وجهة نظر

صلاحية المحكم في التصدي للدفوع من خلال القانون المغربي

تجسدا لاعتبار التحكيم قضاء خاص بامتياز يرتكز على مبادئ العدالة و الضمانات الأساسية للتقاضي خول المشرع المغربي للمدعى عليه حق الدفاع عن نفسه أمام الهيئة التحكيمية بإثارة دفوعا تتعلق بمسطرة التحكيم و إجراءاتها، و التي تتوزع في إطار دفوع شكلية أو دفوع متعلقة بموضوع النزاع  و المتداولة باسم دفوع موضوعية كما يحق له التمسك بدفوع لا تتعلق لا بمسطرة التحكيم أو موضوعها و هي الدفع بعدم القبول.

أولا : الدفع بعدم قبول الدعوى التحكيمية 

الدفع بعدم القبول[1] هو دفع لا ينصب على موضوع الدعوى ولا ينصب على إجراءات الدعوى ولإثارة الدفع بعدم القبول يجب التمسك بعدم توفر شرط من شروط الدعوى كانتفاء المصلحة أو تقادم الحق موضوع الدعوى أو انقضاء الميعاد الحتمي لرفع الدعوى وإذا كانت الهيئة مختصة بنظر النزاع ورأت أن الدفع بعدم القبول لانتفاء صفة المدعى عليه قائم على أساس، فإنها إذا طلب المدعى تأجيل الدعوى لإدخال ذي الصفة في الدعوى، لا تحكم بعدم قبول الدعوى ولكنها تؤجل الدعوى ليقوم المدعي بإعلان ذي الصفة، بشرط أن يكون هذا المعلن عنه طرفا في اتفاق التحكيم[2].

و بالتالي فيجوز للمدعى عليه الدفع بعدم القبول في أية حالة كانت عليها الدعوى و للهيئة التحكيمية أن تقضي بها من تلقاء نفسها نظرا لكونه من النظام العام فوجب إثارته من قبلها تلقائيا[3].

ثانيا : الدفوع الشكلية  

الدفوع الشكلية أو الإجرائية فهي تهدف إلى إثبات قيام عيب في الاجراءات مما يؤدي إلى ضرورة إنهائها حتى لا يصدر حكم مبني على إجراءات غير صحيحة كالدفع ببطلان الاستدعاء أو بعدم الاختصاص[4] و إذا انتهت الخصومة نتيجة نجاح الدفع الشكلي فإنها تنتهي دون أن يكون الموضوع قد فصل فيه أو يكون الفصل فيه قد تأخر بعض الشيء

[5].و من الأمثلة على الدفوع الشكلية التي أشار إليها المشرع المغربي في قانون 05-08 نجد الدفع بعدم الاختصاص الذي نظم في  الفصل 9-327 الذي جاء فيه :

 

“الهيئة التحكيمية، قبل النظر في الموضوع أن تبث إما تلقائيا أو بطلب من أحد الأطراف، في صحة أو حدود اختصاصاتها أو في صحة اتفاق التحكيم وذلك بأمر غير قابل للطعن إلا وفق نفس شروط النظر في الموضوع وفي نفس الوقت .. “.

والدفوع الشكلية تخضع لقواعد خاصة بها ومن هذه الخصوصيات وجوب رفعها قبل الدفع في الموضوع و للهيئة التحكيمية كامل الصلاحية في قبولها و إنهاء الدعوى أو رفضها و مواصلة الاجراءات شريطة تقديمها قبل الدخول في الجوهر، وإلا سقط الحق فيها[6] ، كما أنه يجب إبداء جميع الدفوع الشكلية معا و  تقديمها  في الميعاد المتفق عليه بين الطرفين أو الذي تعينه هيئة التحكيم للمدعى عليه وهو ما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 14-327 من قانون 05-08.

ثالثا : الدفوع الموضوعية

 

الدفوع الموضوعية يجوز إبدائها في الدعوى التحكيمية و تهدف إلى منع المحكم من الحكم للمدعى بطلباته و يجوز إبدائها بأي شكل أمام المحكم و في أي حالة تكون عليها الدعوى، وسلطة هيئة التحكيم على هذه الدفوع مستمدة من سلطتها و ولايتها في نظر الموضوع الذي توجه إليه هذه الدفوع[7].

كما يمكن تعريفها بأنها تلك التي توجه إلى ذات الحق المدعى به و يستهدف مثيرها إنكار وجوده أو يزعم سقوطه أو انقضاؤه، بمعنى أنها توجه إلى الحق موضوع الدعوى وتستهدف الحكم برفض الدعوى إما كليا أو جزئيا، وقد نص عليها المشرع المغربي في الفصل الفصل 14/327/فقرة/2 الذي جاء فيه :

“… وله أن يضمن هذه المذكرة طلبات عارضة متصلة بموضوع النزاع أو أن يتمسك بحق ناشئ عنه بقصد الدفع  بالمقاصة و يرفقها بكل الوثائق التي يريد استعماله للنفي أو الاثبات .. “

 

والدفوع الموضوعية كثيرة والأمثلة عليها متنوعة ومتعددة فهي إما أن تكون سلبية تقتصر على مجرد إنكار الوقائع المدعاة أو إما إنكار الأثر القانوني أو إيجابية تجاوز الإنكار إلى تأكيد واقعة معينة، وتتميز الدفوع الموضوعية بعدة قواعد أهمها إمكانية التمسك بها في جميع مراحل الدعوى[8] و من ثم فالمدعى عليه يمكن له تقديم جميع دفوعه الموضوعية شريطة إرفاقها بوسائل إثبات من وثائق و مستندات، و سلطة الهيئة التحكيمية للنظر في هذه الدفوع هي نفس السلطة المخول لها للفصل في موضوع النزاع.

 

[1]  ذهبت المذكرة الايضاحية لقانون المرافعات المصري إلى تعريف الدفع بعدم القبول بما يلي :

“هو الدفع الذي يرمي إلى الطعن بعدم توافر الشروط الازمة لسماع الدعوى ) أو الطلب العارض أو الطعن في الحكم( و هي الصفة و المصلحة و الحق في  رفع الدعوى باعتباره حقا مستقلا عن ذات الحق الذي ترفع الدعوى بطلب تقريره كسقوطه لسبق الصلح فيه أو لانقضاء المدة المحددة في القانون لرفعها و نحو ذلك” محمد الأزهر، الدعوى المدنية، مطبعة دار النشر المغربية، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2010، هامش رقم 101، ص 152

[2]خليل مرزوق .مسطرة صدور الحكم التحكيمي  شروطها و إجراءاتها ,اجالها و عوارضها. مقال منشور بالموقع التالي www.marocdroit.com  تاريخ الزيارة 08/04/2016.

[3]  فتحي الوالي .قانون التحكيم في النظرية و التطبيق،  منشأة المعارف، الاسكندرية. الطبعة الأولى،2007، ص350

[4]  إذا أعلنت الهيئة التحكيمية أنها غير مختصة بالنظر بالنزاع  في حالة إثارة الدفع بعدم الاختصاص إما تلقائيا من قبلها أو بطلب من أحد الأطراف تنتهي إجراءات التحكيم إعمالا لصلاحيتها بالنظر في اختصاصها .

[5]  للمزيد من التفاصيل حول الدفوع الشكلية أنظر : محمد الكشبور : “رقابة المجلس الأعلى على محاكم الموضوع في المواد المدنية، محاولة للتميز بين الواقع و القانون”، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2002، ص 424

[6]  تطبيقا لهذا الأمر قضت محكمة الاستئناف بالقاهرة  في قرار لها بتاريخ 2003/12/20 بأنه” إذا كانت المحتكمة قد أقرت باختصاص الهيئة التحكيمية إذا قامت بتقديم طلب التحكيم إليها و بسطت أمامها ما عن لها إبداؤه من دفاع و طلبات و استمرت في إجراءات المرافعة حتى تم إقفال بابها دون أن تبدي ثمة دفع أو دفاع يتعلق باختصاصها. كما أنها لم تدفع بعدم شمول اتفاق التحكيم لبحث مسألة صفة المحتكمة. و بذلك يكون حقها قد سقط عملا بنص الفقرة الثانية من المادة 22 من قانون التحكيم . ”  مشار إليه : فتحي الوالي. قانون التحكيم في النظرية و التطبيق، م. س،  ص 352

[7] محمد المختار الراشدي، إجراءات مسطرة التحكيم، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 117. نونبر- دجنبر 2008، ص 93

[8] خليل مرزوق ، م. س، مقال منشور بالموقع التالي www.marocdroit.com  تاريخ الزيارة 08/04/2016