منتدى العمق

هي أشياء لا تحدث مرتين!

* أن تكون على طاولة الغداء بمُؤتمر علمي، أن تُخرج حفنة من الكبسولات تبتلع الواحدة تلو الأخرى، أن يسألك أحدهم باهتمام: هل أنت مريض؟ أن تُطمئنه قائلا : لا ..أنا فقط أُجري تجاربا على معدتي !

 * أن تقف في الطابور مع كائنات صغيرة تنظُر إليك باستغراب وأنت تنظر إليها باستمتاع، أن يحين دورك لتركب الأرجوحة فتكتشف أن اندهاش ذوي الخمس سنوات لا يقل عن اندهاش ذويهم من أمرك، فتُقنع الصّغار أن اللّعب بالأرجوحة لا يحتاج عمرا مُحدّدا ويقتنع الكبار أنّ طول رجليك هو فقط من يتمدّد..

 * أن تقصد المصوّر ليلتقط لك صورة فيطلُب منك أن تبتسم فتخبره أنك لا تحبّ أن تبتسم لمن يطلب منك ذلك، فيجيب مفتخرا أنّ كل من يقصده يبتسم رغما عنه… أن تبتسم نصف ابتسامة وبمجرد أن تراه سيلتقط لك الصورة.. تُكشِّر و تزمّ فمك حتى تكاد توقن أن عيناه لو كانت ستغادرنا محجرهما يوما لغادرتاه تلك اللحظة..
 أن يُريك الصورة التي نتجت عن حركتك الصاروخية، فتخبره بجدّية أنها أحسن صورة حصلت عليها يوما رغم أنك توقن أنّ صورة مماثلة أجدى بإيخاف الأطفال الصّغار من ” بوخنشة ” وجميع أصناف ” بوعّو ” الأخرى ..أن تتركه يغمض عينيه و يفتحهما ليتأكّد أنه لم يكن يحلم !

 * أن تستعمل ألفاظا كثيرة باللغة الفصحى وأن يكون حولك العشرات الذين يستغربون للأمر والذين قد يضحكون أحيانا ويسخرون منك أحيانا أخرى… 
 أن تسألهم بكل بساطة… ما الشيء الذي يضحِكُكم بالضبط، وأن تضيفَ باستخفاف: من يجبُ أن يسخر مِن مَن ؟
 من يستعمل كلمات من لغته العربية الفُصحى .. أم من يستعملُ كلمات من لغة الاستعمار !

 * أن تذهبَ لقضاء مصالح إدارية بإحدى الإدارات وأن تكون الثالثة بعد الظهر… و تدخل مُشهرا ابتسامتك البريئة وتصادفك خمسينية شمطاء تُخبرك بسخرية أنك أخطأتَ المكان وأنّهم أنهوا العمل وأنك لابُدّ كنت تريد الذهاب لمكان آخر !
 فتمنح نفسك الوقت والهدوء لتجلس بكرسيّ أمامها وتتأمّل عينيها بكل ثقة وتخبرها أنك بالمكان الصّح و بالزّمن الصّح وأن عليها كل الواجبات لتمضي لك الورقة وتمنحكَ شهادة السكنى من دون خطأ ولا مزح ..
أن تستمرّ بالنظر إليك غيرَ مُصدِّقة وتقول أشياء كثيرة من بينها أنك لا تعلم عن قانون هذه الإدارة وعن قوانين الإدارات بالمغرب شيءً..أن تبتسم و تخبرها أنّك أفنيت نصف حياتك و أنت تدرس القانون و أنك مستعدّ لجعلها تتأكّد من ذلك بنفسها..أن ينتهي بك الأمر ومعك تلك الشهادة التي شيّبت كل من طلبها..
 وحين تُدير ظهرك خارجا من مكتبها.. تستدير بسُرعة ضوئِيّة إليها وتضحك قائِلا: كنت أعلم أنك تنظُرين إليّ، و تترُكها تنظر للفراغ غيرَ مصدّقة أن ما حدث معها قبل ثوان حقيقة..وتُطلق ساقيك للريح قبل أن تُطلق وراءك حملة تفتيشية!

 * أن تسأل صاحب مخبزة إن كان يستطيعُ أن يزن لك قدراً محدّدا من حلوى معيّنة… ويوافِق حاملا علبة كارتونية جميلة وتطلُب منه أن يضع لك مئة غرام فقط، فينظُر إليك نظرة غريبة وكأنّك ديناصور يتحدّث لغة غير مفهومة ويخبرُك بوضاعة واستصغار أنّهم لا يزنون ذلك القدر…فتطلُب منه أن يزن لك كيلو غراماً، وحين يُقدِمه لك تبتسم له وتقول: وأنا ليس معي إلا ثمن المائة غرام وحتى إن كان معي ثمن المليون غرام فالآن لم يعد يُشرِّفني أبداً أن يزِن لي إنسانٌ مثلك يزِنُ البشر بالمال، وتنصرفُ وتتركُه حاملا كيلوغراما من الدّهشة بين يديه..

وفي الختم .. بعض الأرواح لن تلتقيها مرّتين وبعض من الزّمن لا يُعاد مرّتين