منتدى العمق

ليس المهم هو القانون ولكن المهم هو ما أريده أن يكون

لا يهمّ الجواب عن السؤال، من أين لك وكيف لك هذا؟ ولكن المهمّ أن تغدو خميصا و تروح بطين الجيب، ولا يهمّ ما الذي تحتّمه عليك مهامك ووظيفتك فعله؟ و لكنّ المهمّ، هو ما الذي يمكن أن تفعله من أجلي بمقابل مادّي أو بغيره، في إطار المساطر القانونية  أو خارجها.  

لا يهمّ ما الذي يفعله ابن الحيّ في الأحياء الأخرى من تعاطي المخدّرات و تناول المشروبات الكحولية وتحرّش بالنساء واعتراض سبيل الناس وسرقة أموالهم واختطاف واغتصاب بناتهم، لا يهمّ مدى انحراف ابن الحيّ، ولكن يكفي أنّه لا يفعل ذلك داخل حيّه بل يظهر بمظهر الشّهم الكريم الذي يساعد الفقير والمسكين والأرملة و يعطف على صغار الحي، يكفيه ذلك لينال احترام الجيران ويستفيد من الاحتضان والتستّر عليه وإخفائه حين تقتضي الضرورة ذلك، كما ينال المساعدة المادية والمعنوية حين يُقبض عليه وتلج قدماه السجن.

لا يهمّ أيّ حرفة يمتهن ذلك الذي أرسله أهله إلى خارج أرض الوطن بعد أن باعوا من أجل ذلك ممتلكات و أراضي زراعية ، ليس مهمّا إن كان يتاجر في المخدّرات الصّلبة أو الرّطبة أو يمتهن التّزييف و السّرقة ، و لكن المهمّ هو كم من الملايين يحوّل من هناك إلى هنا ، و كم مليونا سيسلّم لأهله حين عودته صيف كلّ سنة .

لا يهمّ إن كان ذلك الموظّف الذي يسمّيه بعض المرتفقين (ديبانور) لأنّه يحلّ كلّ المشاكل و يدلّل كلّ الصّعاب أمام الخدمات ، الممكن منها و كذلك التي  تبدو مستحيلة في عين الواقع و نظر القانون ، و يسمّيه رؤساؤه ( ديميردور)  لأنّه قليل الشكاوى و يشتغل بصفر مطالب و عمله لا يحدث ضجيجا و لا يثير غبارا ، و من أجل ذلك يقدّرونه و يضربون به المثل ، لا يهمّ إن كان مرتشيا يغشّ  في عمله و يكذب كماا يتنفّس و الآخرون يعلمون أنّه يكذب و هو يعلم أنّهم يعلمون ، لا يهمّ ماذا طَحن معع الطّحين صالحا كان أو قاتلا على المدى القريب أو سامّا على المدى البعيد ما دامت السّلعة التي ينتجها تشبه الدّقيق في اللّون و الرّائحة و يُقبل عليها الجميع و لا يشتبه في أمرها أحد ، ليس مهمّا إن كان سيُحدث لمن يشتغل معه و يورث لمن سوف يخلفه إشكاليات تحير المساطر الإدارية في حلّها ، و تكلّف الإدارة و المرتفقين أثقالا لا تُحتمل ، و لكن المهمّ أن يمثّل دور البلسم للسّاعة التي هو فيها .  

لا يهمّ إن كان السيّد الرئيس لا يرقب في ميزانية الجماعة الترابية إلّا و لا ذمّة ، لا بأس إن كان أقصى و أحسن ما قام به خلال الولاية السّابقة و التي تلتها من المهام العديدة المنوطة بالجماعات هو تسمين ممتلكاته و تبييض ما يخالف وجودُها قانونَ البلاد ، لا بأس إن كان نصيب البيئة من كرم فخامته صفر و نصيب التعمير تحت الصفر ، و نصيب الباقي نقطة موجبة للتّردّي و السّقوط ، لا أهمّية لكلّ ذلك عموديا مادام السيّد المحترم يَأكل و يُؤكّل ، و لا أفقيا و محليّا مادام محبوبُ الجماهير يغمض عينا و يفتح أخرى بل يغمضهما معا حين تقتضي مصلحته ذلك أو تدعو إلى ذلك الضّرورة ، ألم تُحلّ في عهده أزمة السّكن التي شيّبت الدّولة ؟ ألم يحرّر قطاع البناء و خلّصه من قيود القوانين ، فأصبح الملك العام و الأراضي السّلالية مشاعة و متاحة ليشيّد عليها مسكنا شخصيّا أو مساكن للبيع كلّ من استطاع إلى ذلك سبيلا ؟ فعلى قدر استطاعة المرء المعنوية إسكات الألسن و استطاعته الماديّة المالية يمكنه أن يبني و يشيّد و يتمدّد ، لا يوقفه زقاق و لا مرفق و لا طريق يمرّ منه عامّة القوم ، كما يمكنه أن ينمّي بنايته و يضيف إليها بدون وجه حقّ طبقة فوق طبقة فوق أخرى ، لا يوقفه تصميم البناية و لا تصميم التجزئة اللّذان لا يسمحان بذلك و لا يوقفه قانون البناء و لاا ما يقتضي حسن الجوار .

لا يهمّ إن كان السيّد البرلماني يراقب الحكومة و يشرّع للأمة أم لا ، و لا يهمّ إن كان يتحدّث داخل القبّة باسم الأمّة أو باسم دائرته في شأن مشاكل عامّة أو محليّة أو يلتزم الصّمت ، و لا يهمّ إن كان يحضر أصلا الجلسات العمومية و اللّجان النيّابية أم لا ، و لكن المهمّ هو كرمه الحاتمي خلال كلّ موسم انتخابات كانت محليّة أو جهوية أو وطنية ، و كذلك خلال  المناسبات الاحتفالية و مواسم الخيل و (التبوريدة) ، و المهمّ هي الوعود التي يطلقها كلّ حين و مناسبة و التدخّلات التي يقوم بها لصالح السّاكنة ، و لا بأس إن كانت هذه التدخّلات عرجاء و بدون وجه علم و لا وجه حقّ ، و لكنن يكفي أنّ بريق وعوده و تدخّلاته الكاذب انبرى من يسوّق لها لحاجة في نفسه و دهاء و من يصفّق لها بحسن نيّة و غباء .

ليس إذن المهمّ هو القانون و لا ما أجمعت الأمّة أنّه يجب أن يكون ، و لكن المهمّ هو ما أريده أنا دون غيري و كيف السّبيل إلى أن يكون.