وجهة نظر

هل حقا السويد وأوروبا عموما تسجل أعلى نسب التحرش والاغتصاب؟

للأسف هذا ما يردده الكثيرون معتمدين على أرقام وحصائيات صماء دون حتى البحث في تفاصيلها والتفسيرات المرفقة معها، ومتجاهلين للواقع، ومنهم للأسف من عاش في هذه الدول، ورأى بعينيه رأي العين، الأمن والأمان والاحترام، لكنه لسبب أو آخر يتعمد تزوير الواقع، بما أن الأمر يتعلق بالغرب الكافر، فلابأس باستعمال التدليس والتزوير والتعميم والتهويل وحتى الكذب…

يظن البعض أنه إذا نفخ في أرقام الجرائم في أوروبا أو زورها أو قرأها قراءة مبتسرة أو خاطئة… فإنه بذلك يقدم خدمة جليلة للإسلام، ويدفع الناس لتبني أنظمته وأحكامه، ويقدمه كبديل لحل هذه المشاكل التي عجز الغرب عن حلها، لذلك تروج بين الكثير من هؤلاء “الطيبين” الأرقام والإحصاءات الأشبه بالخرافات.

قبل التطرق لما وراء أرقام تلك الإحصاءات، دعوني أحدثكم عن الواقع الذي أجزم أن هؤلاء يعرفونه لكنهم يدلسونه.

قد تتجول لأشهر وسنوات في أي بلد أوروبي دون أن تشاهد منظرا واحدا للتحرش.

أنا هنا في السويد منذ سنة ولم أشهد أي حالة أو مشهد، مخل أو مخز، لشاب يتحرش بفتاة أو يضايقها، وبالمقابل كنت أشاهد ذلك يوميا في المغرب، بل ممكن أن تشاهده كل ساعة.

بالعكس الشعب السويدي في غالبه شعب خجول، ويمكن إن أطلت النظر في عيني أي إنسان، أن يبادر لخفض عينيه، وكذلك الأمر بينهم.

هل رأى أحدكم مثل هذا في المغرب؟

أبدا العكس تماما، هو الذي يحدث عندنا.

ترى المتحرشين الذين لايستعملون أيديهم في الحرش وألسنتهم وكل أعضائهم، ويكتفون بالتحرش بأعينهم، تراهم وقد نزعوا ثياب الفتاة بأعينهم، ونهشوها بنظراتهم، وإذا حملقت في أحدهم لكي يخجل، سيبحلق فيك ويخرج عينيه من محجريهما، ويفترسك بهما إلي أن تخجل أنت.

أقول وبدون مبالغة أن الفتاة والمرأة هنا ممكن أن تتجول في أي وقت من أوقات الليل والنهار، في مكان من الأماكن الخالية أو المكتظة، بأي لباس ساتر أو كاشف… ولن تخاف من أي أحد أبدا، وسبق أن رأيت مثل ذلك في دول أخرى، ودونته قبل ثلاث سنوات.

بالعودة إلي تلك الأرقام والإحصائيات التي يعتمدها البعض، ليصور أن الدول الأوروبية، فيها التحرش في كل زاوية، والاغتصاب في كل لحظة، وهو ما لم أسجله خلال سنة كاملة كشاهد عيان على هذا المجتمع.

الأرقام التي يعتمدها البعض بحسن أو بسوء نية، بجهل أو عن قصد، تحتاج رلي قليل من التفسير والتوضيح.

أولا: الأوروبيات عموما والسويديات بشكل خاص، عندهن ثقافة التبليغ لدى الشرطة وتسجيل الشكايات، وهو الأمر الغائب عندنا في بلداننا، ولو كانت النساء عندنا تبلغ بالشكل الذي تفعله النساء هنا، لكانت الأرقام عندنا لاتختلف عن أرقام البطالة والأمية والفساد المالي والرشوة وحرية التعبير والجرائم… كنا سنكون على رأس اللائحة ولن يتفوق علينا أحد.

ثانيا: يمكن أن يدخل في التحرش والاغتصاب هنا، ما لانعتبره كذلك في بلداننا، بحيث أن الزوجة إذا لم ترد ممارسة الجنس مع زوجها، وألح عليها في ممارسة الجنس، تعتبر ذلك اغتصابا، وتسجل شكاية في الموضوع، ومن الممكن أن تفعل العشيقة مع عشيقها نفس الشيء، وممكن أن تنتقم العاهرة من زبونها بتسجيل شكاية اغتصاب، وقد تعتبر زميلة في العمل نظرة زميلها تحرشا، فتسجل شكاية. فتخيلوا معي لو أن كل زوجة عندنا سجلت شكاية اغتصاب، وكل موظفة سجلت شكاية تحرش، كم كانت الأرقام ستكون عندنا؟

ثالثا: تلك الإحصائيات تعتمد على عدد الشكايات المسجلة لدى الشرطة والسلطات المعنية، حتى قبل التحقق منها. بمعنى أن هناك الكثير من الشكايات الكيدية أو الانتقامية أو الكاذبة، تظهر بعد إجراء التحقيقات وإصدار الأحكام النهائية، لكن لايتم اعتمادها في الإحصائيات، بل يتم التعامل مع كم من شكاية تم تسجيلها بخصوص التحرش والاغتصاب، دون النظر هل كان اغتصابا حقا أو هل كان تحرشا حقا؟

رابعا: للأسف الشديد نسب كبيرة جدا من عمليات التحرش والاغتصاب، تورط فيها مهاجرون، وقد اطلعت على إحصائيات لتطور نسبة الشكايات، فكانت المنحنى سجل ارتفاعا كبيرا جدا، في السنوات التي استقبلت فيها السويد مئات آلاف السوريين، بل تم تم تسجيل شكايات بالسوريين وبينهم عدد كبير من القاصرين. وكلنا نتذكر فضيحة التحرش الجماعي لعدد من المهاجرين في ألمانيا، وهي موثقة بالفيديو.

ختاما، يمكن للإنسان أن يدافع عن معتقداته، وأن يقدم المشاريع والبدائل، لكن عليه أن يفعل ذلك بموضوعية وصدق وعدل، وأن يتمثل هو أولا خلق الصدق، بعيدا عن الكذب والتدليس.

ثم أين العيب أن تقول أن البلد الغربي الفلاني حقق قفزة أو نجاحا في هذا الجانب أو ذاك؟

هل تعتقد أن نجاحه هو بالضرورة فشل لك؟ أي تلازم بين هذا وذاك؟

ألا ترى أنك لتسيء للحق الذي معك، حين تعتقد أنه لايمكن نصره ونشره إلا بالكذب على الآخرين؟

ألا يمكنك أن ترى الموضوع من زاوية أخرى، فتنشر الأمل بين الناس، بأن هناك دول أخرى نجحت في محاصرة هذه الظواهر السيئة، وأن الأمر ممكن وليس مستحيلا، فتكون زرعت الأمل ونشرت الإيجابية، وكنت موضوعيا ومنصفا وصادقا وعادلا ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *