اقتصاد

مشروعا أكاديرلاند وكامب .. القصة الكاملة والحقائق المغيبة

أثار القرار الذي أصدرته، مؤخرا، الوكالة الحضرية لأكادير بخصوص توقيف مشروعي “أكاديرلاند” و”أكادير كامب” السياحيين، موجة كبيرة من الانتقادات وعاصفة من الاستنكار بسبب القرار الذي اعتبره كثيرٌ من أبناء المدينة مؤامرة على وجهة أكادير السياحية، ويخدم أجندات لوبيات عقارية ومالية ليس في صالحها أن يتم تفويت المشروع الواعد لفائدة مقاولين من خارج منظومة المال والأعمال المعروفة بالمدينة والجهة التي تسيطر على الأخضر واليابس بعاصمة الانبعاث.

وما إن تم الإعلان بشكل رسمي عن توقيف المشروع بقرار من الوكالة الحضرية التي يرأس مجلسها الإداري وزير السكنى والتعمير، حتى اندلعت حرب البيانات بين الأطراف التي لها علاقة بالموضوع، وخاصة بلدية أكادير وولاية الجهة وبعض الأحزاب السياسية كحزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال، كما تحول الموضوع على مستوى مواقع التواصل إلى مادة دسمة بين رواد الفضاء الأزرق، بين من يحمل المجلس البلدي لأكادير مسؤولية التقاعس عن خدمة مصالح المدينة وبين من يتهم ولاية أكادير بالرضُوخ لإملاءات لوبيات المال والأعمال.

حلمٌ يُجهض بجرة قلم

أنهى القرار الذي اتخذته الوكالة الحضرية لأكادير، كل التكهنات بشأن إمكانية استمرار العمل في إنجاز مشروعي “أكاديرلاند” و”أكادير كامب” الترفيهيين بمدينة الانبعاث بعدما كانت الأشغال قد انطلقت فيه قبل شهر تقريبا فوق جبلٍِ على مقربة من قلعة “أكادير أوفلا” الشهيرة، حيث يعتبر المشروعين من أكبر المشاريع الترفيهية بالمغرب، وهو القرار الذي تم اتخاذه خلال اجتماع للجنة الاستثمارات الكبرى المنعقد يوم الخميس الماضي بمقر ولاية أكادير، حيث قال مصدر لـ “العمق”، إن الوكالة رفضت المشروع بناء على المخطط المديري للوزارة المكلفة بالتعمير، والذي أدرج المنطقة التي سيقام فيها المشروع ضمن المناطق الزلزالية.

القرار بالرغم من وجاهته للوهلة الأولى، إذ أن أرواح المواطنين تبقى أهم من أي مشروع كان، كما أن قانون التعمير واضح في هذا الشأن، حيث سبق له أن قضى بمنع إقامة أي مشروع عقاري أو سياحي في المكان الذي كان سيحتضن المشروعين السياحيين، إلا أن هناك معطيات أخرى تم تغييبها في هذا الملف، وخُصوصا في ما يرتبط بقرار المنع، حيث أشارت مصادر مطلعة تحدثت إليها جريدة “العمق”، أن الوكالة الحضرية من الناحية القانونية ليس من حقها أن تصدر قرار منع المشروع، حيث إنه سبق لها أن وافقت في وقت سابق على المشروع ضمن لجنة “الاستثناءات في مجال التعمير”.

وأبرزت المصادر ذاتها، أن لجنة الاستثناءات في مجال التعمير، التي تترأسها والي أكادير ويوجد ضمنها متدخلون آخرون على رأسهم المجلس الجماعي والوكالة الحضرية نفسها بالإضافة إلى أزيد من 20 إدارة ذات صلة باللجنة، سبق لها وأن أعطت لصاحب مشروعي أكادير لاند وكامب الضوء الأخضر لمباشرة إنجاز المشروعين، وهي الرخصة التي اعتمدت عليها جماعة أكادير من أجل منح صاحب المشروعين رخصة تهيئة وحفر المنطقة بتاريخ 26 يوليوز من السنة الماضية، وفق ما توضح ذلك وثيقة تتوفر جريدة “العمق” على نسخة منها، حيث كانت أمور إنجاز المشروع تسير بيُسر قبل أن يتم خلال الأسابيع الماضية الحديث عن استعدادات لتوقيف المشروع بدعوى أنه يقام فوق منطقة زلزالية.

مصادر الجريدة أشارت أن الوكالة الحضرية ليس من حقها أن تصدر أي قرار بمنع المشروع، مادام أنه حصل على رخصة من لدن لجنة الاستثناءات في مجال التعمير، وأن هذه الرخصة عندما تمنح لجهة ما فإنها ترفع جميع الموانع التعميرية التي يمكن للوكالة الحضرية أن تسند إليها في عدم الترخيص لأي مشروع، مبرزة أن أقصى ما يمكن أن تعترض عليه أو تُبدي قرارات بشأنه، هو ما يرتبط بالمسائل التقنية المتعلقة بجودة البناء والجاِنب الهندسي.

البلدية تتبرأ .. لكنها مسؤولة

بالرغم من البلاغ الصادر عن المجلس الجماعي لأكادير والذي تبرأ فيه من قرار الوكالة الحضرية لأكادير والقاضي بوقف المشروع، معبرا عن “استغرابه وعدم تفهمه تراجع بعض الفرقاء عن الموافقة المبدئية التي وقعوا عليها خلال انعقاد لجنة الاستثناءات وغيرها من اللجان”، إلا أن مصادر مُتتبعة أشارت أن المجلس الجماعي برئاسة صالح المالوكي عن حزب العدالة والتنمية يبقى مسؤولا بشكل كبير عن توقف المشروع، إذ القانون واضح في هذا الشأن ويشير أن الجهة التي تمنح رخصة إنجاز المشاريع التي حصلت على الرخصة من لجنة الاستثناءات في مجال التعمير هي بلدية أكادير، وأن المجلس عليه أن يمنح صاحب مشروعي “أكاديرلاند” وكامب، رخصة الإنجاز بعيدا عن أي حسابات سياسية ما دام أن القانون واضح في هذا الشأن.

وأبرزت مصادر الجريدة أن صاحب المشروعين من حق أن يقاضي المجلس الجماعي لأكادير بدعوى تعطيل مصالحه والتسبب في خسائر مادية له، ما دام أن مشروعه حصل على الترخيص من لدن لجنة الاستثناءات في مجال التعمير وأن مصالح الجماعة هي التي أضحت مسؤولة عن منحهِ رخصة الإنجاز، مشددة على أن بلاغ المجلس الجماعي هو هروب إلى الأمام وأن المجلس عليه أن يتحمل مسؤوليته الكاملة في هذا الصدد ما دام أن قرار الوكالة الحضرية لا يستند على أي أساس قانوني، كما تمت الإشارة إلى ذلك آنفا.

وكان المجلس الجماعي لأكادير قد عبر عن “موقفه الثابت من دعم المشروع السياحي الذكور”، مشيرا ضمن بلاغ أصدره عقب اجتماع لمكتب المجلس الجماعي لأكادير صباح يوم الجمعة الماضي والذي خُصص لتدارس تطورات ملف مشروعي أكادير لاند وكامب، أن مناخ الاستثمار بمدينة أكادير سيتأثر بشكل كبير بهذه الواقعة، خاصة وأن المستثمرين حاملي المشروع من أبناء المنطقة المهاجرين في الخارج اللذين جاؤوا للاستثمار في بلدهم، مبرزا أن موقفه هذا نابع من تحمله المسؤولية السياسية والمعنوية في الدفاع عن مصلحة الجماعة وساكنتها للنهوض بها واسترداد ريادتها على المستوى الوطني والدولي بمختلف المجالات.

وأضاف بلاغ المالوكي أن المجلس الجماعي أعطى موافقته المبدئية على المشروع مع كل الفرقاء خلال انعقاد لجنة الاستثمارات، وقام بالترخيص له بمباشرة الأشغال الأولوية عبر تنقية الممرات، والالتزام بالترويج له كمشروع واعد في الجماعة سيساهم في جر قاطرة الاستثمار والتنمية التي نسعى جميعا لتحقيقها بالمدينة، ودعمه والدفاع عنه خلال كثير من الاجتماعات الرسمية واللقاءات الإعلامية، مشيرا أن المجلس صادق بالموافقة على كل النقط التي همت هذا المشروع، مشددا على أن الذي يحسم القرار في المشروع هو الاحتكام إلى الخبرة والدراسة الوطنية والدولية وضمان إقامة المشروع بمواصفات وشروط تقنية خاصة.

بلاغ مرتبك الولاية

لم تتأخر كثيرا ولاية أكادير في الخروج بموقف رسمي بشأن ما أضحى يثيره توقيف المشروع من جدل كبير، إلى حد وصل للدعوة إلى تنظيم وقفات احتجاجية ضد قرار التوقيع، حيث رمت الولاية كرة مشروع “أكادير لاند” في ملعب الجهة، بعد أن ذكرت في بلاغ رسمي لها أنها انتدبت مجلس الجهة لإعداد دراسة لوضعية العقارات التي تحتضن مشروعي “أكاديرلاند” و”أكادير كامب” والمتصفة بطابعها الزلزالي والواقعة بنفوذ عمالة أكادير قصد اقتراح صيغ تدبيرها واستعمالها من عدمه، مشيرة أنه سيتم بالموازاة مع ذلك عرض الدراسة الجديدة على مختلف الفاعلين في العمليتين المعنيتين لاقتراح أوعية عقارية بديلة لاحتضان المشروعين، مبرزا أن توجهات مشروع مخطط توجيه التهيئة العمرانية لأكادير الموجود في طور المصادقة أكدت نفس المعطيات الجيولوجية للمنطقة الواقع بها العقار المرشح لاحتضان المشروعين.

بلاغ ولاية أكادير، أثار موجة من الانتقادات وسط فاعلين سياسيين وعلى رأسهم حزب العدالة والتنمية، الذي انبرى عدد من أعضاءه إلى مهاجمة بلاغ ولاية أكادير، حيث اعتبرت عضو المجلس الجهوي لسوس ماسة أمينة ماء العينين أن صيغة “الانتداب” التي جاءت في البلاغ، تمثل “إهانة للمجالس المنتخبة وشرعيتها، وتعبير عن حنين لعهد تجبر السلطة واحتقارها للمنتخبين وسيادة قرارهم”، داعية ولاية جهة سوس ماسة إلى تقديم اعتذار عن ما وصفته بـ”البلاغ الفضيحة”، حول وضعية العقارات الشاغرة في المنطقة الزلزالية الواقعة في نفوذ عمالة أكادير.

ماء العينين استغربت في تدوينة على حسابها بفيسبوك، استخدام الولاية صيغة “تنتدب” في مخاطبة مجلس الجهة المنتخب، معتبرة أن هذه “الصيغة العجيبة التي استعملتها الولاية لتصريف الاحتقان ورمي كرة اللهب المشتعلة إلى مجلس جهة سوس ماسة، جاءت بعد تدبير كارثي لملف مشروع “أكادير لاند” الذي منع، بعد أن تم الترخيص له، بناء على مبررات لم تقنع أحدا”، مبرزة أن بلاغ ولاية جهة أكادير، يظهر مجلس الجهة كأن “لا سيادة له على قراراته وينتظر من الولاية انتدابه، علما أن اختصاص الولاية دستوريا هو تقديم المساعدة للمجلس الجهوي وليس انتدابه لإجراء دراسات”.

وأضافت بالقول: “كأن مجلس الجهة مجرد مكتب دراسات تنتدبه الولاية لإجراء دراسات معينة”، موضحة أن المجلس الجهوي لا يملك الاختصاص الدستوري والقانوني للتدخل في مشروع استثماري يقع في نفوذ جماعة أخرى بعد التداول بشأنه داخل اللجنة الجهوية للاستثمار، حسب قولها. وأشارت القيادية في حزب المصباح، أن “المجلس الجهوي مدعم للاستثمار لكنه ليس إطفائي يتدخل خارج إطار الدستور والقانون لإطفاء حرائق أشعلتها أطراف أخرى همها هو حفز الاستثمار بالجهة”.

تحايل على القانون

بعيدا عن الجدل الخاص بوقف إنجاز المشروعين من طرف الوكالة الحضرية لأكادير، يوجد معطى آخر تم إغفال التطرق إليه من قبل عدد كبير من المتتبعين لهذا المشروع، ويتعلق الأمر بحديث قانون الاستثمارات بالمغرب عن كل مشروع يتجاوز غلافه المالي 20 مليار سنتيم، يتم التداول فيه والترخيص له على مستوى اللجنة الحكومية للاستثمارات التي يترأسها رئيس الحكومة، وبالرغم من أن حجم الاستثمار الخاص بـ “أكادير لاند” و”أكادير كامب” كما جاء على لسان المستثمر يتجاوز 33 مليار سنتيم، ما يجعله ضمن خانة المشاريع التي ينبغي تداولها مركزيا، فقد تم التداول فيه جهويا بأكادير.

وبحسب مصدر متتبع، فإنه “كان ينبغي للمشروع أن يحال على اللجنة الحكومية المكلفة بالاستثمارات، إلا أنه تم التحايل على ذلك من خلال تقسيم المشروع إلى مشروعين وشركتين، رغم أن المستثمر واحد، والعقار المحتضن لهما مشترك وفي منطقة واحدة”، مضيفا “أنه تم تقسيم المشروع لكي يتم البت فيه جهويا بلجنة الاستثمارات بولاية أكادير، وأن المستثمر صاحب المشروع الذي تربطه علاقات خاصة ومتميزة بعددٍ من المنتخبين والإداريين انساق مع توجيهات متخصصين للإبقاء على المشروع بإدارات المنطقة، إلا أن السحر انقلب على الساحر في آخر المطاف”، بحسب تعبيره.

البام يدلي بدلوه

حمل فريق حزب الأصالة والمعاصرة بمجلس جماعة أكادير، مسؤولية توقف الأشغال بالمشروع الاستثماري “أكادير لاند” للمكتب المسير لمجلس جماعة أكادير “الذي رخص للانطلاق الفعلي للأشغال ضدا على قانون التعمير خاصة المادة 43 منه”، واصفا هذا القرار بأنه “جنى على مصالح المستثمر وأعطى صورة سلبية لباقي المستثمرين الذي كانوا ينوون الاستثمار في المدينة”.

وعبر فريق “البام” المعارض بمجلس جماعة أكادير، في بيان تتوفر جريدة “العمق” على نسخة منه، عن أسفه لتوقف الأشغال بالمشروع السياحي والترفيهي “أكادير لاند” “والذي بأمثاله يمكن لمدينة أكادير ولجهة سوس استرجاع نهضتها السياحية والتنموية”، مبديا “استياءه البالغ من المقاربة الإدارية بجميع مراحلها وأطرافها التي تم اعتمادها للتصديق والمراقبة القبلية على هذا المشروع” متسائلا “عن مدى احترامها لجميع المساطر القانونية”.

واستنكر البيان ما اعتبره “التهور والخروقات التي تعامل بها رئيس مجلس جماعة مع موضوع المشروع الاستثماري، حيث منح ترخيصا رسميا تحت رقم 0013247 بتاريخ 20 يوليوز 2016 للمستثمر من أجل الشروع في أعمال التهيئة المكلفة بالرغم من عدم استكمال مسطرة المصادقة النهائية على المشروع”، مجددا تأكيده على ما أسماه “الارتجالية والسطحية والجهل بأبسط المساطر التي يتخبط فيها المكتب المسير لشؤون الجماعة الترابية والتي تنعكس بقوة على مصالح الساكنة وعلى مشاريع تنمية المدينة”.

وعبر الحزب المعارض بالمجلس، عن قلقه من “الاستهتار على مستوى الزمن الاستثماري الذي يتم التعامل به مع الاستثمارات الضخمة، إذ لا يعطى للزمن في مثل هذه الاستثمارات الكبيرة قيمته الحقيقية في جهتنا على عكس بعض جهات المملكة”، معربا عن قلقه “من التطورات التي قد يعرفها هذا الملف والذي قد يكلف ميزانية الجماعة أموالا طائلة، وذلك في حالة لجوء المستثمر ضحية ترخيص المجلس الجماعي إلى القضاء لتعويضه عن المصاريف الباهظة التي خسرها على أعمال التهيئة والتي تصل إلى أزيد من مليار و200 مليون سنتيم”.

إلى ذلك، دعا البيان، كل “الجهات المعنية الوصية والمختصة سواء بالمراقبة المالية العامة أو بمراقبة التدبير المحلي، إلى التدخل لتحديد المسؤوليات وحماية المال العام من تبذير جاء بسبب جهل بأبسط القوانين”، مجددا دعوته إلى “حوار بين جميع المسؤولين المنتخبين وممثلي المصالح المركزية وجميع الفعاليات الحكومية وغير الحكومية وذلك لإيجاد حلول عاجلة قد تنقذ ما يمكن إنقاذه”.