ملف

“مملكة التناقضات.. المغرب في مئة سؤال”: ماذا يفعل المغرب بالسلفيين؟ (ح 41)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 41: ماذا يفعل المغرب بالسلفيين؟

في مطلع القرن الحادي والعشرين، اكتشف المغرب، بعد جاره الجزائري، نفسه مخترقاً بعمق من طرف الفكر السلفي، الذي ساواه الفقه المعاصر مع الوهابية الجهادية، وهي أيديولوجية إسلامية عقائدية تدعو للقتال ولدت في شبه الجزيرة العربية في بداية القرن الثامن عشر.

هذه العقيدة الأيديولوجية لها هدفان رئيسيان: من ناحية، جعل جميع المسلمين يعيشون في جو يشبه الأيام الأولى للإسلام؛ ومن ناحية أخرى، استخدام التقدم التقني في خدمة اعتناق الإسلام من طرف أهل الديانات الأخرى.

وقد استفادت هذه الأيديولوجية من موارد مالية كبيرة للانتشار في جميع أنحاء العالم، بفضل دولارات النفط السعودية. لقد ترسخت في المغرب الكبير لأن السعوديين استخدموا كل الوسائل الدبلوماسية والمادية والسياسية منذ السبعينيات لاختراق المجتمعات المغاربية من الداخل.

ومع ذلك، لم تنزل الوهابية على أرض عذراء. إن بلدان المغرب الكبير مخترَقة منذ أواخر الستينات من طرف أيديولوجية الإخوان المسلمين، بل قبل كل شيء، منذ نهاية القرن التاسع عشر، من طرف الإصلاحيين الإسلاميين أو تيار السلفيين في المغرب (السلفية) أو تيار الإصلاحيين في الجزائر (الإصلاحية). الذين كانت لهما الأسبقية في نشر الإسلام السياسي، وخاصة بين العلماء وطلاب الجامعات الإسلامية.

هذا الإصلاح الفكري والديني والأخلاقي بعيد كل البعد عن الوهابية، خصوصاً أنه كان عليه أن يتعامل مع الاستعمار. لكنه مهد الطريق لحركة إصلاحية متطرفة تسعى إلى مواجهة العالم الحديث. إن فشل التنمية الصناعية والاقتصادية والاجتماعية أكمل تحضير الأرضية في الثمانينات وعندما استيقظ المغرب في حالة من الذهول يوم 17 مايو 2003، كان أكثر من نصف المساجد بين أيدي الوهابيين.

بالنسبة للدولة، من الضروري الاستجابة لهذا التحدي وكان الخيار الأول أمنيا: اعتقالات واسعة وتعسفية ضربت الحركة السلفية بعد هجمات الدار البيضاء، حيث تم تفكيك الجماعات أو الخلايا الإرهابية، على ما يبدو، دون القضاء عليها وفي المدن الكبيرة يتم تفكيك وسجن مجموعات صغيرة كانت تهاجم السكارى و”النساء المنحرفات “.

وحصل نحو 100 مجرم على أحكام بالإعدام دون تنفيذ هذه الأحكام. خلال الحرب في سوريا، كان بعض الأمنيين يحلمون برؤية أكثرهم تطرفاً يغادرون إلى سوريا، قبل أن يعرقل إدراك هذا الخطر الجديد العملية برمتها.

أما الخيار الثاني هو استهداف القادة السلفيين، الذين غالباً ما تدربوا في المملكة العربية السعودية مثل الشيخ أبو حفص، أو حسن الكتاني الذي ولد في السعودية وحكم عليهم بالسجن لعقود – في كثير من الأحيان ثلاثين عاماً، لأنهم اعتبروا مسؤوليين معنويين عن الهجمات.

لقد كان هدف النظام هو الحصول على تراجعات فكرية علنية على المدى المتوسط، وبالفعل فقد خرج هؤلاء الرجال من السجن في مطلع القرن الحادي والعشرين واعترفوا بمراجعاتهم الفكرية المطلوبة.

وإذا كانوا قد أعلنوا الاعتراف بإمارة المؤمنين فقد حصلوا على الحق في اقتحام المجال السياسي من داخل الأحزاب السياسية القائمة من قبل وترشح منهم 10 من أصل 7000 في الانتخابات التشريعية لعام 2016 وبعض من انتخبوا أصبحوا من الأعيان البارزين مرة أخرى مثل أبو حفص الذي ينادي باجتهادات إسلامية تتماشى مع توقعات النظام. الخيار الثالث هو إصلاح الإسلام المغربي لطرد الوهابية من الهياكل الدينية وعرقلة تغلغلها في المجتمع.

وقد تم التوصل إلى اتفاق مع السلطات السعودية لتحقيق هذه الغاية: فالسعوديون الأثرياء مرحب بهم دائماً، ولكن الدعاة السعوديين لا يمكن أن يستهدفوا المغاربة، حتى لو كانت أجهزة التلفزيون والإنترنت تمثل البديل عن الحضور الفعلي ً. والواقع أن هذه الأيديولوجية هي الآن لصيقة بالذات المغربية كما هو الحال مع بلدان الجوار.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *