وجهة نظر

في ذكرى الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان القضاء على العنف ضد المرأة في 20 نونبر سنة 1993 وقد جاء هذا الإعلان مكملا ومعززا لعمل اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) وإعلان برنامج عمل فيينا، كما قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1999 تعيين 25 نونبر يوما عالميا للقضاء على العنف ضد المرأة.

ولم يقف الأمر عند هذا الإعلان المشار إليه أعلاه ،بل جاءت قرارات الأمم المتحدة و توصيات المؤتمرات الدولية ذات الصلة ،تترى كإعلان و منهاج عمل بكين لسنة 1995 الذي اعتمد من قبل الجمعية العامة في يناير1996 ، لا سيما الفقرات 112 إلى 130 من منهاج عمل بكين.

أضف إلى ذلك قرار الجمعية العامة في فبراير1998 المعنون :”تدابير منع الجريمة و العدالة الجنائية الرامية إلى القضاء على العنف ضد المرأة .”ومن بعده قرار يونيو من سنة 2010 المعنون”عنوان تسريع الجهود الرامية إلى القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة:ضمان إلتزام الحرص الواجب لمنع العنف”.

ثم قرارمجلس حقوق الإنسان في يونيو 2011 المعنون :”تكثيف الجهود الرامية إلى القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة:ضمان بذل العناية الواجبة في الحماية”.
وصولا إلى قرار مجلس حقوق الإنسان المعتمد في يوليو 2015 المعنون:”التعجيل بالجهود الرامية إلى القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة :القضاء على العنف المنزلي.”.

وفي ظل هذا التوجه العالمي نحو مكافحة ومناهضة العنف ضد المرأة ،وفي إطارملاءمة التشريع الوطني مع مقتضيات الإتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان حظر الفصل 22 من دستوريوليوز 2011 “المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص في أي ظرف ومن قبل أي جهة كانت خاصة أو عامة”.

وفي نفس السياق ’ صادق البرلمان المغربي على قانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء في فبراير 2018 الذي دخل حيز النفاذ في 13 شتنبرمن نفس السنة.

هذا القانون الذي وصفه البعض بأنه يمثل أيديولجية الحزب الذي يتزعم الحكومة وهي أيديولجية معادية “للمساواة “، ومن ثم فبحسب هؤلاء فإن هذا القانون يمثل إنتكاسة حقوقية وردّة إلى الخلف ،يتحمل وزرها الحكومة التي يقودها حزب العدالة و التنمية.

وجدير بالذكرأن من بين أسباب الإعتراض على هذا القانون ، كونه لم يستجب لتوصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان بخصوص إعادة تعريف جريمة الإغتصاب المنصوص عليهافي الفصل 486من القانون الجنائي من أجل إدراج الإغتصاب الزوجي ضمنها وهذا ماطالبت به كذلك منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان.

ولعله من نافل القول أن الهدف من كل ما سبق ذكره من إعلانات وقرارات وتوصيات دولية و تشريعات وطنية ،إنما هو ضمان حسن معاملة المرأة وحمايتها من كل أشكال العنف ،سواء كان هذا العنف جسديا ،نفسيا ،جنسيا ،أو إقتصاديا ،وفي أي مجال من مجالات الحياة العامة أو الخاصة على حد سواء.

كما أن المرأة المستهدفة بهذه الحماية قد تكون أمّا ،أختا ،زوجة ،إبنة ،أو لبنى وليلى من ياأيها النساء،إلا أن الذي يعنينا في هذه العجالة هو المرأة/الزوجة. ومن ثم فهل للعنف ضد المرأة مكان داخل مؤسسة الزوجية التي تؤطرها أحكام الشريعة الإسلامية ؟وكيف نفهم إجراء تأديب الزوجة الناشز ؟ وما هو منسوب العنف داخل الأسرة الحداثية في المجتمعات الغربية المؤطرة بالقوانين الوضعية؟

المودة و الرحمة عماد الزوجية

لقد أقام الإسلام صرح الزوجية على أساس المودة والرحمة قال تعالى:”وجعل بينكم مودة ورحمة ” الآية . كماحث الرجال على معاملة أزواجهم معاملة حسنة كما هو واضح في الآية الكريمة من سورة النساء”وعاشروهن بالمعروف…”وإلى ذلك أرشدت السنة النبوية الشريفة وبه أوصت. كما ورد في هذا الحديث الشريف :”خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي” واللافت في هذا الحديث النبوي أنه جعل معيار الخيرية ودليل الفضل في الرجل ،إنما يتجلى بشكل حصري في كيفية معاملته لزوجته و شريكة حياته.

إذ إن البشرية يستحيل أن تستقيم أوتعتدل وتطمئن إذا كانت علاقة الجنسين غير مستقرة.وخليق ألا يتحقق هذا الاستقرار المنشود، إلا في ظل معاملة يغمرها الإحترام المتبادل والعطف والبر والإحسان.

فيكون الزوج حسن الخلق لطيف المعشر مع زوجته بالقول والفعل غير فظ ولا غليظ ، ولقد عظم الإسلام حق النساء كما في الآية الكريمة من سورة النساء 🙁 وأخذن منكم ميثاقا غليظا)وكما جاء في الحقوق العشرة من سورة النساء( واعبدوا الله …….وبالوالدين إحسانا……والصاحب بالجنب) وهي الزوجة وفقا لما ذكره حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في كتابه الذائع الصيت “إحياء علوم الدين” بل زاد على أنه من حسن خلق الزوج مع زوجته ألا يكتف بكف أذاه عنها ،بل أن يحتمل الأذى منها و يصبر عليها عند طيشها وغضبها .

إنطلاقا من هذه الخلفية الروحية والثقافية والحضارية ،جعل المشرع المغربي المعاشرة بالمعروف من الحقوق و الواجبات المتبادلة بين الزوجين بحسب الفقرة الثانية من المادة 51 من مدونة الأسرة.

لكن مع كل ما تم ذكره من حث الإسلام على معاملة الزوج لزوجته معاملة حسنة كريمة ،إلا أن منح الشريعة الإسلامية الزوج الحق في أن يؤدب زوجته بالضرب في حالة نشوزها قد أثارومازال يثير جدلا واسعا،ونقاشات حادة لاتكاد تنتهي حتى تعود مرة أخرى جذعة ،لتبدأ من جديد

تأديب الزوجة الناشز ….. وسوء الفهم .

يرى البعض بأن الضرب وسيلة لتأديب الزوجة الناشز، فيه ما يكفي لإهانة المرأة والفظاظة في معاملتها ونسف كرامتها الإنسانية من قواعدها، التي هي أساس حقوق الإنسان كما قرر ذلك القرآن نفسه ، في سورة الإسراء(ولقد كرمنا بني آدم )وكذلك وفقا للمواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان كما هو واضح في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وكذا الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان المعروف بإعلان القاهرة….الخ. هذا وقد جاء في المادة الرابعة من إعلان القضاء على العنف ضد المرأة أنه:” ينبغي للدول أن تدين العنف ضد المرأة وألا تتذرع بأي عرف أو تقليد أو اعتبارات دينية بالتنصل من التزاماتها بالقضاء به….”

إلا أن الفقهاء والمفسرين قد قرأوا إجراء الضرب في إطار تأديب الزوجة الناشز كما هو وارد في قوله تعالى من سورة النساء (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن،…. )على أنه إجراء إستثنائي لا يستعمل إلا مع حالات بعينها وفقط حين تخفق الوسائل السلمية الأخرى.

وفي إلتفاتة لطيفة من أحد المفكرين المسلمين مفادها أن هناك حالات انحراف نفسي ، لايجدي معها إلا هكذا وسيلة ، بحيث لايتحقق انسجام بين الزوجين إلا بعد حفلة من التلاسن الذي يتطور معه الأمر الى استعمال الأيدي، ومما يضفي على مثل هذه الحالات -وهي موجودة في الواقع- قدرا هائلا من الغرابة والطرافة ، أن الزوجة المعنفة هي نفسها من ترفض رفضا قاطعا أية محاولة للتدخل ولو من أقرب أقربائها، ولله في خلقه شؤون ،وهذا يذكرنا بما كتبه ألكسيس كارليل في كتابه الماتع “الإنسان ذلك المجهول” حيث جاء فيه أن الإنسان مخلوق غاية في التعقيد ومن غير الميسور الحصول على عرض بسيط له…….. وأن معرفتنا بأنفسنا مازالت بدائية في الغالب.

وعلى العموم يبقى هذا الإجراء إجراء إستثنائيا ، والآية الكريمة نفسها بترتيبها درجات وسائل التأديب تؤكد هذا الفهم .والدليل على ذلك أن الرسول الأكرم (ص) قد نهى الرجال عن ضرب أزواجهم فقال لهم موبخا :”لايجلد أحدكم امرأته جلد العير ثم يجامعها في آخر اليوم” وإن كان لابد من ذلك كما أسلفنا فضربا غير مبرح كما جاء في خطبة حجة الوداع “….وتضربوهن ضربا غير مبرح “.

ومن ثم يمكن الجزم بأن السنة القولية ضيقت المنافذ في وجه هذا الإجراء الخشن من خلال تشديده ( ص) النكير على الرجال الذين يضربون زوجاتهم كما هو واضح في الحديثين المشار إليهما آنفا.

وهذا بالضبط ما أكدته السنة الفعلية ،إذ كان النبي (ص) لطيف المعشر مع زوجاته لين العريكة ،بحيث كن يراجعنه الكلام بل ومنهن من كانت تخاصمه فلا تتحدث إليه اليوم كله ،ومع ذلك ما صدر عنه في حقهن أي شكل من أشكال العنف قط .

هذا وإن الزوجية في الإسلام مصونة بما يسمى حدود الله ،هذه العبارة التي تكررت ست مرات في آيتين اثنتين فقط من سورة البقرة ، ولهذا التكرار دلالته البلاغية ، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

وفي نفس السياق جاء في تفسير المنار:”الظلم آفة العمران ومهلك الأمم ، وإن ظلم الأزواج للأزواج أعرق في الإفساد وأعجل في الإهلاك من ظلم الأمير للرعية”
وفي ضوء ما سبق يتبين لنا أن العنف -بغض النظر عن الإطار والسياق الذي يرد فيه- يفسد الحياة الزوجية ويفقدها طابعها القائم أساسا على المودة والرحمة ،و اعتبار كل من الزوجين سكنا للآخر بالمفهوم القرآني وبهذا أخذ القضاء المغربي في كثير من القضايا فحكم بالتطليق للضرر.

لكن مما ينبغي التذكير به هو أن الإرتقاء بمؤسسة الزواج إلى الصورة النموذجية المنشودة والممكنة اعتمادا على التشريعات والقوانين بمفردها -مع ضرورة وأهمية هذه القوانين -هو أمر غير ممكن يقينا .

من هنا كان لابد من القيم والأخلاق لتحقيق المراد وبلوغ المرام ،ذلك لأن الخاصية الأخلاقية جزء من فطرة الإنسان ،أي إنه كائن أخلاقي بطبيعة تكوينه ، فلا غرابة أن خرج أحد القضاة البريطانيين عقب قضية من قضايا الفضائح المالية الشهيرة ليقول:”بدون قانون لا تنتظم أمة وبدون أخلاق لا يسود قانون وبدون إيمان لاتوجد أخلاق”
ولأمر ما ، إعتبر الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن أن “الحد الفاصل بين الإنسانية و البهيمية هو الأخلاقية وليس العقلانية” ومن ثم “فإن ضرورة الخلق للإنسان كضرورة خلقه سواء بسواء فلا إنسانية بغير أخلاقية”.

وهذا ما يتأكد لنا بشكل لا يرقى إليه أدنى شك عندما نستدعي تجارب مقارنة تتعلق بدول عريقة في الديمقراطية وحقوق الإنسان عامة ،والمرأة على وجه الخصوص ،.بل إن هذه المجتمعات تدعي الريادة في قيادة العالم أجمع في هذا المجال.

الزوجة والشريكة في مجتمع الحداثة.

نشر موقع (HUFFINGTON POST)الأمريكي إحصائية مثيرة بل صادمة ،مفادها أن الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في العراق وأفغانستان ما بين 2012/ 2001 بلغ 6488 ،في حين بلغ عدد النساء اللائي تعرضن للإغتيال في نفس الفترة الزمنية من قبل أزواجهن HUSBANDS أو شركائهن PARTENERS11766، أي ضعف رقم الذين قضوا في حروب الولايات المتحدة الخارجية.

كما نشرت “المنظمة الوطنية الأمريكية “من أجل المرأة المعروفة اختصارا NOW في إحصائية ،بأن عدد النساء اللواتي قتلن من قبل أزواجهن أو شركائهن سنة 2005 بلغ 1181 ،وذلك بمعدل ثلاث نساء في اليوم وأن النساء اللواتي يقتلن في الولايات المتحدة فإن ثلثهن يتم على أيد أزواجهن أو شركائهن .

أما جريدة الغارديان البريطانية ( THE GUARDIAN) فقد نشرت مؤخرا تحت عنوان :”الإرتفاع غير المعلن للعنف ضد المرأة في بريطانيا أنه بناء على دراسات وأبحاث جديدة ثبت بأن النساء يحصلن على نصيب الأسد من ظاهرة ارتفاع العنف في المجتمع البريطاني وأن العنف المنزلي (DOMESTIC VIOLENCE) إزدادت وتيرته منذ سنة 2009وأن هذه المعطيات الجديدة ،تناقض وتفند ما تدعيه التصريحات الرسمية من أن العنف ضد المرأة في تراجع مطرد منذ تسعينات القرن الماضي.

كما توصل فريق عمل بقيادة السيدةSYLVIA WALBY وهي مسؤولة في منظمة اليونسكو، و باحثة في قضايا النوع GENDER ،وكذا أستاذة علم الإجتماع في جامعة (لانكستر)، إلى ازدياد حجم جرائم العنف ضدالمرأة في كل من إنجلترا وويلز(ENDLAND AND WALES) وذلك ما بين1994 و 2014 .كما سجل المكتب الوطني البريطاني للإحصاء بخصوص سنة 2018 أن ما يقارب مليون ونصف امرأة بريطانية قد تعرضت للعنف المنزلي وسجلت الشرطة البريطانية في نفس السنة ما يفوق نصف مليون امرأة بريطانية قد تعرضت للعنف المنزلي مسجلة زيادة تفوق 20 في المائة مقارنة مع السنة الماضية ناهيك عن حالات أخرى لاتصل إلى علم الشرطة.

وفي ضوء نتائج هذه الدراسات والأبحاث ،يتأكد لنا ما جاء في قرار المجلس الإقتصادي و الإجتماعي التابع للأمم المتحدة المؤرخ في ماي1990 “بأن العنف ضد المرأة سواء في الأسرة أو في المجتمع ظاهرة منتشرة تتخطى حدود الدخل و الطبقة و الثقافة ….”

وجامع ما ننتهي إليه في هذه العجالة أن القوانين بمفردها غير قادرة كما أسلفنا على كفكفة موجة العنف ضد المرأة والحد من غلوائها ، ورحم الله شوقي حين قال :

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن
هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ومن بين الكلمات الأخيرة التي كان الرسول الأكرم (ص) يرددها قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى ،قوله : (الله الله في النساء) فلنحفظ الوصية جيدا ،وكل عام وأنت بألف ألف خير….يا سيدتي ….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *