منتدى العمق

في معنى الجامعة

“يسألونك عن الجامعة، قل هي عوالم ملغومة تدخلها وأنت محيط بكل الاحتمالات… قل هي حكاية لا تدرك حقيقتها إلا بالتجربة والمعاناة.”

الجامعة صورة نمطية مفبركة تشكلت لدى الطالب حينما كان تلميذا وحكا له عنها سابقوه الذين جربوا وقضوا فيها عمرا ليس بالقصير. ولأن التجارب مختلفة والمبتغى متباين، فإن صورة الجامعة في ذهن التلميذ/ الطالب مختلفة ومتعددة. ينظر إليها بنظرة الذين نقلوا صورتها إليه كما التقطوها هم. الجامعة كما ترسخت في ذهنه طريقان: طريق إلى الهاوية والانحراف وطريق إلى النجاح والنجاة.

الصورة الأولى:

الجامعة فضاء شاسع ورحب لا ساحل له ! لذلك فهي متنفس للتلميذ الذي كان محاصرا ومقيدا بسلطة الأسرة من جهة وسلطة الإدارة والأستاذ من أخرى، في الجامعة الحرية طليقة عنانها، تخول للطالب تسيير نفسه بنفسه يفعل ما يريد ويختار ما يريد؛ الحرية في الرأي والحرية في التدبير والحرية في التحصيل والتسيير، لا رقيب ولا حسيب غير الضمير.

الصورة الثانية:

الجامعة شرف وتألق، والارتماء بين أسوارها دفئ وحنان. هي محطة أخيرة وحاسمة في رحلة العبور إلى الآمال والأحلام. الجامعة جنة شرف للكل أن يتذوق طعم التجربة فيها، الجامعة أجمل لحظات العمر لأنها تشحذ الطالب، تنمي فكره وتحرر عقله، تصقله وتكون شخصيته.

 

 

 

بين قوسين:

الجامعة مصنع ضخم لإنتاج الأطر والأدمغة، وفي الآن ذاته مصنع لإنتاج المجانين والحمقى والمجرمين ! فاختر أي الطريقين شئت.

شهد شاهد من أهلها وقال:

“لطالما حلمنا أن يجود علينا الخالق فنصبح طلبة في الجامعة، نجمع رؤوسنا ونستشرف عهدا جديدا… وما أصعب أن تأخذ صورة ايجابية عن شيء وتصطدم بشيء آخر. فقبل مجيئنا إلى الجامعة كنا نظنها جنة، وأننا بقدومنا إليها سنحقق أشياء كثيرة، ويا لها من أشياء… كنا نفيض عزما وحماسا، لكن حينما خالطنا واقعها وجدناه عالما متناقضا وغامضا غير مفهوم، وجدنا أنفسنا تائهين نتخبط في الظلام ولا ندري إلى أين، نوهم أنفسنا أننا في الطريق إلى غاية محددة ولسنا كذلك. تبدل جهدا كبيرا حيث ركام الكتب وسخط الأوراق فيذهب الجهد هباء منثورا. ما أصعبه طريق العلم، «إذا أنهيت دراستك ودامت لك صحتك وعقلك فلا تخبر بذلك أحدا» هكذا شعارنا في رحاب الجامعة.

حين وطئت قدمنا هذا الفضاء أول مرة كنا نسمع في الحلقيات والنقاشات أشياء غريبة تقع، لا تكافؤ ولا مصداقية غير الظلم والاعتداء فما كنا نصدق هذه الأشياء. لأنه ليس من جرب كمن سمع. ثم ها قد تأكدنا ووجدنا ذلك صحيحا.

في الجامعة يستهزأ بالطالب ولا تراعى ظروفه، يقمع ويعنف وتحط قيمته. في الجامعة لا اعتراف بجهد أو اجتهاد، الزبونية والمحسوبية في كل شيء، و النقط تباع برقم هاتف أو فنجان قهوة بفندق فاخر، تستيقظ باكرا وتقصد الجامعة بمعدة فارغة ورأس ممتلئ كي تحجز مكانك في أول الصفوف وتصغي إلى الأستاذ لتصطاد لك سطورا دسمة، تلتهم الكتب والدروس وتعول على قدراتك، فلا تجد اسمك مدرجا في لائحة النتائج، وقد تأتي فتاة فتنافسك بمساحيقها وتصفية شعرها وطول كعبها وفواح عطرها لتجد نفسك في النهاية ضمن لائحة المستدركين… !

لم تعد للجامعة قيمتها كما كانت من ذي قبل، تحولت من حرم للعلم والمعرفة وفضاء للنقاش والحوار وتكوين الطالب إلى فضاء يلتجأ إليه للتسكع والمواعد الغرامية واللقاءات المشبوهة. مجاملات ونفاق ومصالح واستغلال…

تسألني أنا فأجيب:

الجامعة حلمي الجميل، الجامعة أنثاي الفاتنة التي أغرمت بها وبدلت قصارى جهدي لأظفر بمقعد شاغر بها. في الجامعة كانت بدايتي، والنهاية لم تأت بعد، فيها تذوقت معنى الحياة، فيها تفتح فكري على العلم والمعرفة وقلبي على الحب. في الجامعة ومحيطها عانيت القهر وتذوقت الألم ومعها مرت أجمل اللحظات… فيها تعلمت أشياء كثيرة في الحياة بألوان مختلفة. في الجامعة مارست الحب والحرية والتأمل والانفتاح، فيها تفرغت للعلم وللكتابة والإبداع لأن ظمئي قبلها اشتد وما ارتويت إلا بعد مجيئي إليها.