منتدى العمق

أزمة مجتمع

تعتبر الأخلاق من بين أهم الركائز التي بواسطتها يستطيع أي مجتمع أن يبقى على قيد الحياة و أن يتطور, لأنه عند الحديث عن العلم أو الفن أو أي مجال يمكن أن يعتبر من أساسيات قيام المجتمعات و في حالة لم ترافقه و تؤطره مجموعة من الأخلاقيات فلا يمكن بأي شكل من الأشكال ضمان أي تقدم او استقرار لهذا الأخير, فلطالما حاول المفكرون أو الفلاسفة التنبيه مرارا و تكرارا لأهمية الأخلاق و دورها الرئيس و الكبير في استمرار الشعوب , و لعل من بين أبرز الأمثلة هو أفلاطون عندما حاول تأسيس مجتمع صافي الأخلاق ايمانا منه على أنه لا سبيل للتقدم دون أسس متينة نربط الانسان بالإنسان و الانسان بنفسه.

بين الفينة و الأخرى تظهر مجموعة من ما أسميها بالثآليل, هذه الثآليل هي عبارة عن أشخاص يختل الميزان القيمي و الأخلاقي لديهم بشكل كبير و خطير مما يجعلهم يقومون بأعمال أحيانا حتى الحيوانات و الوحوش تستحيي من فعلها, و لعل حادثة اغتصاب الطفل عدنان بمدينة طنجة شمالي المغرب, الحادثة التي أثارت صخبا و نقاشا حادا داخل المجتمع لمثال صغير عن أهمية الأخلاق في استقرار المجتمع, فحادثة واحدة أثرت بشكل كبير على نفسية العديد من الناس الذين لا تجمعهم بالضرورة قرابة مع الضحية أو المجرم أو حتى الرقعة الجغرافية التي يعيشان فيهما. علما أن هذه الحادثة تعتبر من الحوادث القليلة التي تتلقى حقها الإعلامي، اما ان اخدت الحوادث الأخرى زخما إعلاميا مثل حادثة عدنان لكدت أجزم على أننا سنعيش في حالة احباط وصدمة، لأننا حينها سنرى الوجه الحقيقي لمجتمعنا وأخلاقنا.

للأسف أصبح الأنسان سجينا لغرائزه وأصبح يضع مصالحه هي الأولى بغض النظر عما إذا كانت تلك المصالح تصب في صالح المجتمع أو في صالح الفرد بحد ذاته مطبقا بذلك لمقولة أنا ومن بعدي الطوفان بشكل حرفي. فقد أصبح الخطاب السائد الآن هو خطاب الأنانية والكراهية والعنف لدرجة أن المجتمع أصبح يشهد انحدارا وتدهورا جد خطيرين يمكن أن يؤديا فيما يلي من الأيام الى نتائج جد كارثية. خاصة مع تأثر كل طبقات المجتمع وأصنافه بهذه المعضلة، فبعدما كنا نربط الأمر بالجهل أو الفقر أصبحنا نرى العديد من المثقفين والسياسيين الذين من المفترض أي يكونوا عبرة وقدوة للمجتمع يعانون من اختلال قيمي وأخلافي كبير أصبحوا معه متجردين من كل الأخلاق التي من المفترض أن يحافظوا عليها أو على الأقل على الحد الأدنى منها.

فمن أجل تكوين أسس أخلاقية لمجتمع معين نحتاج مساهمة العديد من المتدخلين، وتعتبر الأسرة والمدرسة أهمهم نظرا لكونهم أول المؤسسات المجتمعية التي يتلقى الشخص فيها أسس الحياة. الا أنه وللأسف وبعد عدة تراكمات طوال التاريخ تجردت هذه المؤسسات من مسؤوليتها ومن دورها في تكوين مجتمع سليم فكربا وأخلاقيا. فالأسرة التي كانت لها مكانة جد محترمة افرغت من أدوارها ففقد الأبوان جزء كبيرا من أدوارهم في تربية الطفل على القيم الحميدة أمام التركيز على التنشئة المادية فقط للطفل. فأصبح هم الأب الوحيد هو العمل وكسب المال، وهم الأم الوحيد هو الطبخ والتنظيف في أحسن الأحوال تاركين عبأ التأهيل التربوي للطفل للمدرسة، هاته المؤسسة التي بدورها فقدت بريقها، فأصبح هم بعض الأساتذة الوحيد هو الحضور لساعات الدراسة الإجبارية وانتظار أجرة نهاية الشهر متناسين أهمية دورهم الحاسم في تكوين شخصية الطفل ليتركوا الفرصة للشارع وللذئاب البشرية أن تؤدي دورها في تكوين ذلك الطفل. الا أنه ورغم كل هذا لا يمكن أن نحمل أي جهة وحدها المسؤولية المباشرة، فكما سبق أن ذكرت فهذه الحال التي وصلنا لها هي نتيجة تراكمات عدة وتغييرات جمة على مستوى النظام العالمي الذي يرتكز أساسا على الربح المادي معتبرا الأخلاق مجرد عقبة تحول دون التطور.

من وجهة نظري أرى أن أول خطوات الإصلاح القيمي للمجتمع هو العودة للدين الإسلامي الحنيف نظرا لكونه دينا أتى ليتمم مكارم الأخلاق، دينا بني أساسا على الأخلاق وجعل نفسه قرينا بها فهو الدين الذي لا يمكن أن تلاحظ أي نقطة ضعف في تعاليمه قد تؤدي الى تكريس فعل لا أخلاقي. بعد ذلك يجب اعادة الاعتبار والثقة لمؤسستي الأسرة والمدرسة نظرا لأهميتهما ونظرا لتعلق الطفل بهما. ثم بعد ذلك يجب تحسيس كل مكونات المجتمع من اعلام ومؤسسات فنية وثقافية ودينية بأهمية مشاركتها في اصلاح المجتمع، ونأخذ على عاتقنا جميعا كل من مكانه وموقعه مسؤولية اصلاح المجتمع، فالمجتمع لا يمكن أي يصلحه الا المجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *