مجتمع

الدرازة.. مهنة أصيلة تقاوم “التقليد” من أجل البقاء بالمدينة الحمراء (فيديو)

تصوير ومونتاج : محسن رزاق

داخل محله الصغير بسوق “الدلاوين” على مقربة من سقاية المواسين الشهيرة بالمدينة العتيقة لمراكش، يجلس المعلم سعيد القصري منسجما مع منسجه التقليدي وهو يدور عجلته ويصف خيوط الصوف مثل صانع بارع.

بتركيز شديد كأنه وحده في هذا العالم، يشبك خيطا ملونا وآخر أبيض في تناغم تام، كمن يريد رسم لوحة فنية فريدة لا تشبه أخرى.

يقول سعيد لجريدة “العمق”، وهو يرفع بصره كأنه انتبه للتو إلى وجود أحد قربه “وحده الشغف يجعلك تسرح في هذا العالم المليء بالإبداع”.

تاريخ

يعتبر المعلم القصري واحد من بين صناع تقليديين بالمدينة العتيقة لمراكش معدودين على رؤوس الأصابع، يقاومون من أجل الحفاظ على مهنة الدرازة التقليدية.

يعمل هؤلاء على تحويل الصوف المغزول إلى قطع تستعمل يوميا وتدوم لمدة طويلة، تمزج بين الجودة والجمال.

يضيف القصري إن تلك القطع، سواء كانت ملابس أو أغطية أو غيرها تشكل محل إعجاب للسياح الأجانب و”العشاقة” المغاربة، فبدونهما فهي مهددة بالانقراض في ظل تنامي إنتاج “المقلد المغشوش”.

انسجام

يحكي سعيد أنه ورث المهنة عن أبيه القادم من القصر الكبير في الشمال المغرب إلى مدينة مراكش في الثلاثينيات من القرن الماضي.

استقر في المدينة الحمراء، وتعلم الصنعة من “معلمين” بارعين، قبل أن يستقل بمحله في المدينة العتيقة، وينقل المهنة إلى أولاده.

يقول محمد الزكراوي رئيس جمعية للصناعة التقليدية ” الدرازة مهنة قديمة، تطورت مع تطور حاجة الإنسان إلى اللباس والغطاء، تجدها عند جميع الشعوب ذات الحضارات القديمة، عندما تتأمل تجد اختلافا بسيطا في طريقة غزل الصوف وصبغه، أو في بعض إكسسوارات العمل.

صبر

ينتهي سعيد من عمله في وقت متأخر من اليوم، يتطلب منه ذلك جهدا بدنيا وآخر ذهنيا وربما عاطفيا كما يعبر عن ذلك بلغة مراكشية بسيطة

يضيف إن المهنة تتطلب صبرا كبيرا، من يبدأ عملا يصعب الانشغال بغيره عنه، يجده نفسه منهمكا في أدق تفاصيله، وقد يمتد عمله ساعات طويلة أمام “المرما”.

البحث عن الصوف (المواد الأولية) في بلده الأصلي عمل آخر يقوم به سعيد في المناطق الجبلية، يبحث عن أجوده كما يبحث عن إبرة في كوم تبن على حد تعبيره.

وحده شغف المهنة من يجعله صابرا، والشعور بالرضا بعد الانتهاء لا يضاهيه شيء في الدنيا كما يعبر ذلك القصري بسعادة غامرة.

ي ظل الجائحة، خف عمل سعيد وغاب عشاف منتوجه، ينتظر  فقط  التفاتة معنوية من المسؤولية، تكون له خافزا في الاستمرار للحفاظ على هذه المهنة الأصيلة المهددة بالانقراض.

إبداع

ما يميز الدراز هو حسه الإبداعي، بينما يرسم الفنان على لوحته مستعملا الريشة والصباغة، يستعمل خياله الواسع من أحل مزج الخيوط الملونة لتصير في الأخير لوحة فنية ذات دلالة.

هي قطع تستعمل في الحياة اليومية، قد تكون مجرد قطعة تضعها المرأة على صدرها، أو غطاء نتدثر بها شتاء، وقد تصير لباسا تقليديا(جلبابا) بعد أن يضع فيه الخياط بصمته.

يقول القيصر إن الدرازة هي أكثر المهن التي مزجت بين جميع مكونات الثقافة المغربية، بمختلف فئاتها، قد تتشابك فيه خيوط أندلسية مع أخرى أمازيغية أو إفريقية أو عربية، لكنها في النهاية تعبر عن وحدة وطنية خالصة.

يتحسر كثيرا لأن المهنة أصبحت مهمشة ولا يريد أحد تعلمها، فقط “المعلمين” القلائل الموجودين في السوق يحالون نقلها إلى أولادهم في وقت ما بعد المدرسة أو في العطل المدرسية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *