ملف

“مملكة التناقضات.. المغرب في مئة سؤال”: هل السخرية من الدين ممكنة بالمغرب؟ (ح 43)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 43: هل السخرية من الدين ممكنة في المغرب؟

أصبح إدريس كسيكس، وهو صحفي وكاتب مسرحي بارز، رئيس تحرير مجلة “تيل كيل” الفرنكوفونية (“المغرب كما هو”) الذي تم إنشاؤها في عام 2001. وبعد “سنوات الرصاص”، تبدو الفترة مليئة بالوعود.

وفي عام 2006، تم تأسيس نظيرتها العربية “نيشان” وهي كلمة تعني بالدارجة المغربية “مباشرة نحو الهدف” وقد أثار ملف نشر في المجلة زوبعة كبرى وكان تحت عنوان “النكت، كيف يسخر المغاربة من الدين والجنس والسياسة”، وقد تضمن الملف نكاتا شعبية بالدارجة حول بعض المواقف الساخرة أو الشخصيات المعروفة وحول تناقضات المرجعية الأخلاقية للمجتمع المغربي.

وقد أثار هذا الملف عاصفة من الاحتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي في المغرب والخارج بما فيه الكويت ولكن القصر الملكي لم يعلق على الموضوع في البداية وهو آنذاك منشغل بمعركته ضد السلفية بمختلف أشكالها وهو يدرك جيدا أن الرأي العام، على الرغم من حبه السخرية في المجال الخاص، لا يمزح مع الشكليات والمتطلبات الدينية العامة.

قامت إحدى الهيئات التي تزعم أنها إسلامية بجمع الدعوات إلى القتل: “إخوتي، نحن لا نقبل اعتذارهم ونعرف أن من يرتد عن دينه وإيمانه لا يستحقون إلا شيئاً واحداً فقط هو الموت”. ومع ذلك، فإن مدير المجلة لم يخضع للمتابعة القضائية رغم أن النص المنشور وصف الصحفيين العاملين في تيلكيل ونيشان بأنهم “كافرون وملحدون وشواذ جنسياً ومخمورون”. 

قرر الوزير الأول آنذاك، إدريس جطو، حظر المجلة لمدة 12 يوماً، وأحيل الملف إلى المحكمة فتم استدعاء رئيس التحرير إدريس كسيكس وكاتب المقال أمام القاضي بتهمة “زعزعة الدين الإسلامي” و”نشر وتوزيع كتابات مخالفة للأخلاق”.

ووفقاً للوزير الأول فإن حجز المجلة ومتابعة مسؤوليها يستندان إلى “أحكام دستورية تكرس الإسلام كدين للدولة وتنص على دور الملك بصفته أمير المؤمنين وحامياً للعقيدة والدين”، ولكن أيضاً إلى “المساس بمشاعر الشعب”. وبعد المحاكمة، حُكم على الصحفيين بـ 80 ألف درهم (حوالي 8 آلاف يورو) وبسجن ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ. استقال إدريس كسيكس وغيّر مهنته بشكل جذري ولم يحدث احتجاج من المؤسسات أو الشخصيات الاعتبارية .

أعلن نور الدين عيوش وهو ناشط سابق من اليسار الجذري تحول إلى رجل أعمال، أنه يتضامن تضامنا مطلقا مع مجلة نيشان ومن جهته قال الناشط الحقوقي عبد الله زعزاع الذي لا يخفي قناعاته الجمهورية لصحيفة إسبانية: “المقدس لا يوجد في المجتمع. إنها مسألة شخصية ويجب أن نقبل أن ما يقدسة أحدنا يدنسه الآخر”. ولكن من يجرؤ على تحدي الحظر الأخلاقي المفروض على المجتمع من طرف السلطة والجماعات التي تتلاعب بها أطراف غامضة؟

 عندما يتعرض أحد أبرز الصحفيين في البلاد للتهديد وسوء المعاملة، ماذا عن الصحفي المبتدئ؟ يمكن للمغاربة بالتأكيد أن يسخروا من الدين بل حتى من الإسلاميين، هؤلاء الإخوان المنافقون ولكن لا مجال للتعبير عن ذلك علانية تحت طائلة السجن.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *