وجهة نظر

أفظع ما قاله دونالد ترامب

بعد شهر فقط على انتخابه، صدر هذا الكتاب الذي يتناول أهم أقوال وكتابات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. يتعلق الأمر بكتيب صغير من كتب الجيب وصدر عن دار النشر الفرنسية “فورست” بعنوان: “التصريحات الفظيعة لدونالد ترامب” لمؤلفه بانجامان بايلي. وهو مونطاج لا يحمل الكثير من الود للرئيس الأمريكي المثير للجدل ولكنه لا يكذب عليه كما يفعل حاكم البيت الأبيض يوميا. في الكتاب كثير من البحث والتنقيب، بحيث يقدم تلك الأقوال بشكل دقيق في الزمان والمكان، وإن كانت تنقصه مقدمة وتأطير عام يوضح السياق والهدف العام. ويقدم مجموعة من التصريحات تم تصنيفها حسب عدة مواضيع مثل: السياسة – المال – النساء – المكيسكيين – الحقيقة…إلخ. وهي أقوال مأخوذة من عدة مصادر سواء من كتب ألفها ترامب أو من تصريحاته خلال لقاءات انتخابية وصحافية. كما تم البحث في مقتطفات من الكتب التي ألفها آخرون عنه. وطبعا هناك كتابات أخذت من حسابه على “تويتر” وهو السلاح التواصلي الأول الذي يستعمله الرئيس الأمريكي يوميا.

يؤكد الكتاب ما كشفت عنه العديد من الدراسات والأبحاث حول مميزات وتركيبة شخصية ترامب التي تعاني من عدد من الاضطرابات الواضحة ومنها الأنا المتضخمة، واحتمال عدم الثقة في النفس، أو البارانويا… وهي خصائص لها أثرها طبعا على الفعل والقرار السياسي. ومن بين تجليات هذه الاضطرابات يمكن أن نذكر: الكذب، والعنصرية، والعنف اللفظي وغيرها من الخصال السلبية. وقد سبق للمنظمة الحقوقية الدولية الشهيرة “أمنستي” أن اتهمت ترامب بنشر خطاب وقيم الكراهية عبر العالم. لكن هل هناك في المقابل خصال إيجابية عند ترامب؟ ربما تكون هناك خصال هي التي أعجبت الأمريكيين وجعلتهم يختارونه كرئيس بشفافية في إحدى أعرق الديمقراطيات الغربية، وإن كانت عدة دراسات تؤكد بوضوح أنه تم دفع الأمريكيين والتلاعب بهم ليختاروه كرئيس وذلك عبر دعاية وإشهار كاذب ساهم فيه الأنترنيت وفايسبوك. وربما يرى البعض أن من خصال ترامب: الجرأة والإقدام والقدرة على المواجهة مما يجعله لا يتردد أمام كسر كل الحدود والطابوهات المجتمعية والأخلاقية.

عن النساء، اللواتي يعتبر أن أحسن مكان لهم هو المنزل، يتحدث ترامب بالكثير من الأنا ويقول مثلا: “النساء يعتبرن أن سلطة ترامب مثيرة تقريبا مثل أمواله”. وهي قولة تحيل إلى ما سبق أن قاله أمريكي آخر هو وزير الخارجية السابق والمفكر هنري كيسنجر الذي يقول إن “السلطة هي أكبر مثير للشهوة”. لكن الفارق هنا هو أن كيسنجر يتحدث بشكل عام دون أن يربط ذلك بشخصه أوتوماتيكيا كما يفعل ترامب. وبخصوص مسار علاقاته مع النساء، يقول ترامب بدعابة (هل يتوفر ترامب على حس دعابة؟) إن الندم الوحيد الذي يخالجه هو أنه لم يتعرف على الأميرة ديانا.

يحكي الكتاب أن ترامب قادر مثلا على الهجوم اللفظي المباشر على الصحافيين كما حصل له مع الصحفي الشهير “لاري كينغ” خلال جلسة حوار بينهما وذلك منذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها الحوار. إذ بمجرد ما جلس دونالد ترامب على الكرسي، هاجم بقوة لاري كينغ وقال له: “اسمح لي بأن أجر الكرسي إلى الوراء حتى أجلس بعيدا عنك بعض الشيء لأن رائحتك كريهة” !!. هل هذه طريقة سليمة لبدء حوار صحفي سليم؟ أم هي طريقة خاصة للهجوم على الصحفي لتصفية حسابات معه؟ وعموما هو يرى أن الصحافة هي “عدوة الشعوب”. ما هو أكيد هي أنها طريقة وأسلوب فريد من نوعه، وهو تصرف تلخصه ربما عقيدة في الحياة يؤمن بها ترامب حيث يقول: “من الأفضل أن تعيش يوما واحدا كأسد من أن تعيش 100 سنة كخروف”، وهو شعار من شعارات الفاشية  في إيطاليا.

اللافت للإنتباه هو أن جميع كتب ترامب تحمل نفس العناوين المرتبطة بالأنا المتضخمة لديه. ففي 1987، ألف كتابا بعنوان “فن إبرام الصفقات”. ومن بين ما جاء فيه أن الإنسان “لا ينبغي أن يتوقف أبدا عن المبالغة في الجشع”  on n’est jamais trop cupide. وفي 1997، أصدر كتاب “فن العودة”. ومن بين الكتب التي ألفه آخرون عن سيرة حياته كتاب بعنوان: “هذا النرجسي القريب منا” وكتاب آخر بعنوان متهكم هو: “فن أن تكون دونالد”. وقد دخل الرئيس في نزاعات قضائية مع بعض مؤلفي هاته الكتب.

عن المكيسكيين الذين أراد بناء سور ليمنعهم من دخول أمريكا يقول ترامب بعنصرية واضحة: “المكسيك لا يرسل لنا الأشخاص الجيدين… فهو يرسل لنا أناس عندهم كثير من المشاكل. يأتون لنا بالمخدرات والجرائم. إنهم مغتصبو نساء. البعض منهم، حسب ما أفترض، أناس جيدون”.

أما علاقته بالحقيقة والكذب فغريبة جدا. وكما هو معروف، ترامب هو مروج كلمة “الأخبار المزيفة” أو “الحقيقة البديلة” (alternative facts). وهو يعتبر الكذب أداة أساسية في عمله السياسي. وحسب إحصائيات دقيقة لعدد من الجرائد الرصينة، فإنه يكذب يوميا حوالي 17 مرة. على سبيل المثال، وبخصوص حرب العراق في 2004، كذب ترامب عدة مرات. بحيث أنه يعلن أحيانا أنه يؤيد هذه الحرب، لكنه يقول أحيانا أخرى إنه ضدها. فخلال الحملة الإنتخابية في 2016 كان ضد الحرب، وفي 2002 كان من مؤيديها. كما يمكنه أيضا أن ينشر أي خبر على صفحته في تويتر بدون أن يتأكد من صحته أو ينشره عن قصد لنشر الكذب. ويشير الكتاب إلى أنه سبق أن وضع فيديو منسوب إلى داعش لكن تبين أن الفيديو مشبوه ومفبرك. وعندما سأله أحد الصحفيين لماذا نشرته قال له إن ذلك لا يهم لأن هذا هو ما وجده في الأنترنيت.

قد يكون الكذب خصلة مرافقة للسياسيين بشكل عام بحيث أن هناك قولة مفادها: “إن السياسيين ينظمون حملاتهم الانتخابية بالشعر ويمارسون السلطة بعد انتخابهم بالنثر؟” أي أنهم يتخلون عن وعودهم خلال تلك الحملات إما بالكذب أو بتحويل الأنظار عن وعودهم. لكن حالة ترامب تظل استثنائية، وعلاقته بالكذب بالغة الخطورة هزت الثقة في جميع المؤسسات السياسية والاجتماعية بأمريكا مما أدى إلى تقسيم المجتمع الأمريكي وتقوية النعرات والطائفية، هذا إلى جانب حصيلة تدبيره الكارثي لأزمة كورونا ودعمه لعدد من الأنظمة السلطوية في العالم العربي وللظلم الكبير الذي ألحقه بالفلسطينيين وبحقهم في أراضيهم وفي عاصمتهم القدس. لهذا فإن إعادة انتخابه يوم الثلاثاء 3 نونبر سيشكل كارثة على بلاده وعلى العالم ككل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *