وجهة نظر

هل نؤسس لمرحلة جديدة عنوانها ثقة المواطنة والمواطن في جماعتهما؟

أحمد بلمختار منيرة

نحن مقبلون على الانتخابات الجماعية في المنتصف الثاني من السنة الجديدة. ولن ينكر إلا ناكر عزوف نسبة مهمة من المواطنين والمواطنات، وخاصة الشباب، عن التصويت والمشاركة في الاقتراعات السابقة. ومرد ذلك حسب العديد منهم إلى تدني منسوب الثقة في مدبري الشأن المحلي.

يفرض هذا الواقع المقلق، على الدولة دعوة الخبراء في علوم السياسة والنفس والاجتماع والتواصل لدراسته بعناية وتجرد، وتقديم التوصيات والإجراءات العلمية لتمكين الجماعات من بناء مرحلة جديدة، تصحيحية، عنوانها ثقة المواطن في جماعته. ولرفع التحديات الجسيمة التي فرضتها، ومازالت تفرضها جائحة كورونا، وما قبلها، وما سيأتي بعدها أعظم على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

فأي دور للجماعات؟ ولماذا تدنى منسوب ثقة المواطن (ة) فيها؟ وكيف السبيل إلى تحقيق هذه الثقة؟ أسئلة من بين أخرى ربما أكثر أهمية بالنسبة للقارئ، تستفز الباحث والإعلامي وكل مهتم بالشأن المحلي. وهي تحتاج إلى مقاربات شمولية من لدن مختبرات الجامعات ومراكز الدراسات التي كثر عددها، لكن ذلك لا يمنعنا من الإدلاء بالرأي دون ادعاء لامتلاك الحقيقة.

دور الجماعات في ضوء القانون المنظم لشؤونها:

ينص القانون التنظيمي للجماعات رقم 113.14 على أن الجماعة داخل دائرتها الترابية تناط بها مهام تقديم خدمات القرب للمواطنات والمواطنين. وتشكل هذه الخدمات، التي تهم ساكنة تراب الجماعة، الاختصاص الحصري للجماعات.

وتنص المادة 83 من القانون ذاته على أن تقوم الجماعة بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية اللازمة لتقديم خدمات القرب لسكان الجماعة في مجموع الميادين نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء.، النقل العمومي الحضري.، الإنارة العمومية.، التطهير السائل والصلب ومحطات معالجة المياه العادمة.، السير والجولان وتشوير الطرق ووقوف العربات.، حفظ الصحة.، نقل المرضى والجرحى.، نقل الأموات والدفن.، المحطات الطرقية لنقل المسافرين(…).

ومن أهم الاختصاصات الذاتية للجماعات ويقصد بها الاختصاصات الموكولة إليها قانونيا والمسؤولة عن تنفيذها، وضع برنامج عمل الجماعة، تحت إشراف رئيس كل مجلس جماعي. وتعمل كل جماعة على حدى على تتبعه وتحيينه وتقييمه. ويحدد القانون التنظيمي للجماعات والمرسوم الذي يشرح ويوضح مقتضياته كيفيات إعداده وتتبعه وتحيينه والمصادقة عليه.

وحسب المرسوم رقم 2.16.301 الصادر في 23 من رمضان 1437 الموافق ل 29 يونيو 2016: ” يعد برنامج عمل الجماعة الوثيقة المرجعية للجماعة لبرمجة المشاريع والانشطة ذات الأولوية المقرر أو المزمع إنجازها بتراب الجماعة بهدف تقديم خدمات القرب للمواطنات والمواطنين”. وهو يتميز بتحديده لتفاصيل التدبير الزمني لتصبح هذه الوثيقة من جهة، قابلة للتنفيذ في الوقت المحدد لها قانونيا. ومن جهة ثانية، المرجع الأساسي في عملية المراقبة التي تقوم بها الهيئات الموكول إليها هذه المهمة قانونيا مثل المجالس الجهوية للحسابات والمفتشية العامة للإدارة الترابية.

إن برنامج عمل الجماعة، والتدخل عن طريق المرافق والتجهيزات العمومية العمومية، والممارسة القانونية للاختصاصات الموكولة للجماعات في مجالات التعمير وإعداد التراب والتعاون الدولي، هي وغيرها مسالك يصبو المشرع من خلال التنصيص القانوني عليها تعبيد الطريق لتحقيق التنمية المحلية.

وعلاوة على ما تقدم من أدوار للجماعات في إطار الاختصاصات الموكولة إليها قانونيا بشكل حصري، لتقديم خدمات القرب التي ينبغي تقديمها للساكنة المحلية بتراب كل جماعة على حدى وتجويدها، إضافة إلى حسن الاستقبال. (علاوة على ذلك) فالجماعة تمارس اختصاصات مشتركة بينها وبين الدولة في مجموعة من المجالات منها: تنمية الاقتصاد المحلي وإنعاش الشغل.، والقيام بالأعمال اللازمة لإنعاش وتشجيع الاستثمارات الخاصة، ولا سيما إنجاز البنيات التحتية والتجهيزات والمساهمة في إقامة مناطق للأنشطة الاقتصادية وتحسين ظروف عمل المقاولات.

ولهذه الغاية، يمكن للجماعة أن تساهم ( contribuer) في إنجاز مجموعة من الأعمال منها: إحداث دور الشباب.، إحداث المركبات الثقافية.، إحداث المكتبات الجماعية.، إحداث المتاحف والمسارح والمعاهد الفنية والموسيقية.، إحداث المركبات الرياضية والملاعب الرياضية.، والقاعات المغطاة والمعاهد الرياضية.، بناء وصيانة الطرق والمسالك الجماعية (…). وفي هذا الصدد، تنص المادة 88 من القانون التنظيمي للجماعات على أن تتم ممارسة الاختصاصات المشتركة بين الجماعة والدولة بشكل تعاقدي، إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجماعة.

وفيما يخص الاختصاصات المنقولة من الدولة للجماعات، فإنه طبقا للفصل 146 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011، يكون تحويل الاختصاصات المنقولة إلى اختصاصات ذاتية للجماعة أو الجماعات المعنية بموجب قانون تنظيمي.

ما تقدم، يستفز الباحث والإعلامي ويدفع كل منهما إلى طرح السؤال: إذا كانت مقتضيات وأحكام القانون التنظيمي الجديد للجماعات متقدمة مقارنة بما سبقها قبل تاريخ إصدار هذا القانون الجديد بالجريدة الرسمية أي 23 يوليوز 2015، ولو أنه تعتريه ثغرات مهمة برأي العديد من الباحثين خاصة فيما يتعلق ب ” مبدأ التدبير الحر”، فأين الخلل؟ ومن المسؤول عن تدني الثقة؟

ثلاثة مواقف واضحة:

أولها: يرى أصحابه أن المطلوب من الدولة ربط المسؤولية بالمحاسبة. وهي إشارة إلى ضرورة اتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات قانونية لتنزيل مقتضيات القانون التنظيمي للجماعات وما يتصل به من نصوص تنظيمية وتطبيقية. فالمشكلة ليست في النصوص القانونية وإنما في التعامل معها. والمطلوب، الاحتكام إلى القضاء، باعتباره المؤسسة الوحيدة المخول لها قانونيا البث في كل المخالفات القانونية والنزاعات والمنازعات. ويوضح القانون التنظيمي للجماعات المساطر التي يتعين تطبيقها من لدن عامل العمالة أو الإقليم أو من ينوب عنه سواء تأمينا لتطبيق القانون أو في إطار المراقبة الإدارية.

ثانيها: يرى أصحابه أن المشكلة أعمق بذلك، حيث يرجع السبب الحقيقي لمعضلة انعدام الثقة في مدبري الشأن المحلي إلى الفساد الذي يعم كل مراحل أي استحقاق انتخابي. كما يرجع لعدم وفاء العديد من أعضاء المجالس الجماعية للوعود التي قدموها للمواطنات والمواطنين أثناء الحملات الانتخابية للأحزاب. وأن المسؤول الأول والأخير عن هذا الوضع المؤسف هو الأحزاب السياسية، فهي تزكي من لا تتوفر فيه الشروط الموضوعية والذاتية لتدبير الجماعات.

ثالثها: يرى أصحابه أن ” دار لقمان كانت، وما زالت، وستبقى على حالها “. ومن تم فلا طائلة من المشاركة في أي استحقاق انتخابي. ولا يحق للدولة أن تصدر أي نص قانوني يجبرهم على التصويت يوم الاقتراع، لأن المقاطعة في حد ذاتها تعبير عن وجود الفساد الإداري والمالي والسياسي بالجماعات.

نعتقد، أنه إذا كان لا يمكن لباحث أو ممارس أو إعلامي تمكن من القراءة المتمعنة والمجردة في القانون التنظيمي للجماعات أن ينكر تقدم مقتضيات وأحكام هذا القانون مقارنة بما كان ينص عليها الميثاق الجماعي المعدل في 2009 ، فإنه لا يمكننا كذلك، أن ننكر أن المعضلة على مستوى الجماعات تتجسد أساسا في تنزيل المقتضيات القانونية وفي ضعف الاستماع إلى صوت السكان ولو أن القانون التنظيمي للجماعات نظم سبل ذلك.

ومن جانب آخر، فما معنى أن تؤدي التساقطات المطرية إلى تدهور البنيات التحتية من طرق ومسالك وسقوط بنايات، وتؤدي إلى وفيات ونقل أشخاص في حالات خطيرة إلى المستشفيات (…). إن المواطن لا يومن إلا بالملموس والمرئي.

ولذلك، يقتضي التأسيس لمرحلة جديدة عنوانها ثقة المواطن والمواطنة في الجماعات والأصح القول ثقتهما في المسؤولين عن تدبير الجماعات:

– الإقرار/ الاعتراف لأنفسنا قبل غيرنا بوجود معضلة اسمها: تدني منسوب الثقة في الجماعات، لكي نشخص الداء بشكل علمي ونجد الحلول الواقعية لهذه المعضلة البنيوية.

– تحمل كل مؤسسة في حدود مجالها واختصاصاتها، المسؤولية عن محاربة الفساد والأخطاء الجسيمة المرتكبة فيما يخص تدبير الشأن العام المحلي.

– إعطاء مؤشرات ملموسة للمواطن(ة) من طرف الأحزاب السياسية من قبيل تشبيبها، وممارستها للديمقراطية الداخلية، وتزكية من تتوفر فيهم شروط النزاهة والكفاءة العلمية والتواصل والقدرة على تدبير الجماعات. ونعتقد أننا لا نجانب الصواب بالقول، إن المرحلة الانتدابية الحالية والوشيكة على الانتهاء، أبانت بالملموس للمختص والعادي أن تنزيل مقتضيات القانون التنظيمي للجماعات يحتاج إلى كفاءات ميدانية تجمع بين التنظير والممارسة لأن التدبير علم وفن ومهنية. ومن دون ذلك، سنستمر في هدر فرص التنمية المحلية.

– الحماية القانونية لكل من يبلغ عن عملية رشوة أو تزوير أو ابتزاز أو شطط في استعمال السلطة داخل أية جماعة (…) سواء كان مواطنا أو موظفا أو جمعية من المجتمع المدني(….)

– تفعيل القانون فيما يخص معالجة قضايا التظلمات التي يقدمها المواطنون والمواطنات.

– ربط المسؤولية بالمحاسبة.

– سلطة القانون من أجل ” جماعة القانون”.

ونعتقد أنه قد حان الوقت ليجيب أصحاب القرار السياسي عن السؤال الجوهري التالي، لتدشين مرحلة جديدة على مستوى الجماعات عنوانها: من أجل خلق الثقة داخل مؤسسة الجماعة ولبنائها بين المواطن وجماعته، وهو:

كيف يمكننا إنجاح العلاقة بين السياسي والإداري في حالة الجماعات بالمغرب؟

* أحمد بلمختار منيرة/ إعلامي وباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *