وجهة نظر

المعلومة حق من حقوق المواطن

أحمد بلمختار منيرة

في نسج وبناء المشاريع التنموية والاقتصادية والاجتماعية. ويستحيل قيامه بهذا الدور الجوهري، في غياب توفره على المعلومة الدقيقة، باعتبارها حقا من حقوقه.
في كتابه المتميز ” ما هي الصحافة؟ “، يرى الإعلامي “دوان برادلي” (D.BRADELEY) أن للجمهور الحق في معرفة كل الحقيقة التي تتعلق بما يهمه من قضايا وأحداث ومواضيع الساعة. وهو يرغب في الحصول على معلومات شاملة، ودون تجزيئ، ودقيقة، حول وضعيته الاجتماعية والاقتصادية.

وتسمى حرية الحصول على المعلومة التي تتمتع بها الصحف في الدول الديمقراطية بالحرية الأولى.

من جانب آخر، تقوم الصحف من خلال أعمدتها بالدفاع عن الآراء والمواقف التي تتلاءم مع خطها التحريري. ويتحقق إبراز الحقيقة للمواطن، من خلال قيامها بنشر الأفكار والمواقف المتعددة والمتباينة.

إن حرية الصحافة – يقول برادلي – لا تعني فقط حرية إصدار الصحف. ولكن تعني في حقيقة الأمر أن للصحف حرية الحصول على المعلومات والحق في نشرها كاملة. ولكي تكون المعلومات التي تقدمها الصحف للمواطن مطابقة للحقيقة، لا بد من احترامها لثلاثة ضوابط: الدقة، والنشر الكامل للتقارير، وحرية تقديم الرأي والرأي المخالف. فطالما أن الصحافة منفتحة على الاختلاف والتعارض، فإن حريات المواطنين ستكون لا شك أكثر قوة.

وفي هذا الاتجاه، وقبل ” برادلي” ذهب الخبير القانوني والقاضي ” وليم دوكلاس” إلى أن من أهم متطلبات الديمقراطية، أن يكون المواطن على بينة مما يحدث. وأن الصحافة الحرة من الآليات المهمة التي تجعل المواطنين مطلعين على ما يجري في وطنهم، إذ أن الجرائد والمجلات الحرة التي تنشر عادة جميع الحقائق ولو تعصب قسم منها إلى جهة معينة أو خدمة فئة ما، فهي تسهم في تثقيف الرأي العام وتنويره.

وإذا كان الإعلامي ” برادلي” قد استطاع بفضل خبرتيه الميدانية والنظرية تقريب القارئ والباحث من المقصود بالحق في الإعلام بعيدا عن التجريد، فإن ” جوزيف فوليه ” (J.FOLLIER) في كتابه:

” L’information moderne et le droit à l’information”، يعتبر أن الحق في المعلومة حق من ” حقوق الإنسان والمواطن” ويؤكد على أمرين:

وجود ارتباط بين الحق في المعلومة وحرية الإعلام.

وتحمل السلطة، مسؤولية الدفاع وحماية الحرية الحقيقية واللازمة للمعلومة باعتبارها حاجة ماسة لتحقيق التقدم والتطوير بالنسبة للمجتمع الحديث.

مما تقدم، يتضح جليا أن المعلومة الدقيقة حق من حقوق المواطن، ليتخذ قرارات سليمة، ويتعامل بشكل جيد مع المحيطين الوطني والدولي. ومن تم فهو يحتاج إلى إعلام صادق ومهني وموضوعي. ولن تتجسد هذه الضوابط للإعلام الحقيقي، إلا من خلال إعلاميين لهم الخبرة الإعلامية والتكوين العلمي والميداني، ويشعرون بمسؤوليتهم الاجتماعية. وهم موجودون في وطننا الحبيب، يعانون مشقة البحث عن المعلومة الصحيحة. وهم في حاجة إلى الحرية الكافية لممارسة مهنة المتاعب التي اختاروها طواعية وحبا في هذا الوطن، ولو أن الثمن يكون مكلفا في بعض الأحيان.

إن المعلومة الدقيقة والإعلام الحر، ليسا اليوم، فقط حاجة ماسة لبناء الديمقراطية الحقة في بلد مثل المغرب، ولكن هي أكثر من ذلك، ضرورة لرفع مجموعة من التحديات والرهانات التي نحن مطالبين برفعها ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

تزويد المواطنين في كل أرجاء البلد بالمعلومات الدقيقة لإشراكهم الفعلي والفعال في بلورة نموذج تنموي واقعي، حتى لا يبقى التدبير التشاركي مجرد حبر على ورق وكلام رنان في قنوات التلفزيون. وفي الآن ذاته، الإصغاء لهم لتلقي المعلومات الصحيحة عن الجهات والأقاليم والصحاري وهوامش المدن التي يقطنون بها، فقد عرت المرحلة التي نعيشها منذ بداية شهر مارس الفارط – بداية انتشار وباء كورونا- عن معلومات وحقائق ومؤشرات اجتماعية مؤلمة، تتطلب تحليلها بشكل علمي إذا نحن نريد الحد من الهشاشة، والفقر، والأمية، والفوارق الاجتماعية بين الجهات والأقاليم ،وبين الأحياء داخل المدينة الواحدة. وقد دعا ملك البلاد في عدة مناسبات إلى ضرورة تظافر الجهود، حتى لا يسير المغرب بسرعتين.

أن نفتح الباب على مصراعيه في الصحف والتلفزيون والإذاعة للمفكرين والخبراء في ميادين علوم النفس والتربية والاجتماع، لتزويد الأسر بالمعلومات العلمية التي تمكنهم من توعية وتربية ومواكبة أبنائهم وبناتهم، تفاديا لتكرار ما جرى في طنجة للطفل عدنان الضحية. والحقيقة أن ما جرى، ويجري، ” لعدنانات” آخرين ذكورا وإناثا، هو بسبب ثقافة الصمت.

أن نفتح النقاش العلمي في المدارس لتوعية التلاميذ والتلميذات، بأن يجهروا في وجه كل من يريد الاعتداء عليهم.

وأخيرا، ليس من باب اللغو التأكيد على الدور الأساسي للإعلام بكل أنواعه، في تزويد المواطن بالمعلومات الصحيحة والتي لن تتوفر إلى في جو سياسي واجتماعي صحيح.

* إعلامي وباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *