وجهة نظر

حلقات مفقودة بين السلطة والمواطن في تدبير جائحة “كورونا”

وزارة الصحة

(احتجاجات جهة درعة تافيلالت نموذجا)

على خلاف ما كان مشهودا ومعهودا من التضامن السجي والتعاون المنساب بين السلطة والمواطن خلال مرحلة الحجر الصحي لتدبير جائحة “كورونا”،مما كان له بالغ الأثر الإيجابي في تقوية الصف الداخلي وتغيير المعهود من الصور السلبية لعلاقة السلطة بالمواطن،مما ساهم في تحقيق نتائج مبهرة في مختلف جبهات مواجهة الجائحة إن صحية كانت أو اجتماعية،ولا أحد ينسى التزام الجميع – رغم صعوبة المواقف والمواقع – بالإجراءات الاحترازية التي قررتها السلطة لمواجهة الوباء،ومحاربة الأخبار الزائفة المهولة للأحداث والوقائع والقرارات والمواقف،ولا أحد ينسى مشاركة الجميع – بشكل أو بآخر- في حملات التوعية والتحسيس بحقيقة الجائحة وخطورتها وسبل مواجهتها والوقاية منها،ولا الحملات التضامنية للتخفيف من آثارها الاجتماعية،وغير ذلك مما ساهم بشكل فعال في اجتياز المرحلة بأقل الضحايا والخسائر،نحن الآن – حقيقة – نحن على الأقل إلى عهدها؟؟.

لكن اليوم،وبعد رفع الحجر الصحي وتخفيف حالة الطوارىء،يبدو أن الوضع قد تصدع بما يشبه الانفلات في بعض المدن والقرى أو يكاد (الجنوب الشرقي نموذجا)،وأصبحنا سلطة ومواطنين نعيش ونتألم لأجواء من التوتر والحيرة وتفشي الوباء بشكل مقلق وغير مسبوق،وكأنه جاء دورنا في ما شهدته وتشهده المناطق الأخرى ذات البؤر المعروفة،أو كأننا لم نستفد من تجربة الحجر الصحي شيئا ونحن الذين حققنا فيها أكبر مردودية صحية واجتماعية؟؟، فها هو الوباء يجتاح مدن وقرى المنطقة بشكل خطير ويستبيح عافيتها وعزلتها،وها هو التوتر والسخط والحيرة تتنامى بين أبناء المنطقة من ضعف الإمكان وضعف الرعاية وقلة المواكبة وبهدلة المستشفيات،وها هي قرارات سلطة الولاية – الاستثنائية – وباشويتها وقيادتها تخرج تجار وحرفيي درعة تافيلالت إلى شوارع مدنها وقراها في احتجاجات حاشدة وممتدة ومتصاعدة رغم ما يهددهم من مخاطر بسبب الظروف الصحية الصعبة للوباء،وما ينتظرهم من تردي أوضاعهم الاقتصادية بسبب ما فرض عليهم من غلق محلاتهم في أوقات مبكرة لا تراعي طقس المنطقة الحار ولا عادات أهلها في التبضع؟؟.

ترى،ما الذي يحدث بين بعض السلطات في بعض المناطق وبين بعض المواطنين؟، ما هي الحلقات المفقودة بينهما في تدبير الأزمة؟،هل فعلا تغولت بعض السلطات أم تهور بعض المواطنين، وتمادى الجميع في تصدع الجبهة الداخلية وتمتينها في هذه اللحظات العصيبة مقدم على غيره من الحسابات والأنانيات والمحاسبات؟،لماذا كل هذا الرفض والتمرد على قرارات السلطة خاصة من طرف بعض الفئات المتضررة أوالمتهورة؟،لما لا تسلك السلطة مع المواطن أسلوب التواصل الفعال والإقناع والإشراك بدل الأوامر والتهديد والاستعلاء؟،أم كل ما في الأمر أن “كوفيد 19″ اللعين قد أربكت شراسته وتوسعه مواقف وتصرفات الجميع؟،أم هناك أمور وبروتوكولات وطنية ودولية تتجاوز السلطة كما تتجاوز السلطة المواطن؟، وكيفما كانت الأحوال،ألا ينبغي أن نعود إلى هدوئنا وتعاوننا بدل التوتر والمغالبة والصراع والدوريات والمطاردة التي لا تخدم أحدا،بقدر ما تضر بسفينة وسمعة الوطن ما لم يستوعب ركابها قولا وفعلا فن القيادة وسبل التعاون من أجل النجاة؟؟.

1- فمخطىء من يخرج السلطة من السفينة،وهم قادتها بل في الواجهة الأمامية لقيادتها،ولهم كل التحية والتقدير على ما قدموه لنا من خدمات وتضحيات طوال الأزمة والأزمات،هم من أبائنا وأبنائنا وإخواننا وأقاربنا وأصدقائنا ومواطنينا عامة،قد نتفق معهم في أمور وقد نختلف معهم في أخرى، ولا ينبغي أن يفسد ذلك للمواطنة والتعاون قضية،ورحم الله من قال:” لهم إكراهاتهم ولنا اختياراتنا”،وإن كنا نتمنى أن يكون للجميع نفس الاختيار ما دام لهم نفس الإكراه؟؟.

2- ومخطئة كل سلطة تتعالى على المواطن وخدمته برهان مصداقيتها ومبرر وجودها،أو تحتقره أو تهمشه أو تتهمه في وطنيته وانتمائه وتحط من مواطنته،أو تغمطه في حقوقه وتستهين بشكواه وتصد في وجهه أبوابها،نحن اليوم نرفع شعار: سلطة القرب،والمقاربة التشاركية مع المجتمع المدني وغيره من الفاعلين،وتخليق المرفق العام والحياة العامة،وتكامل الشرعيات والتمثيليات في ذلك،كل هذا وعلى رأسهم السلطة والمواطن في سفينة الوطن لا تبلغ شط النجاة دون قيادة حكيمة وحماية وتعاون من طرف الجميع؟؟.

3- مخطىء من لازال يشرع للمواطنين،وربما بما يخالف القانون الوطني والدولي أحيانا،و دون إشراكهم عبر هيئاتهم وممثليهم وأصواتهم ومطالبهم المشروعة عبر هدير الشارع وصخب الوقفات وغضب الاحتجاجات،أليست وسائل الإعلام اليوم تطوف بالجميع عبر القرية العالمية الصغيرة وترفع منسوب الوعي الحقوقي والسياسي في كل شيء،و درعة تافيلالت ليست جهة استثنائية حتى يتعامل معها بمنطق الخوف الزائد أو شرعنة المنع الرحيم والقمع الرجيم؟؟،درعة تافيلالت منطقة جبر الضرر..لا مزيد من الإضرار،هي في هذا “الكوفيد 19” منطقة رقم 01 حسب تصنيف الحكومة،فلماذا يقرر لها المقررون من الحجر والتشديد بما ليس حتى في المناطق رقم 02 ؟؟.

4- مخطىء من يهرب المواجهة عن وجهتها أو يحرف النقاش عن موضوعه،فمعضلة “الكوفيد 19” تواجه صحيا واجتماعيا..سياسيا واقتصاديا..ولا يمكن تركيز المواجهة على الأوامر و القرارات الأمنية على حساب غيرها..ولا يمكن تحريف المواجهة إلى إخضاع المواطن بدل التغلب على الجائحة،الانتصار الحقيقي ليس على المواطن ولا على السلطة بل على “الكوفيد” الذي يستبيح ويجتاح الجميع،وتظل كسرة الخبز وسلامة الأبدان معضلة صعبة تتجاوز الجميع سلطات ومواطنين ما لم تتدخل الدولة،والدولة قد قالت كلمتها،ليس بالإمكان أفضل مما كان،يعني على المواطن “الحرفي” و”البدون” أن يتدبر أمر قوته ولو بين أنياب”الكوفيد”؟؟.

5- مخطىء من يشخصن الموضوع في شخصه ومؤسسته أو هيئته و جهته أو منبته وطبعه..،ويحارب الطواحن الهوائية وحده تحت شعار:”إلى الأمام..لا رجوع..”،والحاجة إلى فريق عمل و فريق متكامل علميا واجتماعيا..سياسيا واقتصاديا..،ينصت إلى نبض الشارع،ويمتلك الشجاعة في الاعتراف بما قد يرتكب من الأخطاء خلال تدبير الجائحة وبالتالي تداركها وإصلاحها،كمسألة غياب المستشفى الميداني الذي طالب به الفاعلون، أو على الأقل الزيادة في عدد التحاليل بما يواكب ارتفاع الحالات،والفعالية في علاج المصابين و تفقد وحصر المخالطين..؟؟.

وتظل “كورنا” – على ما أعتقد – عدوة الجميع لا صديقة أحد من المواطنين ولا من المسؤولين ،فلماذا يتنازع القوم بشأنها ويتحاربون بين من لا يتحملها ولو لحظة واحدة (…) ومن ربما يريد استدامتها أبد الآبدين (…) حتى يعلق عليها كل المعلقات،احتجاجات الحرفيين والتجار،وقبلها احتجاجات سائقي السيارات والحافلات،وقبلها أصحاب المقاهي والقاعات والمقاولات..؟،هل فلسفتنا الآن لا زالت هي القضاء التام على مجهول فتاك غير مرئي أم التعايش معه بأقل الأضرار الممكنة؟،إنقاذ الإنسان أم إنعاش الاقتصاد،استشفاء الفرد والأفراد أو استشفاء الجميع؟،هل خطتنا الإستراتيجية لا زالت كما هي في البداية مبادرة السلطة بإمكانها وأطقمها وأوامرها أم تداركنا ذلك إلى ضرورة مشاركة الجميع و وعيهم بكل وطنية ومسؤولية وعلى رأسهم المواطنين والمجالس والفاعلين؟،بين البروتوكول الصحي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي..،هل هناك توافق في الاتجاه الصحيح أم مغالبة في الاتجاه الخطأ ؟،

ألم تنجح أقوام في مواجهة “كورونا” فقط بثقافة الحياة المنظمة،عمل وأنشطة.. وفن ورياضة..وكل شيء منظم وفق بروتوكول الوعي والمواطنة والنظافة والتعقيم والتقارب الاجتماعي والتباعد الجسدي،فلماذا يريد البعض الآخر مراقصتها فقط بثقافة الاستفراد والمنع “الرحيم” والقمع “الرجيم”؟،لا عمل ولا أنشطة..ولا فتح محلات.. ولا..ولا..ولا حركة ولا سكون إلا بإذن الله؟؟،نعم،ألم يقولوا أن “الكوفيد” يواجه بقوة المناعة،فلا شيء يضعفها مثل الحجر والعزلة والخمول والكآبة..والانتظار،وذلك ما سيتعرض له المرء إذا أدخل داره أو غادر محل رزقه قبل الوقت،ذلك ما سيتعرض له المواطن وهو بين مطرقة “الكوفيد” وسندان كسرة “الخبز” وفرن قرارات “المقررين”؟؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *