وجهة نظر

تصريح عمرو موسى يقطر تطبيعا مع الصهيونية

عمرو موسى، لمن يريد أن يتذكر وأيضا لمن يريد أن يعرف من الأجيال الحديثة، هو وزير خارجية (1991-2001) حسني امبارك الوريث الشرعي لأنور السادات الذي وقع في شرك التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد(1978) التطبيعية المشؤومة.

عمرو موسى هو أمين عام جامعة الدول العربية (2001-2011). وهذا يعني أنه يمثل الشخص الأنسب لإكمال مسلسل التخلي الرسمي، حتى لا أقول الشعبي، عن القضية الفلسطينية بالشكل التنازلي من كامب ديفيد، إلى أوسلو(1993) التي دُفِعت إلى توقيعها منظمة التحرير الفلسطينية، ثم إلى المبادرة العربية للسلام (2002) التي حولت دولة الاحتلال من عدو للعرب حاربوه على الخصوص في 1967و 1973 إلى شريك في عملية السلام. وبلغ الأمر إلى تقارب المصالح حين تمت مقاطعة حكومة إسماعيل هنية المنتخبة (2006-2007) قبل الانقلاب عليها، ومحاصرة قطاع غزة. وإمعانا في الحصار أغلقت مصر من جهتها معبر رفح المَنْفذ الوحيد للقطاع إلى العالم الخارجي. ووصل الأمر في السنوات الأخيرة إلى التآمر على القضية الفلسطينية بعد ما سمي صفقة القرن وعملية ضم الضفة الغربية، والتطبيع الخفي والعلني.

عمرو موسى تقدم إلى الانتخابات الرئاسية المصرية في 2012، لِمَا بعد ثورة الربيع العربي 2011، فلم يحصل إلا على حوالي 10 في المائة من الأصوات، ما يؤكد أن بريق المناصب السابقة لم تنطلِ على ناخبي الشعب المصري.

إلا أنه، وبعد الانقلاب (2013) على الرئيس مرسي المنتخب ديمقراطيا، سيبرز اسمه من جديد رئيسا لـ”لجنة الخمسين” لصناعة دستور على مقاس رموز الانقلاب.

وهاهو في صيف 2020، تتفتّق قريحته مدافعا عمن طبّع، وناصحا لأولئك الذين اعتبرهم في طريق التطبيع.

نشر عمرو موسى على صفحته الفيسبوكية يقول ” مهم أن تفهم الدول العربية التي يُحتمل أن تحذو حذو الإمارات أن وقف الضم (ضم الضفة الغربية) قد عولج (…)، وأن عليهم (الدول العربية) إذا أقدموا على مثل هذا التطبيع أو الاعتراف أن يكون المقابل مختلفا لصالح الفلسطينيين ويحقق لهم مكاسب إضافية”.

يتحدث عما سماه معالجة الضم، في حين أنه أوضح في السطور السابقة أن “وقف الضم هو موقف أمريكي معروف سبق تبادل التطبيع والاعتراف المذكور بأسابيع”. إذن لمن ينسب هذا الوقف؟. الجواب في نظرنا ليس لهذا ولا لذاك. الذي أوقف عملية الضم هو التحام الفصائل الفلسطينية ضدها وضد صفقة القرن ككل، وهو ما يهدد بانطلاق انتفاضة جديدة يدعمها الجميع في ظرف يتميز بالاستعداد للانتخابات الرئاسية الأمريكية، ثم تدهور الوضع الداخلي لسلطات الاحتلال تصعب معه المواجهة، ما جعل أمريكا تدفع بالتوقيف. ولمن يقول بأن الفصائل لا تستقر على ما تتفق عليه، نؤكد أن حظوظ التقارب أكثر من أي وقت مضى، حيث أن منظمة فتح، التي عادة ما تكبح خيار المقاومة، شعرت بأن البساط يسحب من تحت أرجلها عبر مخططات المنشق عنها محمد دحلان في طيات اتفاقية التطبيع الأخيرة، فاتخذت موقفا، ساهم فيه ضغط هياكلها الإقليمية، يُسايِر بجدية أكثر موقف الفصائل الرافضة للاستمرار في التصرف انطلاقا من التزامات أوسلو. ولعل هذا ما دفع إسماعيل هنية في منتصف يوليوز بأن يصرح: ” أننا نجحنا في مواجهة خطة الضم بموقفنا الموحد”. وبهذا يبقى الفلسطينيون، كما عوَّدوا العالم، أقوى من أن تُحددَ مصالحُهم في غيابهم.

وبناء عليه، يبقى التذرع بإيقاف الضم مجرد توهم أو بالأحرى توهيم بوجود معادلة ذات طرفين اثنين: “إيقاف الضم” و “التطبيع”. هذا مع العلم أن النص الإنجليزي من الاتفاق المسمى إعلاميا ثلاثيا يتحدث عن “تعليقه” وليس إيقافه. بل وحتى إن قبِلنا بها كمعادلة ولو على سبيل الافتراض، فإنها تبقى دون مستوى ما وصل إليها جيل الانبطاح الرسمي العربي سابقا حيث كانت معادلتهم تربط بين التطبيع وبين الانسحاب الصهيوني من الأراضي العربية المحتلة سنة 1967 وقيام الدولة الفلسطينية.

يتابع عمرو موسى حديثه، وهذه المرة بلغة الحثّ على “التَّصدُّق” لتلك الدول المقبلة على التطبيع، إذ عليها أن تبحث هي الأخرى عن “مصالح” وهمية أخرى تحقق بها “مكاسب إضافية” للفلسطينيين. يقول هذا وهو من طبَّع مع هذا الدهاء المكشوف، والوعود الكاذبة، والمواقف المتخاذلة، لمدة تفوق العشر سنوات على كرسي الجامعة العربية التي تعتبر، وبدون منازع، قاطرة التطبيع ومختبر رسم سياساته.

ولعل هذا الأسلوب، الذي قصد صاحبه التخفيف من خطورة الطعنة، يدفعنا إلى التساؤل قائلين:
– ماذا يا تُرى حقق حكام هذه الدول، التي طبّعت والتي في طريقها للتطبيع، لشعوبهم أصلا قبل أن يفيض خيرُهُم على الفلسطينيين؟
– ألم تستوعب حُوَّصِلة موسى أن الفلسطينيين عندهم من الأنَفَة والنخوة والعزة ما يجعلهم يرفضون “الصدقات” من الصديق فأحرى مِمَّن يَدُسُّ فيها سُمَّ التآمر عليهم؟
– أليست الهرولة إلى التطبيع كانت تحت يافطة طلب الاحتماء بعدوِّ الأمس، التي روج له إعلام الهزيمة ولا يزال، احتماءٌ من إيران واحتماءٌ من غضب الشارع العربي؟
– فهل يجتمع عند عاقل وفي نفس الآن طلبُ الاحتماء، وهو مؤشرُ ضعفٍ يقبل صاحبه بشروط من يحميه، وتحقيقُ المكاسب الذي لا يكون إلا لقوي؟
– ثم، هل استطاعت دولة الاحتلال أن تحمي نفسها من انتفاضات الشارع الفلسطيني؟ ألم يعلن شارون انسحاب جيوش الاحتلال هربا من قطاع غزة بعدما اشتدت وطأة الانتفاضة الثانية؟

وفي الأخير، لابد من تذكير من ابتُلوا بمَهَمّات الحكم في الدول العربية بأن الاحتماء الحقيقي الذي يُكتب له الاستمرار، هو ذلك الذي ينطلق من الصلح مع شعوبهم، وعلامة صدقه التعاقد الملزِم معها على مشروع مجتمعي يُسهِم فيه الجميع بالتّياسُر والتوافق وليس بالقرارات الفوقية أو التدليس، مشروع ينهض بكل ما يُحقّق القوة، ويخلق الثروة، ويُكسب المناعة الذاتية والتماسك المجتمعي، وينشر العلم والوعي وحبَّ الأوطان مع التشوف لوحدة الأمة، ويبث ثقافةَ التفاني في العمل، وقيمَ الشعورِ بالواجب وأداءِ الحق، تتويجا لبيئة تسودها الحرية والعدل والكرامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *