ملف

“مملكة التناقضات”: لماذا سمعة الجامعة المغربية سيئة في بلادها؟ (ح 79)

الامتحانات الجامعية

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 79: لماذا سمعة الجامعة المغربية سيئة في بلادها؟

إن التصنيف الدولي السنوي المعروف باسم “شنغهاي” يثبت أنه لا توجد جامعة مغربية تنتمي إلى أفضل 1000 جامعة في العالم ولا توجد ضمنه جامعات جزائرية، من ناحية أخرى، هناك واحدة تونسية وخمسة مصرية.

وهذا التصنيف الذي يفضل المؤسسات التي لديها أعلى مرتبة في مجال البحث، يطيح بالجامعات المغاربية الشابة التي تكون إمكاناتها متواضعة، والتي غالبا ما يتركها الفائزون فيها حرصا على مسيرة مهنية رائعة. إنها معضلة كبيرة مليئة بالتناقضات.

ولكن أبعد من ذلك، إذا لم يبرز أي بلد أفريقي، باستثناء جنوب أفريقيا (ثماني جامعات من أصل خمسة عشر في أفريقيا) ومصر، فإن الجامعة المغربية لديها سجل مختلف. المغرب بلد حيث الجامعة الوطنية لازالت شابة (1959) وصغيرة الحجم: حتى منتصف 2010، كان عدد الطلاب يقترب من حوالي 400،000.

ثم بدأ عدد الطلاب في النمو ليصل إلى أكثر من 700,000 في عام 2018، مع 38,000 طالب إضافي في الجامعات الخاصة وأكثر من 100,000 في 270 من المدارس والمعاهد الكبرى المتخصصة (كليات الهندسة، كليات إدارة الأعمال، مدارس الأطر الحكومية، إلخ.(

ولذلك فإن المغرب يقترب من مليون طالب، وهو هدف تفتخر به السلطات، التي تدرك النقص الهائل جدا في عدد الطلاب في البلاد. ولكن في حين أن هذا العدد يبلغ أربعة أضعاف العدد المسجل من عام 2009 إلى عام 2018، إلا أن عدد الأساتذة الباحثين لا يرتفع بنفس الوتيرة.

ولا يزال المغرب لا يمنح إلا 100 ألف دبلوم سنويا، وهو ما يفشل الاقتصاد الوطني من استيعابه. وغالبية التكوينات في الشعب الأدبية والقانونية واللغة العربية والاقتصاد، وأصحابها يتوجهون إلى الوظيفة العمومية، بينما التكوين العلمي وهو أكثر انتقائية – المهندسون أو علماء الكمبيوتر أو الأطباء – فأصحابه يفضلون الدراسة في الخارج.
كما أن التقدم الملحوظ يجب وضعه في منظوره الصحيح، حيث إن زيادة الإشراف على الطلاب وما ينتج عن ذلك من انخفاض في التخرج يعني ارتفاع معدل الهدر الجامعي

فالأجيال الحالية تضم أكثر من 600,000 فرد و5 إلى 10% فقط هم من خريجي التعليم العالي. الجامعة المغربية تدفع لأساتذتها مرتبات جيدةً، لكنهم قليلون ويتقدمون في السن وغير راضين عن ظروف عملهم ويتوزعون في جميع أنحاء البلاد، مما يؤدي إلى التشتت حيث توجد ثلاث عشرة جامعة وطنية عمومية.

وتزداد ميزانية التعليم العالي (بزيادة 5.3% في عام 2019)، ولكنها لا تتجاوز إلا قليلاً رقم مليار يورو، أو أقل من 1% من الناتج الداخلي الخام، وهو رقم غير كافي.

وبما أن بعض الطلاب يحصلون على عدة شهادات فإن عدد الشهادات الممنوحة يتجاوز عدد الخريجين وغالبيتهم تستوعبهم مدارس التعليم الحكومية ذات الإمكانيات الضخمة أو من طرف التعليم الخاص الذي يحاول أن يجد له موقع قدم في أحد القطاعات الأكثر ربحية بمباركة السلطات حيث توجد سبعة جامعات خاصة أو ذات تدبير خصوصي.

تحافظ كليات التدريس والهندسة على مستوى علمي جيد، ولكنها تخرج عدداً قليلاً جداً من الأطر، وكثير منهم، مثل علماء الكمبيوتر، ينجذبون إلى سوق العمل الفرنسية. وأخيرا، فإن كليات القانون هي أفضل تصنيفا من كليات الآداب وتظل هي الأكثر اكتظاظا.

في النهاية، لا تزال الجامعة المغربية تشكو من نفس العلات القديمة مثل مسألة اللغات – حتى لو كان تحسين تدريس اللغة الفرنسية في المدرسة الثانوية منذ عام 2018 قد يوضّح الأمور – أو الإضرابات اللامتناهية التي تشل العديد من الفروع أو القطاعات. في 2018-2019، نظم طلاب الطب إضرابات طويلة أثرت بشدة على تكوينهم.

في بعض الكليات، مثل كلية الآداب بمدينة فاس، تعتبر هذه الاحتجاجات وسيلة متكررة للتعبير عند الطلاب اليساريين المسيسين في صراعهم مع النشطاء الأمازيغ وهو ما يعيق هيكلياً القدرة على توفير المعرفة وإصدار شهادات ذات جودة.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *