وجهة نظر

المغرب والجزائر.. وحتمية التطبيع!

المغرب والجزائر

مهما كانت درجة إحساسنا باليأس والإحباط من الحديث عن العلاقة “العجائبية” بين القطرين المغاربيين الكبيرين المغرب و الجزائر، إلا أننا نصر إصرارا على المضي قدما في دق “جدران الخزان”، وتعليق الجرس في عنق “القط” إيمانا منا بخطورة الوضع الجيواستراتيجي بالغ الحساسية لدول شمال إفريقيا، و يقينا منا أيضا من إمكانية تحويل هذه المنطقة إلى أكبر ورش اقتصادي ، بإمكانه أن يجعل من دولها بلدانا متقدمة ترفل في معالم التنمية والازدهار والتقدم ، و في هذا الساق لا يسعنا إلا أن نعيد نشر مقالة تعود إلى ثلاثة سنوات، رغبنا من خلالها دق ناقوس الخطر و التنبيه إلى خيارات السلم والتطبيع والأمن !

* يجمع عدد غير قليل من الخبراء والمعنيين بالشأن السياسي الدولي و العربي تحديدا، على أن الجزائر مصرة و إلى أبعد مدى، على استهداف المغرب و الدفاع الأسطوري على العقيدة العسكرية الجزائرية المتمثلة في أن المغرب عدو بالغ الخطورة على الوجود الكلي للدولة الجزائرية، و بالتالي فإن محاصرته و شيطنته على أكثر من صعيد هو الحل ” الأمثل ” لإعطاب آلته و شل حركتها نحو الانطلاق التنموي المنتظر! خاصة و أن أصحاب القرار الجزائريين يدركون أكثر من أي وقت مضى أن بلاد المليون شهيد تواجه أشكالا من مظاهر القصور السياسي و الاجتماعي، في ظل استمرار تراجع سعر النفط ، مما يحدو ببعض المسؤولين السياسيين إلى التهجم المنهجي على المغرب بمناسبة و بدونها، و لعل ما صرح به في السنوات الأخيرة وزراء جزائريون وازنون من عداء متأصل إزاء المغرب من شأنه أن يوجز الوضع النفسي و السياسي والاجتماعي العصيب لدوائر الحكم، و يعكس بجلاء جنونهم لأي نجاح مغربي مهما كبرت أو صغرت أهميته. إنها الجزائر التي عوض أن تبحث عن مخارج موضوعية و علمية لأزماتها المفصلية، وتجترح حلولا كفيلة بوضع حد للفساد و الاستبداد ، و تزرع الأمل في قلوب المواطنين الجزائريين الأشقاء، عوض ذلك ، تتخذ من كراهية المغرب هدفها التنموي و مرادها الاستراتيجي و تطلعها الأبدي!

* بيد أن هذا لا يعني بحال من الأحوال أن المملكة المغربية تعيش في بحبوحة من العيش، أو ترفل في نعيم من الديمقراطية والتنمية الشاملة، كلا فأمام المغرب مسلك طويل و شاق من أجل اللحاق بالدول الصاعدة، والحصول على مكانة محترمة تحت شمس التقدم و الحداثة، من خلال احترام مضامين الدستور والقوانين المنظمة للحياة العامة، و تقدير الإرادة الشعبية و الفصل الفعلي بين السلطات و محاسبة الفاسدين.. إلا أن خطوات بالغة الأهمية اجتازتها المملكة المغربية سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا ظلت غائبة عن الجمهورية الجزائرية، وأن أي مقارنة محايدة و جادة بين المنجز التنموي المغربي و الجزائري ستكون في صالح المغرب، وهذا باعتراف المنظمات الدولية و المؤسسات المالية و السياسية العالمية، و السياسيين الجزائريين الأحرار و الشرفاء الذين لا يقتصرون على تحصيل معلوماتهم عبر الإعلام الرسمي المنحاز، بل من خلال زياراتهم الدورية لمختلف المدن المغربية المحورية، رغم أن الجزائر تسبح في محيط من النفط والغاز المدرين لأموال خيالية، وتحظى بموقع استراتيجي بالغ القيمة! فما الذي يصيب النموذج السياسي الجزائري في مقتل؟ ما الذي يجعله يبدد مئات الملايير من الدولارات في ظرف زمني استثنائي، و يحرم مواطنيه من رؤية الضوء في آخر النفق؟ ما الذي يجعل المواطن الجزائري يشعر بمرارة التهميش و الضياع و الغربة داخل بلده؟

* ليس التشفي من سمات صاحب هذه السطور، و لا الابتهاج بمعاناة الآخرين و مصائبهم، بل إنه ينطلق من إيمان راسخ وعقيدة صادقة و يقين حازم، بأن تطبيع العلاقة بين البلدين الشقيقين، و فتح الحدود بينهما و تحييد المشاكل والنزاعات الوهمية المؤججة للصراعات، والمهددة بأوخم العواقب يمكن أن يؤدي لا محالة إلى قطب مغاربي غير مسبوق، و قوة فعالة نحو البناء و التشييد، و إقامة مستقبل واعد، مستقبل الدولة الوطنية الديمقراطية بحصر المعنى. إن كلا من المغرب و الجزائر في حاجة إلى مد جسور المودة والتآزر والعمل المشترك من أجل غد مشرق ، أما المناكفات المتجاوزة و الاتهامات المجانية و المسيئة فلا يمكن أن تزيد واقعنا العربي و المغاربي إلا فسادا فوق فساد. فهل تفعلها الجزائر و لو مرة واحدة في تاريخ استقلالها الحديث، و تكفر عن خطاياها و تضع حدا لمسلكياتها السياسية، و تقف في وجه التصريحات و المواقف غير المسؤولة، ذات الصلة بشؤون المغرب الداخلية، و المعادية لمصالحه الحيوية، وتساهم في طي صفحات حالكة السواد، و كتابة أخرى بوازع العقل والعروبة و الدين و القيم و المواثيق المعترف بها دوليا؟ أم أننا سنظل ” نحلم في زمن الوهم ” ؟ في كل الأحوال الكرة هنا و الآن في مرمى الجزائر، أما المغرب فقد قرر رغم كثير من الأخطاء و المعيقات أن يمضي قدما في سفر طويل الأمد ، في اتجاه أفق يراه أنسب!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *