وجهة نظر

“هيومن رايتس ووتش” التي لا تستحي

"في الرد المختصر عن تقريرها الأخير"

عادت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها الجديد حول الصحراء المغربية، إلى الغناء على نفس الوثر الذي دأبت على اغترافه من رواية الانفصاليين وإعلامهم البائد. وهاجمت المنظمة المغرب بكل ما أوتي لها من قوة خيال وافتعال وبوليميك يفتقد لأبسط مناهج التحليل الخبري والحياد المعلوم في أدبيات الحقوق الدولية.

ونشرت “هيومن رايتس ووتش”، تقريرها المبرمج بالدولار الاستخباراتي الجزائري، حكايات ملفقة من هنات قلمها المتغطرس، تدعي من خلاله أن “المغرب ضيّق الخناق على “انفصاليي الداخل”، بعد حادثة وقعت عند معبر حدودي يوم 13 نوفمبر 2020”.

وادعت المنظمة أن “الحادثة بعثت نفسا جديدا في الصراع المتعثر منذ عقود بين المغرب و”جبهة البوليساريو”، …. حيث “فرّقت قوات الأمن بعنف مظاهرات “انفصالية”، كما ضايقت وضربت واعتقلت نشطاء عديدين، وهاجمت منازلهم”. تزحف روايتها حبوا لتلتقط قصصا من أعاجيب الدهر زمن كورونا الذي سباها إلى التخريف والتخندق.؟

وأظهرت المنظمة وجهها المكشوف، بعد أن قفزت مباشرة إلى ما نغص عليها أحلام الاستزادة من أموال مخابرات الجزائر، قائلة ودون حياء أن “اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء المغربية يوم 10 ديسمبر لا يغيّر وضعها في منظومة الأمم المتحدة كإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي”.

وفي حين، بدا للرائي كيف تتمطط اختزالات صاحبة التدليس والقحط الأخلاقي، شمر عرابها إريك غولدستين عن ساعديه، وهو بالمناسبة مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونطق بما يسفه أحلام مخيلته، قائلا : “قد تتواجه قوات المغرب والبوليساريو في خلافات حدودية وديبلوماسية، لكن ذلك لا يبرّر قمع المغرب للمدنيين الصحراويين الذين يعارضون الحكم المغربي سلميا”. في إشارة إلى استمرار تبنيه لنفس الخطاب المثير للشفقة، والذي ينهل دوما من قاموس الكراهية والحقد الأعمى الذي تطبعت به مولاته المنظمة ومن ورائها البوليس الاستخباراتي الجزائري، الذي يحدد له الدور والهدف.

كيف لمسؤول منظمة تدعي الحيادية والاستقلال النظري في شؤون وقضايا حقوق الإنسان الدولية، أن يصدر أحكاما معيارية في قضية معقدة، يمتزج فيها التاريخي بالسياسي، والأنثروبولوجي بالديني، ويدعي زورا وبهتانا، ويأفك بكون الخلاف الديبلوماسي هو جزء من مكون الخلاف في القضية إياها؟

وقبل أن تعيد صياغة أفكارك، في مقابل الغبش الذي حاق بمنظومة الزيف في رواية منظمة الشؤم، يصدمك مقطع جديد من التقرير الغافل والخائب، بالقول إنه “في أواخر أكتوبر ، قطع مدنيون صحراويون طريقا تربط الصحراء المغربية بموريتانيا عبر منطقة عازلة عرضها خمسة كيلومترات. من جهة الصحراء المغربية، حافظ المغرب منذ مدة طويلة على معبر الكركارات الحدودي، وهو ما تعتبره البوليساريو انتهاكا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين الطرفين سنة 1991.

في 13 نوفمبر، أجْلَى الجيش المغربي المدنيين من المنطقة العازلة دون التسبب في إصابات أو اعتقالات. اعتبرت البوليساريو هذه العملية بمثابة انهاءً فعليا لوقف إطلاق النار، وتعهدت بـ “استئناف الحرب”. لم تحدث مواجهات مسلحة ذات اعتبار منذ ذلك الحين”.

ولن تمر هذه الوقيعة العرقوبية النافقة في سخيم التخريف، دون المرور على أدق تفاصيل الحدث، صحيحا كما تناقلته كل وسائل الإعلام الدولية، خلال الفترة العصيبة التي مر منها المغرب وهو يضبط النفس، لمدة سنوات، قبل أن يشرع في إعادة الوضع إلى ما كان عليه. وليس بخاف على أحد، حتى راعي حركة الانفصال الجارة الجزائر، كم تكبدت الحدود المغربية الموريتانية من خسائر، على المستوى الاقتصادي والديبلوماسي، قبل أن يقرر المغرب، وبطريقة احترافية تنحية المرتزقة من معبر الكركارات.

على من تكذبي يا مصنعة الوهم الحقوقي؟ وكيف تتورطين في تقشير بصل أسيادك، وأنت تنعقين بما ليس حقيقا بالنظر والمنظق؟ . أدعوك لإعادة قراءة كرونولوجيا ما قبل أحداث الكركارات وطريقة معالجة المغرب لها قبل إغلاق الموضوع للنهاية.

وتعود المنظمة في تقريرها نفسه، إلى تقريع المغرب من جديد، والحديث بالوكالة عن البوليساريو، غير آبهة بالضمير المهني وبالوظيفة التي أسست الهيئة مرجعيتها وفقا للقانون الدولي المدني، الذي يرفض التدخل في المصالح العليا للدول العضوة في الأمم المتحدة، قائلة : “لطالما فرضت السلطات المغربية منعا قويا لأي مظاهرات معارِضة للحكم المغربي في الصحراء المغربية، ومنعت تجمعات مؤيدة لتقرير مصير الصحراويين، وضربت النشطاء في مخافر الشرطة والشوارع، وسجنتهم وأصدرت أحكاما ضدّهم في محاكمات شابتها انتهاكات لسلامة الإجراءات، بما في ذلك التعذيب، وأعاقت حريتهم في التنقل، ولاحقتهم بشكل علني. أفادت تقارير أن مثل هذه الممارسات جرت مجددا بعد حادثة الكركارات”. أليس من التلفيق تعطيل آلية رصد هذه الهرطقات، لمجرد السماع لرواية شياطين الحبكة في الزوايا المظلمة، وتحت مجال ترويجي بروباغندي، يحول الظالم إلى مظلوم، والعاق إلى مصلح ومناضل؟

مؤسف أن تنجر منظمة ك””هيومن رايتس ووتش” لمثل هذه الألاعيب الأباطيل، وهي تكتبها بقلمها، وتفتعلها بأسافينها، دون وضع أولويات الرصد والمكاشفة، وتحديد النظم الكفيلة بتحقيق العدالة الحقوقية، التي تزعم الانتماتء إليها.

ويأتي بعد ذلك، سيل من الاتهامات للأمن الوطني، الذي قام بواجبه تجاه ساكنة مدينة العيون، من توفير الأمن والسلم الاجتماعيين، كما هو مرسوم له تماما. وتحركت آلية المنظمة، لتشويه الحقائق المبصرة، في موضوع تفريق وقفة لخمسة أفراد من بوليساريو الداخل، موجهة كل عبارات السلخ والتعنيف اللفظي تجاه السلطة العمومية، في 13 نوفمبر.

كما لم تخف المنظمة الكذابة، استعانتها بالبوق الانفصالي، وهي تروي أحداث العيون بلسان ما أسمتهم “مجموعات نشطاء صحراويون”، حيث انبرت إلى طرح معادلة الحق بالباطل، وما يخيفها من تحقيق الجزء الأول منه على أرض الواقع، اسمعول لها وهي تحفر في وعاء انتقامها الشوفيني : “..أحداث مماثلة في نفس الفترة في مدن السمارة والداخلة وبوجدور. الاحتجاجات التي قُمعت بعنف كانت في معظمها سلمية، مع تسجيل حالات معزولة لإلقاء الحجارة على الشرطة، لا سيما في العيون. في المقابل، سمحت السلطات بمظاهرات واسعة في الصحراء المغربية احتفالا باعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الإقليم يوم 12 ديسمبر”.

وقبل أن تسترجع أنفاسك، وتقبل على تمزيق تقرير مليء بالمغالطات وتزييف الوقائع، ينتقل كذابو الحقوق الدولية، إلى قصة الطفلة حياة الذيّا (12 عاما) مع رجال الشرطة. تحكي عن اضطهادها وتعنيفها وإذلالها، في 16 نوفمبر ، بمركز للشرطة بعد أن أفاد أحد موظفي المدرسة بأنها كانت ترتدي سترة شبه عسكرية وقد خيط فوق زيها المدرسي شعار يمثل خرقة الوهم.

وفي سرعة البرق، تضع هيومن رايتس ووتش يدها على الزناد، فتقتل آخر شعرة تربطها بالقانون الدولي. إسفاف وتدجين وإشباع غرائزي فاضح لهويتها الحقيقية. إنها آلة التقويض والاحتيال، ومدبرة من مدبرات عصر العولمة الامبريالي، الذي يقلب التاريخ وبحطم الأخلاق الإعلامية والحقوقية، ويؤسس للأساطير المهشمة لروح التعايش والسلم الاجتماعي والنفسي للحضارات.

بمرة أخرى تجهد منظمة الكذب نفسها لتتحدث عن رواية مخدومة، مجافية للوضوح واستعادة الذهن والتعقل ومنطق الحق.

لا يمكن أن نغالط حقيقة من كانوا يشهدون واقعة التلميذة التي خالفت النظام المؤسساتي التعليمي. وبإزاء ذلك، لا يمكن مقارعة الحجة بالحجة، دون تحديد سياقات الواقعة التي هزت مشاعر المغاربة في كل مدارس المملكة، وبالعيون خاصة.

هل يستقيم الأمر أيتها العازفة على وثر الفرقة والفتنة.. التي هي أشد من القتل نفسه؟ قتل الحقيقة طبعا.

ولكي تصل إلى مبغاها اللصيق بترهات تزييف الحقائق والجلوس على أنقاضها، تمزج منظمة الكذابين سردياتها الغارقة في السحت والتمطيط، بتوابل أخرى، ظلت إحدى أهم هواجسها سنوات، من قبيل أن تقول مثلا “تُعرقل السلطات المغربية بشكل منهجي عمل الجمعيات المدافعة عن “الانفصال”، ـ وهو ما دعا السلطة القضائية إلى فتح تحقيق قضائي بشأنه “أعلن وكيل الملك في العيون عن فتح تحقيق قضائي في “أنشطة (تهدف إلى) المس بالوحدة الترابية للمملكة”. في نفس اليوم، حاصرت الشرطة منازل ستة من أعضاء المجموعة الجديدة، بما في ذلك حيدر…

إن أكاذيب “هيومن رايتس ووتش”، لا تزال الأقرب إلى ما أسميه “جنون الاستبداد الحقوقي الممنهج”. منظمة تدعي المصداقية والحياد في مقاربة شؤون وقضايا الحقوق الدولية، طبقا للقانون الدولي وأدبياته. وهي الأبعد عن تقليم أصابع رجليها، وتنظيف ماخور ارتدادها عن المبادئ الأسمى لميثاق الأمم المتحدة، بما فيها مجلس حقوق الإنسان، والهيئات المنشأة بموجب المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان والمؤلفة من خبراء مستقلين مكلفين برصد مدى امتثال الدول الأطراف لالتزاماتها التعاهدية. وتتلقى معظم هذه الهيئات دعماً بخدمات الأمانة من مجلس حقوق الإنسان وشعبة المعاهدات في المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

لا ألبي رغبتي اليوم في احتقار منظمة تدعي وتجحف، ولو أهدرت مدادي الساعة لقول شيء لا يصدق إلا على من ألبسته جبة القطيعة والتجاهل.. وأحيانا الشفقة والدعاء بالتوبة. لكنني، أذكر بالمقولة الشهيرة: ليس أحقر من احترام مبني على المداهنة.  فإنني بذلك، لا أرى نفعا من محاججتها، وهي المعيبة في أخلاقها وعفة طباعها.

أفضل أن نعيد صياغة تربيتها، بالتسامح وطيب اللين، فإني أومن بالتسامح، أخلاق الشجعان، الذين لا يخشون السلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *