منتدى العمق

التبرع بالأعضاء.. ثقافة نبيلة تغيب في مجتمعنا المغربي

مؤسف جدا أن يجد الفرد نفسه يعاني يوما من مرض مزمن كالقصور الكلوي، يتطلب إنفاق مخزونه المادي والنفسي على حد سواء، والأكثر مدعاة للتأسف هو تواجده في مجتمع تكاد تغيب فيه ثقافة التبرع بالأعضاء، إذ يُحكم عليه في حالته تلك أن يقاسي مرارة ما أصابه، ويكابد في سبيل التعايش مع وضعه المزمن، الذي يتطلب باستمرار تدخلات طبية قصد إبقائه على قيد الحياة، متشبثا ببصيص أمل ضئيل بغد يحمل متطوعا يبدد مأساته ومعاناته.

هو الأمر الذي انطلق التحسيس به منذ بضعة أيام، تزامنت واليوم العالمي للتبرع بالأعضاء، والذي اختير له 17 من أكتوبر من كل سنة. حملة التحسيس المنطلقة مذ اليوم المذكور، تسعى بشكل جاد إلى نشر وتعزيز هذه الثقافة الغائبة عن أوساط مجتمعنا المغربي، ثقافة التبرع بالأعضاء، ثقافة تقديم فرصة العيش بشكل طبيعي لشخص افتقد طعم الحياة، شخص يتطلب استمراره في التنفس حصصا تصل إلى مرات ثلاث أسبوعيا، روتين قتيم، يجعل أقصى أماني عائشه مرتبطة بقضاء أسبوع دون “دياليز”، دون ألم، دون إنفاق، مع أمل بالتحرر من الأكبال التي كبله بها هذا المرض، مرض القصور الكلوي.

إن حياة السقيم، تختلف أكيد عن حياة السليم، بل وإن السليم يتملكه الشعور بعدم الرضا عن ألم طفيف لحظي يمر برأسه، فما بالك بمن التصق السقم بكيانه، وتملك العجز ذاته، الفرد المصاب بالقصور الكلوي يحرم من حقه الطبيعي في الاستمرار في التنعم بالحياة، كأن يحرم من العمل وتسد بذلك منافذ إذرار رزقه، فتنضاف إلى همه هموم أخرى… المصاب بالقصور الكلوي يعاني أيضا مشقة متابعة دراسته، فقد نصادف متعلمين يجدون صعوبة في متابعة دراستهم وتحصيلهم العلمي وهم أصحاء، بل وفي أوج صحتهم البدنية، فكيف الحال يكون لدى شخص متردي الوضع الصحي؟ فعلا لنا أن نتصور حجم الصعوبات التي تواجه هذه الفئة من المجتمع، خاصة وإن علمنا أنها تشكل فئة كبيرة من المجتمع، إذ أنه وحسب المعطيات الرسمية فإن 32000 شخص يخضعون لغسل الكلي سنويا في مائتي مركز عمومي وخصوصي. هذا دون عد المرضى الذين لا تسعفهم ظروفهم للجوء إلى عملية الغسيل الكلوي، ودون احتساب المرضى الذين لا يعلمون أساسا ماهية مرضهم الذي يلم بهم.

إن تكلفة حصص الدياليز مكلفة جدا، إذ يبلغ ثمن الحصة الواحدة حوالي 850 درهما، يضرب هذا العدد في 3 حصص أسبوعيا، لتغدو النتيجة مقدرة بحوالي 2550 درهم أسبوعيا، وتصل إلى ما يناهز 10200 درهم شهريا، و122400 درهم سنويا، أرقام مهولة، خاصة وإن صادفت شخصا ذا دخل محدود. والمبلغ يصل أوجه إذا ما رغب المصاب بالقصور الكلوي في زرع الكلية. لهذا ولكل ذاك، ولمجمل الأسباب، تبذل الحملة المنبثقة عن كل من جمعية إسعاد، وجمعية الرحمة لمرضى القصور الكلوي، والجمعية المغربية للبحث والتعريف حول أمراض الكلي الوراثية، تبذل قصارى جهدها في سبيل التحسيس بمعاناة هذه الفئة الهامة من المجتمع، ونشر الوعي بثقافة التبرع، هذا الوعي وحده الكفيل بإنقاذ أرواح عدة أفراد، يضعون أملهم كل أملهم في الله، ثم في المتبرعين.

الحملة ممتدة لمدة أربعة أسابيع، انطلقت يوم 17 أكتوبر، برحاب كلية الطب والصيدلة بمدينة فاس، من خلال مؤتمر صحفي احتضن تقديما شاملا لبرنامج الحملة، هذا البرنامج اختير له ضم أسبوع خاص بعرض قصص لمرضى الكلي ومعاناتهم مع الدياليز، مع تقديم تجارب بعض المتبرعين بالأعضاء، وشهادات لزارعيها. ثم في الأسبوع الموالي، خصص البرنامج لهذا الأخير تقديم نظرة شمولية عن عملية التبرع بالأعضاء من منظور طبي، ثم خصص ثالث الأسابيع المبرمجة للحملة، للتطرق للموضوع سالف الذكر من منظور قانوني، كما اختير للأسبوع الرابع والأخير أن يضم ما جاء في ديننا الحنيف حول التبرع بالأعضاء. وكلها محاور ضُمنت بالبرنامج المخصص للحملة ابتغاء درء اللبس الذي قد يصيب الراغب في الإقدام على فعل التبرع بالأعضاء، خاصة وإن علمنا أن الموضوع المتطرق له يعرف اختلافات كثيرة وآراء مختلفة، تحلل وتحرم وفق هواها، تشجع وتحذر انطلاقا من ما تراه هي، لا من ما هو صائب، أي أن هذه الأفكار غالبا ما تبث وتصدر عن جهات غير عارفة بحيثيات الموضوع، وبالتالي، فالبرنامج أتى شاملا كاملا من أجل تصحيح المغالطات المروج لها، وكذا قصد التشجيع على هذا السلوك النبيل، الذي يحمل في طياته معالم عديدة لتمظهرات وتجليات الإنسانية، وما أحوجنا إليها.

* صحافية وباحثة في تحليل الخطاب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *