وجهة نظر

مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين .. أم ضدها؟

في اجتماعها المنعقد  بتاريخ 10 فبراير 2021 اتخذت السكرتارية الوطنية لمجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين قرارا غير مسبوق، فمجموعة العمل، وهي تناضل ضد التطبيع المغربي مع الكيان الصهيوني أبت إلا أن تبرهن على ذكاء منقطع النظير في مقاومة التطبيع، فبعد طول تفكير وتأمل في أشكال مقاومة التطبيع في شكله الرسمي الجديد، بعد قرار رئيس الدولة جلالة الملك استئناف علاقة المغرب مع “إسرائيل”، تفطنت إلى وسيلة ذكية من شأنها أن تطرد التطبيع من المغرب وتقطع جذوره، فما كان على سكرتاريتها في اجتماعها المشار إليه إلا أن تقرر تجميد عضوية حزب العدالة والتنمية فيها!

إن من حق مجموعة العمل أن تتخذ من القرارات ما تشاء، ومن حقنا أن نسألها: ما هي المشكلة التي عالجتها المجموعة بقرارها ذلك؟ هل حررت فلسطين مثلا؟ أم جمدت الدماء في شرايين التطبيع المتنامي عبر العالم؟  هل بعد ذلك القرار ستتراجع المملكة المغربية عن قرارها استئناف علاقاتها مع “إسرائيل”؟ أم هل أن إسرائيل ستصاب بالذعر وتقرر من تلقاء نفسها وقف كل أشكال التسرب إلى المغرب، وعبر كل البوابات، الثقافية منها والسياسية والاقتصادية والاجتماعية؟

لن نعيد في هذا المقال ما سبق أن فصلناه في مقال سابق تحت عنوان ” التطبيع والتخطيط للهزيمة”، حيث بينا كيف أن المعركة ضد التطبيع هي معركة ذكاء قبل أن تكون معركة إمكانات وعواطف جياشة وحماسة مفرطة. ونجد في قرار “مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين” ما يعبر عن فقر فظيع على مستوى الذكاء السياسي في مواجهة التطبيع المغربي. فإذا كان قرار تجميد عضوية حزب المصباح فيها لا يقدم للقضية الفلسطينية شيئا، ولا يقدم في سبيل محاربة التطبيع شيئا، فهو في المقابل يخدم التطبيع بشكل حيوي وصادم. وفي هذا الإطار لابد أن نثير أسئلة تفرض نفسها في هذا المقام، هل سيستمر أعضاء حزب المصباح في النشاط داخل المجموعة بعد قرارها الظالم ذلك؟ وكيف سيجمعون بين النشاط في مجموعة تتهم الحزب ظلما وعدوانا بالتطبيع، وبين عضوية حزب يعرف الجميع أنه بريء من قرار التطبيع، وأن مجلسه الوطني كان واضحا في تأكيد مواقف الحزب من التطبيع، بل في التنبيه إلى مخاطره على المجتمع المغربي على مختلف الأصعدة مما يعني تحمل الجميع المسؤولية في مواجهته؟

إن ذنب حزب المصباح الوحيد هو أن له تقديرا للموقف من قرار الدولة حول التطبيع يختلف عن تقدير مجموعة العمل، وهذا أمر طبيعي، فالحزب يقدر الموقف من موقعه السياسي الذي يتحمل فيه مسؤوليات عظام، ليس تجاه القضية الفلسطينية وحدها، بل تجاه الشعب المغربي وقضاياه، والتي على رأسها قضية الوحدة الوطنية.  ونتيجة لذلك فالحزب رفض تلبية رغبات كثيرين، وعلى رئسهم مجموعة العمل. رفض أن يعارض رئيس الدولة، ورفض أن يخلي المكان للمتربصين به من أنصار التطبيع الحقيقيين، ورفض أن يقوم بمواقف ديماغوجية لن تفيد في محاربة التطبيع بقدر ما سوف تقويه وتعززه.

كثيرون، كما هو الشأن أيضا بالنسبة لمجموعة العمل، يرون أن حزب المصباح مطبع لأنه لا يقول ما يقولون، ولا يتصرف كما يتصرفون، وهم يعلمون علم اليقين أنه لم يغير موقفه من التطبيع، ولن يغير موقفه منه أبدا.

إن متهمي حزب المصباح بالتطبيع يقولون ذلك فقط لأن له رأيا غير رأيهم وموقفا غير موقفهم، لكن هؤلاء الذين يطالبون الحزب بقول لا لرئيس الدولة، والانسحاب من الحكومة، والتموقع مستقبلا في موقع المعارضة، ليبرهن على رفضه الصادق للتطبيع، بماذا قاموا لرفض التطبيع ومقاومته بنفس المستوى من الصدق؟

فمقابل المطالب التي يحاكم حزب المصباح اليوم برفضه الواعي الاستجابة لها، لا يمكن اعتبار إصدار بيان أو بلاغ يرفض التطبيع ، او محاضرات أو خطب نارية في الاستنكار والإدانة، أعمال كافية للقيام بواجب التصدي للتطبيع. إن منطق ما يطالب به هؤلاء حزب المصباح لا يقابله سوى منطق يطالب هؤلاء بالخروج إلى الشوارع، وتأطير المسيرات المليونية للضغط على الدولة للتراجع عن قرارها. فلماذا أحجمت مجموعة العمل وكل من يتهم حزب المصباح بالتطبيع، عن القيام بما يفرضه منطقهم الذي يطالبون به حزب العدالة والتنمية؟

إن مطالب الوقوف في وجه الدولة أمر أيسر على المجتمع المدني ومناضليه منه على حزب سياسي يقود الحكومة ويقود تديبر كبريات المدن والجماعات. فلماذا يكتفي هؤلاء بإصدار البلاغات وتدبيج الخطب الرنانة؟ ولماذا لا يستحيون من الحديث عن الشهداء ودمائهم، وعن النضال وتضحياته، وعن الشجاعة والبطولة،  وهم لا يسلكون غير الطريق الذي سلكته القمم العربية طيلة عقود وهي تصدر البلاغات النارية، ويزايد قادتها بعضهم على بعض في نفخ الأوداج في مختلف المنتديات، في الوقت الذي كانت الصهيونية تعمل بذكاء، وفي صمت، وتخترق الحواجز، وتستقطب أسباب القوة، حتى وقع ما لا يحتاج إلى بيان.

إنه من غير المقبول تبرير التموقع في موقع البلاغات والخطب في مواجهة التطبيع، بعدم الترخيص، او بتدخل أمني، أو بتقديرات كيفما كانت، في الوقت الذي لا نقبل من حزب المصباح مثل هذا المنطق وهذا التبرير وهذا التقدير.

لقد أبانت “مجموعة العمل” عن عدم نضجها السياسي بقرارها السياسي ذلك، لأنها لو فكرت بهدوء وبقليل من الذكاء، لعلمت أن مثل ذلك القرار ستصفق له إسرائيل بحرارة كما صفقت لبيانات حماس ومثيلاتها. لماذا؟ لأن ذلك سوف يساهم في إضعاف حزب المصباح وعزلته، وهو أمر داخل في مقاصدها. وفي هذا الصدد نسأل المناضلين ضد التطبيع، ما الأهون عليكم في الوضع الحالي، أن يستمر حزب المصباح في قيادة الحكومة والجماعات، وهو كما تعلمون يقينا رافض للتطبيع، أم يتركها  لأحزاب تعلمون جيدا أنها سوف تعمل كل ما في وسعها من أجل إرضاء التطبيع، ومؤشرات ذلك كثيرة لا تخفى على قيادات المجموعة الوطنية؟ وإذا أخلى حزب المصباح مواقعه السياسية تلك وتولاها غيره، هل سيكون ذلك لصالح القضية الفلسطينة وضد التطبيع، أم أنه سيكون بالعكس كارثة؟ وما الأنسب لإسرائيل ومشروعها التطبيعي أن يقود حزب مثل حزب المصباح؟ أم يقود غيره من الأحزاب؟

سيرفض كثيرون الخوض في مثل تلك المعادلات، لأن ذلك سيخرجهم من عالم الشعارات والبلاغات والخطب،  إلى دائرة التقدير السياسي الحقيقي الذي ينظر إلى المآلات، ويبحث في تجديد الأساليب، وتنويع المقاربات، ويتحمل في سبيل ذلك ما يتحمله حزب العدالة والتنمية اليوم من الألم الشديد، من أقربائه كما من أعدائه الشامتين، لأنه قدر أن الأمر لا يتطلب مواقف بطولات آنية سرعان ما تطويها الأيام، واختار  خدمة القضية الفلسطينية من مواقع المسأولية، وبالمقاربات الفعالة التي تتيحها. نعم إنه موقف صعب ومألم، لكنه الأكثر فائدة للقضية الفلسطينية لو أن قادة المجموعة الوطنية فكروا وقدروا ونظروا من زوايا غير ما ألفوه في هذا الشأن.

إن مواجهة التطبيع تحتاج إلى التعاون والتعبئة الشاملة، تعبئة الأحزاب الحكومية كما أحزاب المعارضة، وتعبئة المجتمع بكل أطيافه، وتعبئة الرأي العام، لكن مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، يبدو أنها لا تسلك هذا الطريق، وأنها تفضل التفريق بين القوى المناضلة من أجل فلسطين، وبالتالي إضعاف العمل من أجل فلسطين وضد التطبيع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *