أخبار الساعة، وجهة نظر

هل يطبع المغرب؟

الدبلوماسية المغربية “واعرة بزاف”، كان هذا جوابا لسؤالي حول دبلوماسيتنا من طرف دبلوماسي كويتي صديق، و الحقيقة أن التقاليد و الأعراف الديبلوماسية المغربية ظلت راسخة رغم قساوة الزمن على الدولة المغربية، و حتى في أوج ضعفها ظلت وفيّة لعمقها و أعرفها.

إن الذين يرمون الحجارة اليوم الكبيرة منها و صغرة، يريدون انتزاع موقف هنا أو هناك حول التطبيع و إسرائيل و فلسطين و المطبعين الجدد، ربما تغيب عنهم تفاصيل كثيرة جدا حول دبلوماسية المملكة المغربية و أعرافها، هؤلاء يغيب عنهم ان أول من آوى عبد الرحمان الداخل هم المغاربة الأولون، و نسوا ان ايفاد اسطول بحري لتقوية صلاح الدين الأيوبي في المشرق مغاربة، و من أنقذ الأندلس هم المغاربة لتعيش بعدهم حوالي 300 سنة أخرى، من زرع بذور الاسلام في ادغال افريقيا بدون قطرة دم، بل حتى في الامس القريب من احتضن اليهود و حماهم يوم طغى عليهم هتلر رغم نير الاستعمار، و من ساند العرب في حرب الجولان، و من حارب الأبارتايد و نظام الفصل العنصري و دعم حركات التحرر الافريقي، من يساند اليوم و امس المواطن الإفريقي و يتقاسم معهم محنة كورونا، كل طقوس و تقاليد و اعراف ثابتة مع الزمن.

ربما تبدو ان الدولة المغربية متغيرة بملوكها، لكنها ثابتة في ديبلوماسيتها على مر كل عصورها، فهي قائمة على الإنتصار للحق و للأُخُوَة و للدين و واضحة في تعاملها، لا تقبل الضغط و لا المساومة، و لا يمكن لها أن تقايض مبادئها، لا وفق تعامل الآخر، و لا وفق مكتسبات ظرفية و فانية.

إن الذين يريدون من الدولة المغربية النظر ببراغماتية للواقع المزري الذي تمر منه الأمة، و يضغطون من أجل البحث عن مكاسب وطنية ظرفية، و بالتالي، القفز من قارب العروبة و الإسلام الذي تهالك، أو أوشك على الغرق، هم في الحقيقة لا ينظرون الى عمق و تاريخ الدولة المغربية، و لا يرون أبعد من انفهم و المصالح السطحية، بل و حتى في النظرة المصلحية هم خاطئون تماما. إن في العرف الديبلوماسي الذي يذعن يوما يبقى ابد الدهر مذعنا و صاغرا، و من يساوم بشرفه و مبادئه، سيظل دائما صغيرا في نظر الامم الأخرى، و بالتالي يكفي الثمن المناسب لتبيع أشياء أخرى و قضايا أخرى أكبر و أكثر مصيرية و اهمية.

يجب أن ننتبه أننا أمام مد جارف و قوي لتركيع الدول، ولي ذراعها و تقزيم نفوذها و هيبتها، الأمور أبعد من التطبيع و أبعد بكثير من السلام المصطنع، الأمر هو خلق موجة قوية تلين لها رقاب الدول العربية و الاسلامية، حتى لا تطالب بحقوقها المشروعة في العلم و المعرفة و الصناعة و القوة و الموقف، و الوجود الفعلي و العملي العالمي و غيرها، و الخطة واضحة جدا، هي الموجة التي تروم القبول بالصفقة مادام الآخر قبل بها و بالتالي تهوين المصيبة و تمريرها بصيغة ( اذا عمت هانت).

و لا أعتقد بأن المملكة المغربية، بحجمها و قوتها و تاريخها العتيق ،ستقبل بمساومة مبادئها و أسسها، مهما كان الثمن، و مهما اختلفت الحيل، لسبب بسيط ان المملكة المغربية دولة ذات ثقل إقليمي و بعد ديني، و وجود تاريخي، يستحيل معها ان تقبل لعبة قذرة، تسجل في تاريخها الناصع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *