أما بعد

أما بعد.. ما كان لـ”كورونا” أن تخنق مراكش لو كان فيكم رجل رشيد

مستشفى ابن زهر مراكش

منذ فرض الحجر الصحي في شهر مارس الماضي ونحن نكتب ونحذر وندق نواقيس الخطر القادم، فضحنا الاختلالات وسلطنا الضوء على التجاوزات وتطرقنا للثغرات وأبرزنا مكامن الخلل وعوامل النقص، فكتبنا عن واقع المستشفيات وانتقدنا ارتباك السياسات، ودعونا للتعقل وإعطاء قيمة للحياة.

منذ اللحظات الأولى للمعركة ضد الفيروس، تجندنا للتحذير من الجهل والإشاعة والعناد، وانخرطنا في كل حملات التوعية والتحسيس، ودعونا للاحتياط وأخذ الحيطة والحذر، فقلنا للناس انضبطوا وقوا أنفسكم وأهليكم، ودعونا الدولة لتحسين التواصل وتجويد القرارات والكف عن المظهرية والفولكلور.

وفي حالة مراكش التي تترنح اليوم بين الحياة والموت، والتي أصبح من أهلها من يراها “مدينة منكوبة”، قوبلت دعواتنا ومقالاتنا وسطورنا للأسف بالصمت المريب واللامبالاة المقصودة، فالسيد المدير المعين بدون مباراة على رأس المركز الاستشفائي الجامعي المسؤول عن مواطني خمس جهات ترابية وبضعة أقاليم أخرى، لم يكلف نفسه عناء الرد على ما كتبنا عنه، فما بالك أن يكلف نفسه عناء التصحيح والتدخل والمعالجة، أما السيدة المديرة التي كانت ستكون في عداد المعفيين من مناصبهم لولا بركات “مول التلفون”، فشلت كل محاولات التواصل معها أو الوصول إليها فشلا ذريعا بحجم فشلها في تدبيرها للجائحة وإشرافها على المؤسسات الصحية بالجهة عموما، وبالمدينة التي تعد مندوبة إقليمية عليها بالنيابة منذ ما يزيد عن أربعة أشهر خصوصا.

كنا سباقين للتحذير من تحول المستشفى الجامعي وغيره من المؤسسات الصحية لبؤرة وبائية، ففضحنا الإكراهات التي تواجه جنود الصف الأول، وكشفنا افتقادهم لأدنى مقومات وأدوات الاحتراز والوقاية، لتتدخل الجهات العليا لتصحيح الوضع وإعادة جزء من القطار للسكة، وذلك في الوقت الذي كان فيه بعض أصحاب القرار في المستشفى يدبرون خطة “تأديب” للمتحدث إلى ميكروفوننا.

أتبعناها بالتحذير عوض المرة عشرة من غياب الإجراءات الاحترازية، ومن افتراش المرضى للأرض، وانتهاك شرط التباعد، وعدم قياس حرارة الوالجين للمستشفى، والسماح لمرضى محتملة إصابتهم بـ”كوفيد19″ مع مرضى آخرين… وبقيت تحذيراتنا معلقة بلا جواب ولا قرار، ومازالت دار لقمان على حالها إلى غاية كتابة هذه الأسطر.

كلما كتبنا وفضحنا وحذرنا ونصحنا، بلغ إلى علمنا من أكثر من مصدر قول بعضهم “العمق عزيز عليهم غير يجبدو الصداع”.

للأسف مازالت حروفنا منشورة حيث هي، غير أن المستشفى لم يعد كما هو، فقد حدث غير المرغوب فيه، وأصبح مصدرا لتوزيع الوباء وبؤرة لاختراق جنود الصف الأول، وأصيب ما يزيد عن 100 شخص من العاملين في المركز الاستشفائي الجامعي من مختلف التخصصات وجميع الدرجات، وعليه قس واقع المؤسسات التابعة للمديرية الجهوية للصحة، حتى تحولت مستشفيات المدينة الحمراء إلى بؤرة تصدير العدوى بدل أن تكون مكانا لعلاج المرضى.

لم يبق اليوم أي خيار أمام وزارة آيت الطالب وحكومة العثماني سوى اتخاذ القرار بإعفاء المقصرين في أداء مهامهم والفاشلين في تدبير الجائحة، وإعطاء الفرصة لأشخاص آخرين لتجريب الخطأ والفشل، فالأمل في المنظومة الصحية المهترئة مفقود واليأس عنوانها الوحيد.

ختاما، بعد هذه الحصيلة الثقيلة، والواقع المرير، والوضع المؤسف، والرؤية الضبابية… نحتاج سياسة واضحة وقرارا جريئا، فإما حجر معقول يتساوى أمامه الجميع ماديا ومعنويا، أو تعايش مع الفيروس بشكل معلن وواضح دون تضييق على أرزاق الناس.

وأضعف الإيمان أن تتركونا نعيش براحة ونموت بحرية بعيدا عن كل القيود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • نعمان
    منذ 4 سنوات

    مخه