منتدى العمق

إقرار رأس السنة الأمازيغية مدخل لبناء الهوية الوطنية‎

إقرار رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا وعطلة رسمية يحتاج لإرادة سياسية وهذه الإرادة لا تزال تحمل من الخوف الشيء الكثير خاصة فيما يتعلق بالمصالحة مع الذات ومع التاريخ الحقيقي للمغرب هذا المطلب يعد مدخلا لتصحيح التاريخ ونفظ الغبار عن عباءة المغرب من ترسبات ربطته بالمشرق والغرب لسنوات طوال.

يمكنني القول بأنه آن الاوان لنركز على المشترك المرتبط بالارض والتاريخ والإنسان لبناء الهوية الوطنية بموضوعية وباعتماد روح الديمقراطية التي تساوي بين الأقلية والأغلبية وبين الأبيض والأسود وبين المسلم وغير المسلم وبين الرجل والمرأة، وليس الديمقراطية الشكلية العددية التي تستند إلى حكم الأغلبية وبالنسبة للمغرب فالأغلبية العددية التي تشرع القوانين لا تمثل إلا أقلية من الشعب نظرا للعزوف الذي تعرفه صناديق الإقتراع.

لفهم الموضوع أكثر سنتطرق لهذه المرتكزات الثلاث بشكل دقيق لكي يتسنى للقاريء تغيير الصورة النمطية التي تربى عليها أو على الأقل ستتزحزح معتقداته التي تصل به في بعض الاحيان إلى حد التقديس .

أولا: مرتكز الارض

إذا كانت هذه الأرض التي نمشي فيها ونأكل من خيراتها ونحارب من أجلها كانت أمازيغية وهذا أكيد ما يتفق عليه الوعي الجمعي وقد تعلمناه في حجرات الدرس عندما كان يقول لنا الأستاذ سكان المغرب الأولون أي هذه الارض هم البرابرة سكنوا الكهوف ولبسوا الجلود، هي فكرة تحمل في طياتها الكثير من التعصب رسخت صورة ذهنية عند أجيال كثيرة أن الإنسان الأمازيغي لم يعرف الحضارة ولا الأخلاق ولا التنظيم أو بالاحرى لم يمتلك العقل للتفكير بل كان مجرد قطيع من حيوانات مفترسة والفضل يعود للمستعمر الذي روضه وأصبح أليفا، أي أخرجه من الظلمات إلى النور بقدرة قادر .

هذه الصورة بطبيعة الحال إن كانت عنصرية في شكلها فهي تعترف ضمنيا بهوية هذه الأرض رغم المحاولات المتعددة في طمس معالمها الحضارية سواء في شقها المادي المرتبط بالأركيولوجيا والبناء الحضاري الإنساني أو المعنوي المتعلق بالموروث الشفهي والعادات والتقاليد…إلخ

من منطلق أن لكل بقعة جغرافية تراكم تاريخي يتحدث عنها وبإسمها سنعرج إلى مرتكز التاريخ الذي يرتبط بالأرض والإنسان أي يمكن القول أنه الدامج والجامع بينهما بحكم أن الأرض بلا تاريخ بطحاء بلا معنى.

ثانيا: مرتكز التاريخ

لا يهمنا مفهوم التاريخ ومدى ارتباطه بالأحداث والوثائق التاريخية والمصادر بمقدر ما يهمنا تأثيره على هوية الشعوب، وهل هو ضروري لضمان المصالحة ورد الاعتبار لكل ما حطمته الإيديولوجيات المتعلقة بالفكر الأصولي.

بعيدا عن أطروحة إثنا عشر قرنا في التأريخ للمغرب فقد درسنا في كتب التاريخ أن لشمال إفريقيا والمغرب كجزء منها تاريخ منذ القدم يمتد إلى مراحل ما قبل الميلاد بل إلى حقب أركيولوجيا أكثر عمقا ودائما ما نجد الأمازيغية تلعب دورا أساسيا فيها ومحورا مهما في التأريخ أي لا يمكننا أن نتحدث عن الوثنية أو المسيحية أو اليهودية أو الإسلام في شمال إفريقيا بمعزل عن شيء إسمه الأمازيغية.

الحضور الدائم للأمازيغية في تاريخ المغرب سواء القديم أو الحديث أو المعاصر ما هو إلا دليل على شيء واحد شرعية هذا المكون البشري والثقافي في تحديد الهوية الوطنية.

ثالثا: مرتكز الإنسان

رغم أنني وضعت هذا المرتكز في الاخير إلا أنه هو الأساس فلا يمكن الحديث عن أي مرتكز بمعزل عن الإنسان المحور الذي تدور حوله كل المفاهيم والمحددات كالشمس في علاقتها مع الكواكب الأخرى التي تدور حولها، فهو الذي يقطن الأرض من جهة، ومن جهة أخرى هو الذي يؤرخ لها، أو بشكل أدق العقل البشري هو المحدد الأساسي للهوية.

إذا كان الإنسان أو بالأحرى العقل البشري هو المحرك الأساسي في تحديد الهوية فلابد أن يتخلص أولا من الضغائن التي راكمها بفعل الإيديولوجيات والإستعمارات الكثيرة التي عايشها وأن يتعامل معها بشكل موضوعي ايجابي بعيدا عن التعصب ليضمن انسجام مبدئي بين كل المرتكزات والمحددات الأخرى.

هذا ما سينعكس على الهوية الوطنية إيجابيا وسيضمن للأجيال القادمة نوع من التعايش السلمي الحضاري وعدم صنع أعداء وهميين داخل الوطن الواحد بدافع العرق أو الدين خاصة إذا كانت هناك مصالحة حقيقية مع الذات المغربية بسلبياتها وإيجابياتها، وفي الاخير يبقى الإعتراف برأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا مطلبا شعبيا وجب إقراره ومدخلا أساسيا لبناء الهوية الوطنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *