ملف

“مملكة التناقضات”: هل المغرب من بين الدول الأكثر إيكولوجية في العالم؟ (ح 68)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 68: هل المغرب من بين الدول الأكثر إيكولوجية في العالم؟

نظراً لقلة قدرته الإنتاجية ومساحته الكبيرة، فإن المغرب هو البلد الثاني في العالم في ترتيب “يوم التجاوز” الذي أنشأته الشبكة العالمية للمنظمات غير الحكومية فوتبرينت. وبعبارة أخرى، إذا عاشت جميع بلدان العالم على هذا النحو، فإن البشرية ستستخدم إلى حد كبير ما تنتجه الطبيعة سنوياً بطريقة مستدامة.

وسيكون هذا الأمر حميداً للغاية لأن البشرية استنفذت في عام 2018 مواردها السنوية اعتباراً من تاريخ فاتح غشت، هذا السلوك الفاضل يضع المغرب في المقدمة أمام مالي وخلف الفيتنام رقم واحد. ويصل هذا الأخير إلى “يوم التجاوز” في 20 ديسمبر، والمغرب في 16 ديسمبر. وبالمقارنة مع الجزائر (8 سبتمبر) أو فرنسا (5 مايو) أو الولايات المتحدة (14 مارس) أو آخر دولة في العالم، قطر (9 فبراير)، فإن المغرب هو أحد البلدان القليلة في العالم التي لا تتجاوز تقريباً حصتها من الموارد الطبيعية.

هذا هو يوم تجاوز الموارد الطبيعية التي يمكن أن تنتجها الأرض في السنة. وهذا لا يمنع المغرب من الاستغلال المفرط لتنوعه البيولوجي، على نفس مستوى الولايات المتحدة أو تركيا، مع وجود بصمة تتجاوز رصيده بنسبة 127%. ولكن بالمقارنة مع كل استهلاكه، يبقى المغرب بلداً غير مفرط.

غير أنه، بدلا من أن يفتخروا بهذا التصنيف العالمي، فإن الحاكمين في المغرب يدركون أن هذا الإنجاز يحجب الفقر وضعف الاستهلاك عند أغلبية الناس، الذين لا يستهلكون التدفئة أو النقل أو اللحوم أو السلع المادية الضئيلة جدا؛ أما بالنسبة للأسماك، التي هي من أكبر الموارد الوطنية بفضل 3000 كلم من الشواطئ السمكية إذا أدمجنا الصحراء، فإن انخفاض استهلاكها يرجع إلى حقيقة أن المغاربة لا يحبون السمك كثيرا.

وإذا تسارع معدل النمو في المملكة في السنوات المقبلة، فليس هناك شك في أن استهلاك المنتجات الطبيعية سوف يرتفع بسرعة لأن الموارد الطبيعية في تدهور متسارع. وهذه الظاهرة تسمح بها ثلاثة أسباب متفاعلة: الاحترار العالمي، الذي يفاقم من نقص المياه في الجنوب، والضغط على الموارد بسبب النمو السكاني والاقتصادي، واستغلالها في كثير من الأحيان بشكل عشوائي وحتى مافيوزي.

وفي الواقع، بدأ تغير المناخ، بآثاره على القطاع الزراعي، يلقي بثقله على الاقتصاد الوطني. أصبحت السهول الزراعية الكبرى في الجنوب، التي تُفرط في استغلال المياه، تتجه نحو غياب الخصوبة الفلاحية (سوس والحوز)، وهي ظاهرة دفعت إلى البناء المقبل لمحطة عملاقة لتحلية مياه البحر في سوس لصالح الفلاحة التصديرية. وعلاوة على ذلك، فإن الأراضي الصالحة للزراعة تتعرض لضغوط: معدل مساحة الضيعة الزراعية المغربية يبلغ 2.3 هكتار (مقارنة بـ 5.2 هكتار في تونس و14.1 في إسبانيا)، وهذا ما يكثف من الضغط على الموارد المائية (زراعة الدلاح والبطيخ والحوامض).

بين متطلبات السياحة وملاعب الغولف وتوسيع المدن والحدائق والضغط الزراعي والاحترار وما إلى ذلك، انتقل حجم المياه المتاحة من 1185 لترا للفرد في عام 1999 إلى 700 لتر اليوم، غير أن التصحر يتفاقم في الجنوب بسبب تآكل التربة وملوحتها وإزالة الغابات، وهو ما يعزى إلى عدم كفاية الأمطار التي تزيد من تفاقمها أعمال النهب التي تقوم بها جماعات المافيا بينما الموارد تتناقص. وينطبق الشيء نفسه على رمال الشواطئ أو على نخيل الواحات التي تقتلع بطريقة فوضوية ومفرطة.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *