وجهة نظر

النخب العربية والوعي المقاوم

إن الخطوة التطيبيعية التي تمت يوم 13-8-2020 بصدور البيان الثلاثي المشترك الصهيوني/الأمريكي/الإماراتي ، بإعلان التطبيع الكامل بين الإمارات المتحدة ودولة الإحتلال ، لن تكون الأولى ولا الأخيرة، ومن المنتظر أن تعقبها خطوات تطبيعية مقبلة، مع كيانات تابعة بطريقة أو باخرى للعراب “العربي”صاحب المبادرة أو تدور في فلكه. ومن المؤكد جدا ، أن ترتيبات ذلك ، جارية ، ويبقى الإعلان عنها مسألة وقت ، ليس إلا.

وهذه الخطوة، على أهميتها – لأنها أول مبادرة بهذا الحجم على الأقل منذ اتفاق أوسلو – فهي لم تفاجئ كثيرا ممن يتتبعون عن كثب الشأن الفلسطيني في علاقته بالوضع العربي ، وهي ليست إلا بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة، وإلا ، فإن العلاقات مع الكيان الصهيوني متواصلة ومستمرة ثنائيا وأكثر من هذا ، وممتدة إلى زمن غير يسير، وعلى اكثر من صعيد ، وليست الواجهة السياسية إلا واحدة من صورها، لكن أخطر ما في هذه الخطوة التاريخية ، وهو لب هذا المقال هو أبعادها ومخرجاتها اللاحقة والتي نبرزها تباعا على النحو التالي :

أولا : إن الخطوة إياها ،” أشرك” فيها طرف عربي، له حضوره وحجمه على المستوى المالي والإقتصادي والإعلامي في المنطقة العربية ، وهو الطرف الذي يوظف بالوكالة ، لتثبيت الترتيبات المقررة للمنطقة ، على المستوى العسكري والجيوستراتيجي ، هنا أو هناك ، في هذه النقطة أو تلك، ولعل النظر في معطيات الراهن العربي شرق المنطقة أو في غربها ،يؤكد ذلك بالدليل الملموس.

وثانيا : فإن هذه الخطوة، تأتي داخليا ، في سياق عربي،مضطرب ومرتبك، على المستويين الرسمي والشعبي، عنوانه العريض، مناهضة ثورات الربيع العربي، في صورتيها الشعبية والرسمية.

وأما على الصعيد الخارجي، فالخطوة جاءت في وضع مختل التوازن لصالح دولة الإحتلال في مسار الصراع معه، وهي من جانب آخر ، تتوج حصاد تدبيرات مناهضة واحتواء ثورات الربيع العربي.

وثالثا : وهذا هو الأهم والأخطر ، فإن هذه الخطوة، لها مخرجات لاحقة غير معلنة ، ولعل الأخطر في الأجندة، هي تلكم المتمثلة، في توظيف المخزون المالي الضخم، والترسانة الإعلامية الهائلة، التي يملكها العراب، لخلق حالة عامة من التطبيع النفسي والشعبي على امتداد الخريطة العربية،- وإن كان هذا الأمر ماضيا منذ مدة- لكن الآن سيمضي مخطط التطبيع بزخم رسميا وبشكل معلن وبمباركة “دولية” بتهيئ الأجواء والبئية الحاضنة له على الساحة العربية، عبر البوابة الفكرية والثقافية والإعلامية من خلال توظيف أسماء ورموز ومؤسسات مؤمنة بمشروع التطبيع أو مستفيدة منه، أو بإحداث اختراقات واستقطابات لنخب أخرى ، أي ما معناه ، شراء ذمم وعقول لنخب جديدة ، أو بتنظيم ملتقيات ومهرجانات ومؤتمرات و..وهكذا والغاية في كل الحالات ، هي التسويق لمشاريع التسوية ،ضدا على الحقوق التاريخية الثابتة للشعب الفلسطيني، والدعاية لمزايا التطبيع مع الكيان الغاصب في صورها الاقتصادية والامنية والفكرية ..إلخ . من خلال مؤسسات وصناع الرأي على الساحة العربية من الإنتلجنسيا أو ما يعرف بقادة ورجالات الفكر والثقافة والفن والإعلام والنخب المهنية المؤثرة والحيوية ( محامون ، اطباء، مهندسون ، جامعيون ….) ليتم من خلال هؤلاء عمليات ترصية وتقعيد للتطبيع ، إجتماعيا وشعبيا ، وعلى صعيد المؤسسات المدنية ، وكل ذلك ، اقتناعا من دوائر القرار ، بأن التطبيع الرسمي لا يتحقق له النجاح ، ولا تؤتى ” ثماره” وآثاره المرجوة المنظورة، من الناحية الاقتصادية والثقافية والأمنية….إلا بحاضنة إجتماعية وبعمق وامتداد شعبي .

ولعله من نافلة الحديث، القول بأن مشروع التطبيع في عالمنا العربي ،بأبعاده المختلفة ،السياسية والإقتصادية والأمنية والثقافية والاعلامية والنفسية …هو مشروع جديد-قديم يمتد عقودا من الزمن ،في القرن الماضي ، وقد ابتدأ مع نشوء دولة الاحتلال منذ أزيد من سبعين سنة، وصولا إلى محطته الأخيرة بإعلان البيان الثلاثي ليوم أول أمس وأكيد ، أنها لن تكون الأخيرة.

لكن ، ومن غير كبير إفراط في التفاؤل ، لأن المؤامرة أكبر، والثغرة في الداخل أوسع ، فلئن كانت مصر خاضت ثلاثة حروب ، مع دولة الإحتلال وانتهت سنة 1979، بتوقيع إتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، فإن مشروع التطبيع بدأ مترنحا وتهشم من حيث ابتدأ ، في النقطة التي أريد لها أن تكون مركز تمدد ، وقبلة إشعاع لباقي المنطقة، وكفى دليلا هنا، أن الرئيس المصري أنور السادات، دفع رأسه ثمنا للإتفاقية سيئة الذكر بالتطبيع مع دولة الإحتلال. ليظل هذا المشروع ، مجسدا فقط على المستوى الرسمي السياسي والاقتصادي والأمني، في رفض شبه تام له 100/100 على المستوى الشعبي.

والحقيقة الثابتة، أن النخبة المصرية من قادة الرأي والفكر والساسة الأحرار ورجال الثقافة والإعلام وممثلي النخب والقطاعات المهنية الوازنة ، كانت لهم اليد الطولى ، في مناهضة كل المخططات التطبيعية على المستوى الشعبي .

والآن ، بعد صدور البيان الثلاثي، والذي سيكون له مابعده من أجندة ولواحق ومخرجات كما سلف البيان، وهي الأخطر، فإن النخب العربية من المحيط إلى الخليج وكل الأحرار والغيارى على تنوع ألوانهم الفكرية والإيديولوجية ، وعلى اختلاف انتماءاتهم السياسية، مدعوون أكثر من أي وقت مضى، إلى حالة استنفار عامة ، لمواجهة مخططات التطبيع والتي ستجري على قدم وساق ، وأكيد ستغدق فيها الأموال ، وستوظف فيها كل الأذرع والواجهات الإعلامية، لعراب المبادرة، شراء للذمم والنفوس، واستقطابا للكوادر والعقول، واحتضانا للرموز والمؤسسات والهيئات ..تعريفا ودعاية وتسويقا ،للمشروع بشتى العناوين والشعارات واللافتات …وهكذا ..

وأخيرا، وليس آخرا ، إن المخطط الصهيوني في عمقه وحقيقته مشروع استئصالي عنصري ، ويستهدف القيم والإنتماء والهوية، بما هي كينونة ووجود حسي ومعنوي في نفس الآن، وإذا كانت مصر ” الشعبية” مصر الحضارة والتاريخ ،قد تمنعت على هذا المشروع ، فإن واجب اللحظة والذي لا يقبل التأجيل ، الآن وسيول الإختراق تجري بين جنبينا هنا وهناك ، واجب اللحظة التاريخية، ينادي ويستدعي كل الأحرار وأبناء وبنات النخب العربية من صناع الرأي العام وقادة الفكر والثقافة والإعلام .و….و.. ورجالات القطاعات المهنية الأشاوس والغيارى الأحرار ، بلامنتميهم ، والوطنيين والقوميين والإشتراكيين والإسلاميين والليبيراليين كل المؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية ، وفي القلب منها امتنا المستهدفة ككيان وهوية وانتماء ، الواجب ينادي ، للوقوف وقفة رجل واحد ، في صف واحد ، وبشعار واحد موحد ، ( بإرساء وعي مقاوم مناهض ودائم، جميعا من أجل مناهضة التطبيع ) !!!!!

والله غالب على أمره.

* محامي بهئية طنجة وفاعل جمعوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *