منتدى العمق

الإستغلال المباشر للمرافق العامة بالمغرب

يعتر المرفق العام احد أوجه تدخل الدولة لإشباع الحاجة العامة للمصلحة العامة سواء في المجال الإقتصادي و الإجتماعي بطريقة مباشرة او غير مباشرة و هذا هو الإتجاه المادي للمرفق العام . و قد اختلف فقهاء القانون العام في تعريف المرفق العام الأن فكرة المرفق العام غير تابثة و لا يمكن أن نلمسها من جانب واحد بل من عدة جوانب كما نجحت الدولة في توسيع نشاطات تدخلها في مختلف المجالات , بعد أن كانت دولة حارسة و يرتبط المفهوم التقليدي للمرافق العامة ارتباطا وثيقا بدور الدولة في القرن 18 و 19 و بالفلسفة السائدة انذاك . و بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى و قيام الثورة الروسية 1917 م و ظهور الأنظمة الإشتراكية في دول أوروبا الشرقية إظافة الى بدء عملية التحرر الإستعماري كل هذه الأسباب عجلت بظهور الدولة المتداخلة و مع اتساع النشاط الإقتصادي العمومي أدى في نهاية المطاف الى ظهور مرافق عامة جديدة لقد كان للتجربة الفرنسية دور كبير في التأثير على تطور المرفق العام بالمغرب , لكن رغم هذا الإسقاط على الواقع المغربي , ظل المغرب متشبثا بأصالته الموروثة عن تقاليد و الحضارة العريقة في تدبير الشأن العام ,حيث أن المرفق العام لم يكن وليد اليوم بل نشأ و تطور عبر تاريخ الإدارة المغربية . بموجب معاهدة الحماية الفرنسية 1912 ,أتت مجموعة من الإصلاحات الإدارية الهامة التي تجسدت على الخصوص في إحداث مرافق عامة إدارية قائمة على إطار هيكلي و قانوني معاصر , و يكتسي المرفق العام أهمية كبرى في حياة المواطن بحيث يعتبر بمثابة وسيلة وصل بين الدولة و المواطن في سد الحاجات و تقديم الخدمات كما تتعدد طرق و أساليب إدارة المرفق العام بين أسلوب الإدارة المباشرة و الإستغلال المباشر ثم أسلوب المؤسسة العمومية أو الهيئة العامة .

يمكن للإدارة العامة المركزية و اللامركزية( الإقليمية و المرفقية)، أن تلجأ إلى إدارة مرافقها و مصالحها العامة بموجب طريقة الاستغلال المباشر، أي دون أن تنفصل و تستقل تلك المرافق العامة قانونيا عن الجهة الإدارية التي أحدثها و أنشأتها، حيث أنها لا تكتسب الشخصية المعنوية.و مثال ذلك أن تتولى البلدية مثلا إدارة و تسيير مرفق النقل أو النظافة أو الرياضة مباشرة، باستعمال موظفيها و أموالها. حيث تكون الإدارة المسؤولة قانونا عن المرفق العام بتنظيمه و توجيهه و تشغيله بنفسه , و هذا ما يتححق بالنسبة للإدارة المركزية أو إحدى المؤسسات المحلية فهذا الأسلوب يعكس احتكار السلطة العامة عن طريق الإدارة لجميع النشاطات المختلفة .

و يعد هذا الأسلوب من الأسالب التقليدية في إدارة المرافق العامة غير انه يبقى أسلوبا لا غنى عنه من قبل الدولة و لهذا يعتبر موظفي المرفق المدار بهذه الطريقة موظفين عموميين و كل الأدوات و الأموال التي يستخدمونها في إدارة هذا المرفق عمومية و عامة و تخضع لقواعد المقررة في الميزانية العامة .

و تلجأ السلطة الإدارية إلى هذه الطريقة لإدارة المرافق الإدارية و الوطنية بصفة أساسية كمرافق الدفاع الوطني و الشرطة و القضاء و التعليم و الصحة , التي يقتصر دورها على أداء الخدمات للجمهور دون تحقيق الربح .

و تجدر الإشارة أن أسلوب الإدارة المباشرة تعرض للعديد من الإنتقادات , فهو أسلوب لا يلائم المرافق الإقتصادية , حيث تنشأ عنه العراقيل و التعقيدات الإدارية التي تحول دون تحقيق الأهداف الإقتصادية , كما يزيد من أعباء الإنفاق المالي .

و يترتب عن الإستغلال المباشر للمرفق العام أثار أولا من حيث العمال أو الموظفين , تكون علاقة العمل قائمة – أصلا – بين الجهة الإدارية المنشئة للمرفق (بلدية، ولاية، وزارة) و بين الموظف العامل بالمرفق و عليه تبقى علاقة العمل قائمة و رسمية وفقا لقانون الوظيفة العمومية في حالة إلغاء المرفق العام . ثانيا من حيث الأموال القاعدة العامة أن الأموال المخصصة لإدارة المرفق العام المسير، في شكل استغلال مباشر في ملك للإدارة التي أنشأت المرفق، إذ أنه لا يتمتع بذمة مالية مستقلة و مع ذلك فإن مقتضيات التسيير و فاعلية قد تقتضي منح المرفق العام ميزانية مستقلة Budget autonome و من حيث الأعمال التي يقوم بها المرفق العمومي تكون هناك رقابة من الأجهزة الإدارية التي إنشأته كما هو الشأن مثلا للمجالس الترابية و تتعدد أوجه هذه الرقابة – الإدارية و المالية و القضائية . أما من حيث المنازعات نظرا لعدم اكتساب المرفق العام المدار و المسير بطريقة الاستغلال المباشر الشخصية المعنوية، فإنه يتمتع بأهلية التقاضي حيث يمثل أمام القضاء، لدى الطعن في أعماله و تصرفاته أمام الجهة القضائية المختصة، بواسطة الممثل القانوني للجهة الإدارية المنشئة .

*باحث بجامعة محمد الخامس بالرباط / رئيس مركز تيمولاي للشباب و التنمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *