وجهة نظر

أوراق في نقد بعض سلوكيات الفعل الدعوي

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وبعد .

فهذه بعض الأوراق ، ارتأيت أن أقلبها للحديث عن بعض السلوكيات التي تطبع علاقاتنا داخل الفعل الدعوي الذي نتشارك جميعا هم حمل رسالته، فليس أحد منا بمنزه عنها، وان كانت معزولة لا تؤثر في مسار الحركات الدعوية ، فإنها تتسبب _ حسب مأ أراه _ في صعوبات داخل التنظيم . وقد ارتأيت أن أتجنب ذكر حركة بعينها لأترك النقاش ينصب على العمل الدعوي برمته وباختلاف حركاته، وباختلاف السلوكيات داخل حركة وأخرى، وباختلاف سلوكيات الأفراد داخل كل تنظيم دعوي من اقليم لآخر حسب درجة الوعي واختلاف الطباع ، واليكم أولى هذه الأوراق:

الورقة الأولى: مفهوم الأخوة من المفهوم العقيدي لدى التنظيم السياسي الضيق

الأخوة مصطلح يحمل مدلولا عقديا ، اذ يشير الى اجتماع الناس حول دين الاسلام الذي آخى بين جميع المسلمين المؤمنين مصداقا لقوله تعالى: «إنما المؤمنون اخوة” ، وقوله صلى الله عليه وسلم: ” المسلم أخو المسلم ” كما جعل من الأخوة ذلك الرباط المتين الذي يجعل المسلمين أمة واحدة ، قوية متماسكة بتعاون أفرادها فيما بينهم وتآزرهم حتى ليكادوا يكونون : (( كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى)), أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

1- الأخوة من المفهوم العقيدي العام الى التنظيم الضيق

مصطلح الأخوة ، كما أشرنا سابقا ، يعتبر صفة لجميع المسلمين ، بحيث يمكن لكل مسلم أن ينادي غيره ب ”أخي المسلم” بغض النظر عن الأفكار التي يتبناها أو اللغة التي يتحدث بها أو حتى الجنسية التي يحملها. وصدق في ذلك الحبيب صلى الله عليه وسلم اذ يقول:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى).

لكن ما نلاحظه أن هذا المصطلح الذي يشمل جميع المسلمين ، أصبح اليوم صفة خاصة بأبناء التنظيمات الاسلامية دون غيرهم. وان كان السبب في ذلك هو طبيعة اجتماعهم و المبادئ التي أسسوا عليها تنظيماتهم، اذ يستمدون ذلك من تعاليم الاسلام التي تحت على الأخوة والمحبة والتعاون ، فنجدهم يجلسون كأسرة واحدة داخل مجالس تربوية ، يذكرون الله ويتدارسون كتابه ، فتقوى رابطتهم الاخوية لتمتد الى تعاملاتهم اليومية ، حيث المواساة في المحن و الوقوف جنبا الى جنب في كل مناسبة تستدعي ذلك ، والزيارات الاخوية ، حتى لا تكاد تفرق بين ابناء العائلة الواحدة وابناء التنظيم. رغم هذه المعاني الايمانية التي ذكرنا ، الا أن الصراع السياسي و التجاذبات الفكرية بين التيارات العلمانية و التيارات الاسلامية ، جعل هذا المفهوم يتجرد من مدلوله العقدي العام، ليحمل غطاء سياسيا ضيقا، فنسمع الاخوة مقابل الرفاق، أي أبناء الحركات الاسلامية مقابل المنتسبين للتيارات العلمانية .

2_سلوكات بعض أبناء الحركة الاسلامية تسيئ لمفهوم الأخوة

قبل حوالي عشرين سنة ، عندما بدأنا أول احتكاكنا بالحركة الاسلامية داخل فضاء الثانوية ، كنا نسمع مصطلح الأخوة يتداول بشكل كبير بين أفراد التنظيم ، فكنا نسمع أحدهم يقول ، هذا أخ وذاك ليس بأخ ، يعني أن الداخل للتنظيم أخ والخارج عنه ليس بأخ ، ولو صلى وصام . وهكذا ضيق بعض أبناء الحركة الاسلامية على المفهوم ليحملوه مدلولا ايديولوجيا ضيقا . وبما أن التنظيمات الاسلامية ليست على قلب رجل واحد، فمنها المعتدل و المتشدد ، ومنها حامل السلاح ومرتكب المجازر باسم الجهاد، فان محبي التعميم دون التمييز بين هذا وذاك ، يحشرون الجميع في بوثقة واحدة ، ويلصقون كل عمل ارهابي بالإخوان . وهكذا نجد أن صفة الإخوان تكون مرادفة للإرهاب ، رغم أن أبناء الحركات الاسلامية برآء من كل فعل ارهابي، ترتكبه جماعات ارهابية .

3_التنظيم واحد ولكن الأخوة درجات

اذا كانت تصرفات بعض أبناء الحركات الاسلامية تضيق مفهوم الأخوة وتحصره في دائرة المنتسبين لهذه الحركات ، فان العلاقات الاجتماعية داخل التنظيم الواحد و الحزازات النفسية ، وربما تبادل المصالح بين أبناء التنظيم ، جعلت العلاقة الأخوية بين أبناء التنظيم تصبح علاقات ، والأخوة درجات ، حيث تجد الروابط تتقوى بين مجموعة بعينها ، بينما الآخرون يصبحون خارج الدائرة ولا يستدعون الا للقاءات تنظيمية أو عندما تكون الحاجة ماسة لخدماتهم . هذه المفارقة في العلاقات الأخوية_ حسب تقديري الخاص_ تعود الى مجموعة من العوامل ، لعل أهمها :

أ -رغبة البعض في الاستفادة من خدمات بعض الاخوة ذوي النفود سواء المالي أو السلطوي ، فيحدث الالتفات حول بعض من له السلطة أو المال ، وغالبا ما يرغب هؤلاء في مثل هذه العلاقات . فيكون ظاهر الاجتماع أخويا ، وباطنه مصالح متبادلة ، ينتج عن ذلك عجز من ليست له مصالح متبادلة مع أعضاء المجموعة عن الاندماج بينهم، فيحدث بذلك التساقط على طريق الدعوة حسب تعبير الداعية فتحي يكن رحمه الله.

ب -استبداد بعض المسؤولين داخل الهيئات بآرائهم وبقراراتهم ، وغالبا ما يكون هؤلاء أكثر حساسية لأي نقد أو رأي مضاد ، فيشنون هجوما عنيفا على من سولت له نفسه ابداء ملاحظة لا تعجب المسؤول ، وغالبا ما تكون حجتهم التشويش على العمل أو عرقلته ، وما الى ذلك من المبررات، فيتشكل بذلك حلف ضد الفرد يجعله معزولا داخل تنظيمه .

ج – متابعة الحركات الاسلامية لأبنائها وتفقد أحوالهم ومساعدتهم في السراء و الضراء من ضمن اولوياتها في العمل ، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم. … وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ). بحيث يشعر عضوالحركة بهذا الانصهار وهذه الوحدة مع اخوانه …

هذا الشعورلاينشأ من فراغ وإنما ينشا من خلال الممارسة التي تؤكد دائماً وباستمرار على حقيقة أن هذا الانصهار والتلاحم ينشأ من خلال التكافل والتضامن النفسي والحسي المعنوي والمادي ومن خلال السهر الدائب والمتابعة المستمرة .

الا أن هذا السلوك الحميد قد يتأثر بما ذكرنا سابقا، فتصير المتابعة الاجتماعية وتفقد أحوال الاخوة منحصرة على البعض دون الآخرين ، وغالبا ما يتأثر بذلك من هم في مستويات اجتماعية دنيا او من يتهمون (بضم الياء ) بالنقد و التجريح. مما يؤدي بهؤلاء الى الاصابة حتماً بخيبة أمل ثم بإحباطات نفسية تقذفهم خارج إطار الحركة. هذه السلوكيات عشنا بعضها ونحن داخل التنظيم حيث نجد الجميع يتجند لمساعدة أخ من ذوي الحظوة اذا اصيب بضائقة مالية أو عاش لحظة حزن جراء مرض أو فقدان أحد اقاربه حيث يستمتع بزيارة اخوانه ومواساتهم ، ولكن نفس الظروف يمر بها عضو آخر من نفس التنظيم فلا يلتفت اليه ليجد نفسه يواجه الظروف الصعبة لوحده وكأنه تعمد افتعال ظروفه الصعبة ، وان كان من تبرير للتقصير تجاهه غالبا ما يكون السبب الانشغالات أو النسيان. وما أسوأها من تبريرات. وكثيرا ما نرى أفرادا تساقطوا من تنظيماتهم أو تواروا عنها، وآخرون عاجزون عن الاندماج وسط اخوانهم. وبالتالي يغيب الهدف الأساسي لهذه الحركات الذي هو الاجتماع بدل التفرقة.

هذا كل ما تمكنت من جمعه في هذه الورقة المتواضعة التي أتمنى ألا يساء فهمها ، فهي مجرد ملاحظات جمعتها من واقع الممارسة ، بغرض اثارة النقاش حول بعض السلوكيات التي تقع في مجتمعنا بحيث لا يسلم منها أبناء الحركات الاسلامية بصفتهم أبناء هذا المجتمع يتأثرون بسلوكياته ، فان خضعت لنقاش هادئ أمكننا ان نتجاوز بعض هفواتها والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل ، والى لقاء مع ورقة أخرى و الحمد لله رب العالمين .