أصدقاء لي، فيما عبود وجه السيارة في اتجاه الطريق السيار، عبر طريق زعير، ومنها استدار صوب اليوسفية، ومنها نزل صوب الحي الصناعي،
من أجل الالتفاف على سلا؛ فوصلنا إلى المنطقة الفاصلة بين الرباط وسلا، التي تحمل اسم الولجة، ظلام وبرك ماء، وطريق سيار في وضعية كارثية.
ونجحنا في العبور بأمان صوب مدينة سلا، وفي منطقة المدينة الذكية في سلا الجديدة، هالني مشهد السيارات الغارقة في الوحل، وعشرات من شاحنات القطر، عرفت أنها أيضا مدينة منكوبة لأنها بدون مجاري لصرف المياه.
وعاد المطر، لينزل بقوة، فيما مسّاحات الزجاج، أصدرت صريرا، تشائمت من الصوت، ولم تهدني اللحظة، للمواصلة في الطريق السيار، في اتجاه طنجة، مع الخروج في بدال بوقنادل، وحينها ستكون المهمة، إلى بيتي سهلة جدا.
وصدمني المشهد من جديد، قرب دار السكة، سيارات متراكمة، وقف عبود يتأمل مثلي مشهد ليلة تطول لكي لا تنتهي.
تراجع عبود بالسيارة، وقمنا بسلك طريق لا نعرفه، وأخرجنا الطريق الملتف، بقرب القصر الملكي في سلا، فوجدنا صفا طويلا، لا ينتهي من السيارات المتزاحمة؛ صفعني السؤال ما الحل؟ هل أعود للمبيت في الرباط لاجئا ليليا أم ماذا؟
عزمت وتوكلت وطلبت من عبود دخول الزحمة، أطلقت المباشر لأول مرة في حياتي على حسابي، على موقع للتواصل الاجتماعي، تباعا تقاطر الناس ليروا ما أبثه؛ وفي نفس الوقت، تتوالى اتصالات زوجتي أميمة، لمعرفة أين وصلت؟

فرغم قلقي الداخلي، في مواجهة حيال عشرات من الأسئلة، أبث لزوجتي رسائل التطمين، لثقتي أن الفرج بالفرح قريب.
وللأسف الشديد، ووسط هذا المشهد السينمائي الأمريكي من هوليود، من صناعة الواقع، لا شرطي مرور ولا دركي ولا أي رجل إسعاف، لا مستشار جماعي ولا زعيم حزبي ولا سياسي ولا وزير من حكومة تصريف الأعمال؟ ؟ ؟
وحدهم المواطنون عالقون أمام قدرهم، يسألون ربهم فرجا بعد كرب، أما أن ترى مسؤولي المدينة في الرباط أو سلا من المنتخبين، أو من مسؤولي الإدارة الترابية لضفتي نهر أبي رقراق فهو حلم أيضا.
وتواصل كابوس تزاحم السيارات في مسلسل مسير أبطأ من حلزون، والأسئلة في رأسي تتالى، ماذا جرى بالضبط لتغرق شوارع سلا، ويستسلم الترام/ دودة القز الناقلة للمواطنين في رخاء وأمان ما بين الرباط وسلا؟ أعترف أني عجزت تماما عن الفهم.
ووصلت أخيرا برفقة عبود، إلى مقهى الحي، وجدتهم قبيل منتصف الليل، يستعدون للإغلاق، غسلت يداي، وطلبت بيتزا بالدجاج وما تيسر أو ما تبقى من خضار، وأطلقت لصوتي عنانه بموشح مرتجل: “قالوا لي إن مدينتي سلا غارقة”، فأجبتهم “كذبتم فإن العرائس لا تغرق”.
في طريق العودة، وجدنا أخيرا، مخرجا من طريق مكناس أو المطار، كما تسمى، وهرولت السيارة أخيرا في اتجاه الحي الصناعي، قرب المطار، ومنه شق عبود السائق حي الانبعاث، إلى أن عبرنا في اتجاه حي كريمة، ومنه إلى حي مسكني السلاوي.
وصلت إلى سريري منهكا، ولكنني قررت التوثيق لما جرى، لأنه لا يليق بمدينتي سلا وجارتها الرباط، أن يستمر فيهما مثل هذا الوضع؟
أعلم أن المعاناة في هذا اليوم من شهر فبراير، من شتاء 2017؛ شرب كؤوسها البسطاء مثلي من آلاف الدروايش، من عباد الله، ومن ملح الأرض، وبينما أكتب شكواي، نزل غيث مدرارا وجديدا وليليا، من مطر.
بالتأكيد من وجهة نظري، يتحمل المسؤولية المنتخبون وغير المنتخبون، حولوا سلا خلال نصف قرن أو أكثر إلى بقرة حلوب لكل شيء؛ فولدوا أكبر مرقد كبير وجماعي من أحياء الإسمنت، للقادمين من المغرب، للاستقرار في سلا وللعمل في الرباط.
ولا يستحي كل منتخب جديد، مع شبكاته العقارية، أن يزرع مثل ا