وجهة نظر

التقييم البيئي بالمغرب على ضوء القانون 49.17

تعززت المنظومة القانونية البيئية بالمغرب بقانون جديد متعلق بالتقييم البيئي، فقد صدر بالجريدة الرسمية عدد 6908 بتاريخ 13 غشت 2020 ظهير شريف رقم 1.20.78 بتنفيذ القانون رقم 49.17 المتعلق بالتقييم البيئي.

ويدخل إصدار هذا القانونضمن تفعيل مقتضيات القانون الإطار 99.12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة الصادر سنة 2014 لاسيما المادة 8 منه، حيث ارتباطا بتفعيل البند الاخير منه،فإن هذا القانون تنسخ بمقتضاه أحكام القانون 12.03 المتعلق بدراسات التأثير على البيئة الصادر في 12 ماي 2003 ، وذلك بعد صدور نصوصه التطبيقية.

ويهدف هذا القانون، الذي يتكون من 33 مادة موزعة على ثمانية أبواب، إلى إخضاع مشاريع السياسات والبرامج والمخططات والتصاميم القطاعية والجهوية المعدة سواء من قبل الدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية للتقييم الإستراتجي البيئي، فضلا عن المشاريع الكبرى، وملاءمة الأنشطة والواحدات الصناعية السابقة عن صدور هذا القانون مع معايير التقييم البيئي المتضمنة فيه.

وتستند فلسفة هذا القانون على المبادىء الأساسية التي وردت في القانون الإطار99.12، ولاسيما مبادىء : الإحتراز والوقاية والمسؤولية.

وعلى ضوء هذا القانون، فإن التقييم البيئي هو بمثابة دراسة تقوم على إدماج الجوانب البيئية والإجتماعية لمشروع أو مخطط أوسياسة عمومية لتقييم اثارها المتوقعة ويسمح بتحليل وتعليل الإختيارات المقبولة.
ويتم هذا التقييم من خلال العمل القيام بأربعة عمليات أساسية حسب ذات القانون، وهي:

– التقييم الاستراتيجيالبيئي، بكونه دراسة تمكن من إدماج الإعتبارات البيئية والتنمية المستدامة في السياسات والبرامج والمخططات وتصاميم التنمية القطاعية والجهوية ، كما توضحه المواد الواردة في الباب الثاني من هذا القانون؛

– دراسة التأثيرعلى البيئة، وهي عملية تمكن من تقييم الاثارالمباشرة وغير المباشرة، المؤقتة والدائمة التي يمكن أن تلحق ضررا بالبيئة على المدى القصير والمتوسط والبعيد قبل إنجاز مشاريع اقتصادية وتنموية ومشاريع التهيئة أو تشييد البنيات التحتية الخاضعة لهذه الدراسة وتحديد التدابير التي يجب اتخاذها لتجنب التأثيرات السلبية أو التخفبف منها أو تعويضها أو إزالتها وتثمين الاثار الإيجابية للمشروع على البيئة، وفق ما هو وارد في الباب الثالث منه؛

– إنجاز بطاقة التأثير على البيئة، وهي دراسة مقتضبةتعد قبل إنجاز مشاريع غير خاضعة لدراسات التأثير على البيئة من المحتمل أن تكون لها تأثيرات سلبية ضعيفة على البيئة نظرا لمدتها وطبيعتها وحجمها ومكان إقامتها تمكن من تقييم هذه التأثيرات وتحديد التدابير الكفيلة لتفاديها أو التخفيف منها أو تعويضها، كما توضحها مقتضيات الباب الرابع منه؛

– ثم الإفتحاص البيئي، وهي دراسة تمكن من تقييم التأثيرات المباشرة وغير المباشرة، المؤقتة أو الدائمة لوحدات صناعية أو أنشطة موجودة قبل نشر هذا القانون بالجريدة الرسمية وتندرج ضمن لائحة المشاريع الخاضعة لدراسة التأثير على البيئة، وذلك من أجل تحديد التدابير الواجب اتخاذها لمطابقتها مع القوانين والمعايير البيئية الجاري بها العمل، كما هو متضمن في الباب الخامس منه.

وإذا كان هذا القانون المتعلق بالتقييم البيئي شكل قفزة نحو الأمام من أجل تعزيز ملاءمة التشريع الوطني مع القانون البيئي الدولي من خلال تدعيم حماية البيئة،خاصة تقوية البعد الوقائي، وتعزيز منطور الإستدامة في رسم السياسات والبرامج العمومية…وتجاوز بعض من العيوب والنواقص التي اعترت بعضا من القوانين البيئية، خاصة القانون 12.03، فإن قيمته تبقى منقوصة بالنظر لكون مفعوله معلق على شرط استصدار نصوص تنظيمية تحدد كيفيات ومساطرالقيام بهذا التقييم، إذ الملاحظ أن كل عملية من هذه العمليات الأربعة المشار إليها سابقا،وما يتمخض عنها من وثائق رهين بإصدار نص تنظيمي أو أكثر يحدد مسطرة وكيفيات ونوعية المشاريع والعمليات والخطوات التي يتطلب الأمر القيام بها، حيث نجد ما يناهز 12 نصا تنظيميا ينتظر إصداره في إطار تفعيل هذا القانون دون تحديد سقف زمني لإصدار هذه النصوص التنظيمية.

لقد تطلب إخراج هذا النص القانوني بغرض تعزيز الحماية القانونية للبيئة وتدعيم منظور الإستدامة في بلورة السياسات والبرامج العمومية مدة تناهز 6 سنوات،بعدما كان قد تم التنصيص عليه في القانون الإطار رقم 99.12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة سنة 2014 ، وهو الان وبعد خروجه إلى حيز النفاذ يحتاج إلى مدة زمنية غير محددة لتطبيق مقتضياته وإعمال مفعوله حتى يكون له الاثر المنتظر ويحقق الغايات المرجوة.

* باحث في البيئة والتنمية المستدامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *