وجهة نظر

الإدارة التربوية في قلب عاصفة “الاستثناء”

لأول مرة، ربما، عبر العقود الممتدة للمدرسة المغربية، يعرف المغرب التربوي هذا الدخول الاستثنائي، والفريد، والمتميز كذلك. فرغم ما سجلناه من دخولات سابقة اعتبرناها استثنائية، وبصمنا حولها كلاما، وملاحظاتٍ، واحتجاجات، واستنكرنا منها ما استنكرنا، كما انبهرنا لشرودها غير المعهود عن الدخولات العادية، لسبب أو لآخر؛ يبقى الدخول المدرسي لهذا الموسم الدراسي فريدا، واستثنائيا، ليس عن الدخولات العادية فقط، ولكن حتى عن الدخولات الاستثنائية.

فلم يحدث، على حد علمنا، واطلاعنا على تاريخ المغرب التربوي، أن يثار كل هذا الاهتمام بالصحة، والوقاية، بنفس القدر الذي يثار به الاهتمام بالفعل التربوي والتدريسي. حتى أضحت الوقاية من الجائحة، تقتعد نفس الدرجة التي يقتعدها الحق في التعليم إن لم أقل أكثر من ذلك. فأضحى تنزيل البروتوكول الصحي جنبا إلى جنب الممارسة التدريسية، إلزاما لا محيد عنه. وأضحى تحييد وقت من زمن التعلم لصالح تنزيل هذا البروتوكول، إذا تعارض الزمنان، أمرا مطلوبا؛ بل إلزاميا. وأصبح الحديث عن المرونة في تكييف التوقيت، والخصوصية في اختيار أنماط التعلم، شروطا لازمة لتحقيق سيرورة تدريسية تتلاءم مع ما تتطلبه الحماية من الجائحة في الوسط المدرسي. إذ لا خيار بين الرغبة في مواصلة العمل التدريسي التعلمي، والحماية من تداعيات الجائحة؛ من اعتماد استثناءات غير مسبوقة.

أجل، يبقى هذا “الاستثناء” استثنائيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى ودلالة. ولكن، في نفس الوقت، تبقى تداعياته على كل الأطراف المنخرطة في تدبيره، من القوة والشدة، وما يصحبهما من جهد، واستنفاذ للتفكير، وتداعي هواجس النجاح في اقتحام عقبة هذه المرحلة غير المسبوقة، دون خسائر أو تلكؤات؛ أهم ما يقلق بال كل مسؤول تربوي يواجه في الصفوف الأمامية معركة الوقاية من هذه الجائحة، وحماية عرينه التربوي منها، والنجاح في الوصول إلى بر السلامة والأمان.

ولعل على رأس المدبرين لهذه الظرفية التربوية الاستثنائية، رئيسات ورؤساء المؤسسات التعليمية، الذين حملتهم الوزارة الوصية المسؤولية الأكبر، والعمل الأوفر، في إنجاح هذا الدخول المدرسي في مؤسساتهم.

فالسيد المدير هو المسؤول الأول على تنزيل البروتوكول الصحي كما فصلت فيه المذكرة الوزارية 039/20. فهو المسؤول على البحث عن مصادر التمويل لاقتناء مستلزماته، عبر عقد شراكات، والانفتاح على مختلف الجمعيات، وعلى رأسها جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، وحثها على الانخراط المسؤول في تنزيل هذا البروتوكول، مع ” استثمار فرص وإمكانات الدعم التي يمكن أن تقدمها”. وهو المسؤول على تفعيل مختلف مجالس المؤسسة، خصوصا مجلس التدبير، ومحاولة الانطلاق منها لوضع تصور محلي لتدبير مختلف محطات هذا الدخول، خصوصا في تنزيل البروتوكول الصحي، واختيار نمط التعلم المناسب للمؤسسة، بتنسيق مع السلطات التربوية والصحية. وهو المسؤول على فتح قنوات التواصل المستمر مع السلطات العمومية والصحية والتربوية للإبلاغ عن كل جديد، أو الاستشارة حول كل قرار يهم تدبير هذه المحطة. وأكثر من ذلك، هو المسؤول على ديمومة التنزيل الأمثل للبروتوكول الصحي، وعدم التراخي في التطبيق الصارم لبنوده، بالسهر على ذلك بشكل يومي، بجانب اللجن المشكلة لهذا الغرض (لجنة اليقظة، لجنة الإنصات والاستماع،…) ومنسق العمليات الوقائية،…. كل هذا، إلى جانب المهام الإدارية العادية التي يقوم بها السيد المدير، والتي تعرف زخما معتبرا مستهل كل موسم دراسي جديد. وأغلب رؤساء المؤسسات التعليمية، خصوصا بالسلك الابتدائي، بدون مساعدين إداريين، مما يحول اضطلاعهم بهذا الكم الهائل من المهام الجديدة حملا حقيقيا، تنوء دونه الجبال الراسيات !.

لكن رغم العمل الجبار الذي يقوم به هذا الإداري داخل المنظومة، كأيقونة تنتهي إليها كل المشاريع الوزارية القاصد منها التنفيذ، ودوره المفصلي في تنزيل سلسلة أوراش الإصلاح التي عرفها المغرب التربوي منذ عقود، داخل المدرسة المغربية، بالإضافة إلى أدواره الطلائعية والمفصلية التي يضطلع بها في إنجاح الدخول المدرسي على رأس كل موسم دراسي، وما يتطلبه ذلك من مجهودات تدبيرية، وتنظيمية، ولوجستية، غير عادية، مع الاكتظاظ، والخصاص، وغياب المساعدين التقنيين، ووو…

واليوم مع التدبير الاستثنائي لدخول استثنائي غير مسبوق، والذي بدأت بوادر الإعلان عن نجاحه، رغم بعض التلكؤات القليلة المسجلة هنا وهناك، تلوح في الأفق، من خلال تصريحات لمسؤولين على القطاع ينوهون بالمجهودات الاستثنائية التي بُذِلت من أجل إنجاح هذا الدخول المدرسي، والتي يعود فيها الفضل الأكبر، حسب شهادة هؤلاء المسؤولين، لرؤساء المؤسسات التعليمية والطواقم التربوية العاملة معها…

فرغم كل هذا؛ لم تبادر الوزارة بشكل فعلي وفعال إلى الحل النهائي لملف الإدارة التربوية الذي عمَّر طويلا، ولازال يراوح مكانه، باستثناء التصريحات المتكررة للسيد الوزير المبشرة بقرب إنهاء هذا الملف، وتمكين السيدة المديرة والسيد المدير من إطار يرد له الاعتبار، ويحفظ له حقوقه، وتتحدد، من خلاله، حقوقه وواجباته كمدبر، وتُحَوَّط فيه مهماته ومسؤولياته، بحيث يعرف من أين تبدأ صلاحياته، كما مسؤولياته، وأين تنتهي، عبر تعديل منصف للمرسومين المؤطرين لإطار متصرف تربوي، بما ينصف أطر الإدارة التربوية بمختلف فئاتها، ويحقق لها التسوية الإدارية المنشودة. وهي التسوية التي رافقت صوت المدير عبر سنوات النضال والاحتجاج، وظلت طيلة ولاية السيد أمزازي كلام تصريحات صحفية ليس غير، ولم تجد لها طريقا إلى التنزيل الفعلي الحاسم؛ مما ظل يؤرق بال السيدة المديرة والسيد المدير، ويشعرهما باللاأمن على مستقبلهما المهني، بل ويفرمل فيهما الاندفاع الإيجابي نحو المزيد من العطاء والإبداع والانخراط في أوراش الإصلاح.

فهل سيتحول تبشير السيد الوزير للجسم الإداري بقرب الحل النهائي لملفهم الإداري إلى حقيقة تلمسها الأطر الإدارية، وتنهي انتظارهم الذي عمَّر لسنوات. خصوصا وأن الجسم الإداري، بكل فئاته، قد أبان، في هذه الظرفية الاستثنائية، عن انخراط غير مسبوق في معركة غير مسبوقة، نزعم أنه قد نجح في تخطي عقبتها الأكبر، وأوصل هذا الدخول المدرسي إلى بر الأمان، وخيَّب ظن كل الأصوات المثبطة، التي ظلت، طيلة المرحلة السابقة للدخول المدرسي، تنشر الخوف بين الأمهات والآباء، وتشكك في قدرة المدرسة المغربية على تخطي عقبة هذا الدخول؟.

ألا تستحق هذه الإدارية وهذا الإداري اللذين أبانا، مجددا، عن انخراطهما المواطن في خدمة هذه القضية الوطنية، التفاتة صادقة ممن يهمهم الأمر، تكون إعلانا مسؤولا عن نهاية هذا الملف الذي ظل يراوح مكانه منذ عهد الوزير الوفا، رغم الحلحلات التي عرفها عبر فترات، وظلت دون الأمل المنشود؟.

ألا يستحق هذا الجسم الإداري أن يحظى بـ”شكر خاص” على هذا الانخراط غير المسبوق، يكون عبارة عن قرار نهائي في شأن ملفه الإداري، يُزَفُّ إليه جنبا إلى جنب الإعلان الرسمي عن نجاح هذا الدخول المدرسي الاستثنائي الذي تستعد السلطات التربوية زَفَّهُ إلى أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، وسائر الشعبي المغربي ..

وللإداري فيه حظ وافر؟..

ألا يستحق هذا الجسم الإداري أن يحظى بحقوقه كاملة، ويطوى ملفه بالمرة، وقد أثبت مع هذه الظرفية الاستثنائية أنه رقم صعب لا يمكن القفز عليه أو تجاهله في

أي مشروع للإصلاح يستهدف المدرسة المغربية، ويبغي النهوض بها؟ !.

أسئلة نوجهها إلى من يهمهم الأمر من صناع القرار التربوي عسى أن تجد لها تجاوبا يرفع الحيف، ويحقق الأمل !

دمتم على وطن.. !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *