منتدى العمق

حديث الكساء .. بجدة الأمر

حديث الكساء

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد: يقول الحق جل وعلا ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً ) وبعد نزول الآية كانت واقعة حديث الكساء وهو حديث مختلف في معناه بين أهل السنة والجماعة وشيعة أهل بيت رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وقد روي الحديث الشريف بألفاظ متعددة ومتقاربة منها ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي الكريم صلى الله عليه وآله ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ببيتها على منامة له عليه كساء خيبري، فجاءت فاطمة رضي الله عنها ببرمة فيها خزيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ادعي زوجك، وابنيك، حسناً، وحسيناً، فدعتهم فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ” فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بفضلة ازاره، فغشاهم إياها، ثم أخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السماء، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، فاذهب عنهم الرجس، وطهرهم تطهيراً، قالها ثلاث مرات. قالت أم سلمة رضي الله عنها: فادخلت رأسي في الستر فقلت: يا رسول الله وأنا معكم فقال: إنك إلى خير مرتين)

وأخرج الطبراني عن أم سلمة رضي الله عنها أن الرسول الكريم قال لفاطمة الزهراء ( ائتني بزوجك وابنيه، فجاءت بهم، فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم كساء فدكيا، ثم وضع يده عليهم، ثم قال: اللهم إن هؤلاء أهل محمد – وفي لفظ آل محمد – فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. قالت أم سلمة رضي الله عنها: فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي وقال إنك على خير)

وأخرج ابن مردويه والخطيب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال ( كان يوم أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، فنزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية ” إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ” قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن، وحسين، وفاطمة، وعلي، فضمهم إليه، ونشر عليهم الثوب. والحجاب على أم سلمة مضروب، ثم قال ” اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. قالت أم سلمة رضي الله عنها: فانا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت على مكانك، وإنك على خير)

اعتقد وقال مراجع إخوتنا الشيعة أن لفظ الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه ” اللهم هؤلاء أهل بيتي…” يفيد الحصر فأخرجوا أمهات المؤمنين أزواج النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه من أهل البيت متناسين سياق النص القرآني حيث أن الحديث كان عن أزواج الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، في حين رد عليهم الإمام القرافي رحمة الله عليه بالقول أن قول الرسول الكريم لأم سلمة “إنك على خير” أو “إنك إلى خير” أو “أنت على مكانك وإنك على خير” كان من باب التأديب إذ أنه من غير اللائق أن يدعو العبد بتحصيل ما هو حاصل اللهم إلا إذا استزاد وقد سبق ونالت سؤلها عند نزول آية التطهير، ورد الإمام القرافي واه لأنها رضوان الله عليها قد استزادت لأن معنى آية التطهير ليس بالضرورة أن الله قد أذهب عنها الرجس وطهرها تطهيرا، بل المعنى أن الحق سبحانه يريد أن يذهب عنهن الرجس ويطهرهن تطهيرا إن هن لم يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى وإن هن أقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله، وقد شاءت أم سلمة أن تستزيد وتطمئن بأن دعاء النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه ربه المجيب يشملها هي كذلك، ولا بد لنا أن نسأل لم أبقاها الرسول الكريم خارج الكساء ولم لم يجبها أنها منهم ومعهم؟ وبعد تأمل وتدبر وبعد عودتي للمراجع اللغوية المعتمدة وجدت العرب تقول “أهل فلان” و”أهل الدار” – ولكم أن تعودوا إلى المراجع اللغوية المعتمدة – ولم يدرج بين العرب لفظ “أهل بيت فلان” يريدون به “أهل فلان” إلا بعد مجيء الإسلام وبعد أن وضعه الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه اصطلاحا وأراد له معنى محددا ومفهوما ضيقا فجعل بعده العرب الإصطلاح من اللغة واستعملوا اللفظ ودرج بينهم بمعنى أوسع، وقد استوقفني الأمر فوجدته واضحا جليا ووقفت بفضل الله على حل المسألة الذي يرضي أهل السنة والجماعة وتقر به عيون شيعة أهل بيت رسول الله، كيف يكون التقريب والوفاق؟ أجيب: لا بد لنا من التفريق بين اللغة والإصطلاح، لا بد لنا من الفصل بين ثلاثة ألفاظ متشابهة ومتداخلة المعاني وهي: “أهل البيت” و “أهل بيت رسول الله” و “أهل رسول الله”، فأما الأول “أهل البيت” هو اصطلاح قرآني ذكر في موضعين اثنين من القرآن الكريم، جاء في قوله تعالى ( قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ) وجاء في آية التطهير ( إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً ) فكان بذلك سيدنا إبراهيم وابنه اسماعيل عليهما الصلاة والسلام وزوجه هاجر وذرية سيدنا إسماعيل كلهم من أهل البيت واللفظ اصطلاح قرآني كما سبق وقلت، كما أن أزواج النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه وذريته من أهل البيت.

وأما اللفظ الثاني “أهل بيت رسول الله” فهو اصطلاح نبوي وضعه الرسول الكريم قصد التعيين والتخصيص فجعل أهل بيته هم فقط من دثرهم بالكساء، هم حصرا فاطمة الزهراء وزوجها علي وابنيها الحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين، وأما ذرية الحسن والحسين ليسوا من أهل بيت رسول الله ولنا على ذلك شواهد حيث أن من ذريتهما البر والفاجر والمؤمن والفاسق ويبقون من أهل البيت ومن أهل رسول الله لأن دعاء النبي صلى الله عليه وآله مستجاب وقد دعا للأربعة الكرام فقط… ويدعم منحاي ما أخرجه ابن جرير والحاكم وابن مردويه عن سعد قال ( نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فادخل علياً، وفاطمة، وابنيهما تحت ثوبه، ثم قال اللهم هؤلاء أهلي، وأهل بيتي) وبالحديث فصل بين أهل بيته عليه الصلاة والسلام وأهله والمعنى أنه بعدما كان الأربعة من أهله ومعهم أزواج النبي الكريم وكل بنيه خصهم هم الأربعة فقط بأن جعلهم من أهل بيته ودعا لهم بالتطهير وإذهاب الرجس…

ويدعم قولي أيضا ما رواه ابن مردويه عن أم سلمة قالت ( نزلت هذه الآية في بيتي ” إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ” وفي البيت سبعة: جبريل، وميكائيل عليهما السلام، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، رضي الله عنهم، وأنا على باب البيت، قلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال: إنك إلى خير، إنك من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم).

والمعنى أن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه قد أخرجها من أهل بيته وأبقاها مكانها خارج الكساء إلا أنه حفظ لها صفتها كواحدة من أهله وأزواجه.

بقي أن أشير إلى أن بعض علماءنا في ردهم على علماء شيعة أهل بيت رسول الله في قولهم أن اللفظ النبوي ” اللهم هؤلاء أهل بيتي ” يفيد الحصر وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليه هم فقط من ضمهم الكساء، احتجوا بقوله تعالى ( قَالَ إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ ) وقالوا لا بد أن سيدنا إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه سبق ونزل عنده ضيوف وضيوف وسيستقبل ضيوفا آخرين في مقبل الأيام وليس فقط ضيوفه من حلوا عليه يومئذ وبالتالي عندهم اللفظ النبوي ” اللهم هؤلاء أهل بيتي ” لا يفيد الحصر، وحجتهم عندي واهية وهي هفوة كلامية لساداتنا !! كيف يكون؟ لأن صفة الضيف تسقط وتفقد بمجرد انتهاء مدة الضيافة وضيوف اليوم سيصيرون بعد رحيلهم ضيوفا سابقين، وضيوف الغد هم ضيوف المستقبل ولم يصيروا بعد من الضيف، بخلاف الإنتساب إلى أهل بيت رسول الله قار وثابت وأهل بيته هم أهل بيته صلوات الله وسلامه عليه سواء غابوا أم حضروا فكانت بذلك عبارة ” اللهم هؤلاء أهل بيتي ” تفيد الحصر…

وأخيرا تكون الخلاصة:

– “أهل البيت” إصطلاح قرآني شمل سيدنا إبراهيم وزوجه هاجر وابنه اسماعيل وذريته، وكدا رسولنا الكريم وجميع أزواجه وبنيه.

– “أهل بيت رسول الله” إصطلاح نبوي وأهل بيت رسول الله هم فقط الأربعة الكرام فاطمة وعلي والحسن والحسين رضوان الله عليهم أجمعين.

– “أهل رسول الله” هذا من اللغة وهم كل أزواجه وذريته صلوات الله وسلامه عليه، وبالتالي إن نحن فصلنا بين الألفاظ الثلاثة صرنا إلى التوافق مع ما يعتقده شيعة أهل بيت رسول الله ورفع الخلاف وهذه أول خطوة على طريق طويل… هذا والله تعالى ورسوله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *