ملف

“مملكة التناقضات”: كيف تعامل المغرب مع كل التيارات الإسلامية؟ (ح 49)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 49: كيف يتعامل المغرب مع كل التيارات الإسلامية؟

المغرب يحكمه أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين الإسلامي. وبهذه الصفة يجب أن يظهر تسامحاً كبيراً تجاه جميع المسلمين، بغض النظر عن ممارساتهم. صحيح أن أمير المؤمنين احتكر العديد من الوظائف الإسلامية: سن الفتاوى، وتعريف الإسلام المغربي الذي يريده متسامحا ولكنه يحترم سلطته، وتعيين العلماء ومراقبتهم، والسيطرة على العدالة، وما إلى ذلك. ولكن على عكس البلدان العربية الأخرى، سواء الجمهورية مثل تونس أو الملكية مثل الإمارات، فالمغرب يتعامل بالغموض ويوصي بالتسامح ولكنه يحافظ على الحظر القانوني للشذوذ الجنسي أو الزنا أو الإجهاض.

لقد اعتمد المغرب مدونة جديدة للأسرة ذات طابع ليبرالي منذ عام 2004، ولكن القضاة يمكنهم غض الطرف عن تعدد الزوجات أو زواج الفتيات القاصرات في ظل ظروف معينة. والسلطة لا تخفي عداءها تجاه الإسلاميين لأنهم يزعمون منافسة الملك في مجاله الخاص الذي هو المجال الديني، لكن الملك لا يمنع تيار الوهابيين أو الإخوان المسلمين أو السلفيين.

فهو يتسامح مع جميع أشكال الملابس، ولا يحظر البرقع أو اللحى الكبيرة أو ارتداء القميص القصير بالنسبة للرجال ولا الحجاب بالنسبة للفتيات الصغيرات. وتمارس الشرطة، من خلال قواعدها ومراقبتها للمجتمع، حراسة يقظة لضمان احترام المسلمين لحظر الإفطار العلني في نهار رمضان ومنع بيع الخمور خلال الأعياد الدينية.

وهكذا، فإن عتبة التسامح بين الممارسات الإسلامية، بما في ذلك أشد الممارسات صرامة، هي عتبة عالية في المغرب، وهو أبعد ما يكون عن الحالة في بلدان أخرى. إن ما يهم القصر في هذا المجال أن يدافع أمير المؤمنين عن نهج صحيح للإسلام بطريقته الخاصة، لكنه يعرف ويقبل أنه دينٌ يمكن لأي شخص أن يفسره ويمارسه وفقاً لتأويله وقراءته وميولاته الخاصة.

وما لا يتسامح معه عند الإسلاميين والتيارات الدعوية للإسلام يتلخص في ثلاث نقاط رئيسية: عدم طاعة أمير المؤمنين؛ المزاحمة في إصدار الفتاوى والتدخل في المجال الديني المغربي الرسمي (خاصة تدبير المساجد)؛ والعنف بجميع أنواعه، سواء كان ذلك تحت غطاء فرض الأخلاق أو الأفعال الجهادية.

وهكذا فإن حقل الحلال والحرام والمقبول و المحظور محدد ومضبوط وما على الإسلاميين من مختلف التيارات إلا الامتثال والإعلان عن قبولهم أم لا لهذا الإطار المحدد. وإذا حاولت الحركات الراديكالية جميعها أن تتخلص من إطار السلطة فإن الثمن الذي يجب دفعه مرتفع جداً بسبب قمع الشرطة، بحيث إن لها جميعاً مصلحة موضوعية في احترام ذلك الإطار.

وكان هذا هو الحال على التوالي مع جماعة الإخوان المسلمين، التي أصبح ورثتها في نهاية المطاف على رأس الحكومة، ثم السلفيين والوهابيين، الذين عادوا إلى بيت الطاعة تحت تأثير القمع السعودي والمغربي بعد عام 2003، لكن ثلاث تيارات تقاوم هذا الإطار. أولاً، الشيعة، الذين لا يتسامح معهم القصر، لدرجة أن المغرب قطع علاقاته مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأن موجات القمع (مثل تدمير المكتبات) تلاحقهم باستمرار.

ثم هناك السلفيون الجهاديون، الذين تعرضوا لاعتداءات أسبوعية من طرف أجهزة مكافحة الإرهاب المغربية على مر السنوات، والذين يقبع منهم عدة مئات (أو حتى آلاف) في السجن. وأخيراً، جماعة العدل والإحسان، التي لا تنادي بالعنف بل بتزكية النفوس ولكنها لا تتعرض للقمع العنيف بل لمراقبة مستمرة من طرف الشرطة كما أن كل مطالبها بالحصول على الوثائق القانونية ترفضها السلطات.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *