وجهة نظر

قرار CGEM ليس محايدا ولا مستقلا

ألقى بلاغ اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، الصادر عقب اجتماعها الأخير، حجرا سميكا في بركة أسنة، يتعلق الأمر بعلاقة الاتحاد العام لمقاولات المغرب بالسياسة وبالأحزاب وبالفاعلين فيهما، طبعا لا يسمح هذا المقال القصير باستدعاء خلاصات الأبحاث الأكاديمية الرصينة التي أنتجتها الجامعة المغربية حول نقابة “الباطرونا”، ولكني ازعم أن معظمها خلص إلى انه لم يكن يوما لا محايدا ولا مستقلا ، هذا بصرف النظر عن المعنى الذي يمكن أن نسبغه على الاستقلالية والحياد في هذا السياق، يؤكد الباحثون في الاقتصاد السياسي أن اللحظة القصيرة التي تبنى فيها الاتحاد مواقف “مستقلة” هي لحظة حملة التطهير، التي كانت لها نتائج كارثية على المقاولة المغربية، ساهمت بشكل حاسم الإجراءات الجبائية الشجاعة التي اتخذتها حكومة التناوب التوافقي – التي كنا شركاء فيها – في المصالحة بين الدولة والمقاولة والمقاولين، وعموما لم يعرف للاتحاد مواقف يمكن أن يستفاد منها الحياد آو الاستقلالية..

وبالعودة للسياق الراهن، فان دعوة جلالة الملك حفظه الله قطاع الابناك إلى الانخراط في دعم مشاريع الشباب طرح حينها موضوع المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية للمقاولة التي وإن كان من حقها جني الأرباح فإنها معنية باستدامة الاستقرار الاقتصادي والسياسي، زد على ذلك الملاحظات المشروعة التي عبرت عنها العديد من الفرق البرلمانية حول أداء بعض المقاولات الكبرى خلال الجائحة، كل ذلك يكشف الحاجة الدائمة إلى طرح موضوع أداء المقاولة والمقاولين في القضايا ذات الصلة بالمصالح العليا للبلاد، هذا ناهيك عن إشكاليات المنافسة والاحتكار والشفافية في بعض القطاعات الاقتصادية.

أما يتعلق بقرار رئيس الاتحاد إجهاض المسار الانتخابي لفروع الاتحاد بالجهات الجنوبية، بعد أن ظهر بجلاء الحضور القوي لرجال الأعمال المنتمين إلى حزب الاستقلال، فهو قرار سياسي منحاز، لا يحتاج إلى مجهود كبير للتأكيد على ذلك، ولا للاختباء وراء شعارات الحياد والاستقلالية للتنصل منه، بل يمكن أن نقول بكل اطمئنان أنه قرار يشكل خرقا للدستور، سيما مقتضيات المادة الثامنة – الفقرة الأولى والثانية- التي تنص؛
“تساهم المنظمات النقابية للأُجراء، والغرف المهنية، والمنظمات المهنية للمشغلين، في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها، وفي النهوض بها. ويتم تأسيسها وممارسة أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون. يجب أن تكون هياكل هذه المنظمات وتسييرها مطابقة للمبادئ الديمقراطية”.

وعلاوة على ذلك ، يشكل ذلك القرار أيضا مساسا خطيرا بالحقوق الدستورية التي ضمنها الدستور للمواطنين والمواطنات، وفي مقدمتها الحق في الانتماء للأحزاب السياسية، الذي نظمه الدستور والقانون التنظيمي للأحزاب السياسية ، سيما في الفصل 23 منه الذي حدد على سبيل الحصر الفئات التي لا يمكن لها الانتماء أو تأسيس الأحزاب السياسية، وليس ضمنها رجال الأعمال أو المقاولين، بمعنى أن القانون الأساسي للاتحاد الذي يظل جمعية منظمة وفق ظهير الجمعيات، لا يمكن بأي وجه أن ينص على مقتضيات غير دستورية، هذا ناهيك على أن يشرع قواعد يعود اختصاص التشريع فيها إلى الدستور والقوانين التنظيمية المكملة له، زد على ذلك كله أن الاتحاد – بوصفه جمعية من الناحية القانونية- ملزم بموجب الفقرة الرابعة من الفصل 12 من الدستور التي تنص على “يجب أن يكون تنظيم الجمعيات والمنظمات غير الحكومية وتسيرها مطابقا للمبادئ الديمقراطية”.

ثم ما معنى التمييز بين الانتماء للحزب والانتماء للجهاز التقريري فيه، لا معنى لذلك إلا إذا كان الهدف إقصاء شخص معين من الترشح والتباري الديمقراطي ، وفي هذه الحالة وإذا علمنا بان ترشحين وحيدين قدما في جهة العيون وجهة كلميم تعود الى رجال أعمال ينتمون لحزب الاستقلال، فيظهر أن المستهدف هو حزب الاستقلال، والغاية ليس الحياد والاستقلالية، بل الإقصاء عبر القانون، انه قرار تم الإيعاز به من طرف معلوم كما سماه بلاغ قيادة حزب الاستقلال.

لو أن مثل هذا القرار اتخذ في سياق غير انتخابي، وتم تعميم تطبيقه على جميع جهات البلاد وفي إطار مدونة أخلاقيات داخلية غير ملزمة قانونا لأعضاء الاتحاد، لتفهمنا الأمر، ولكن أن يصار لتعديل قواعد الانتخاب قبيل يوم الاقتراع ، فهذا له معنى واحد وهو إجهاض المسار الانتخابي والحيلولة دون أن يعبر المقاولون عن إرادتهم الحرة والمستقلة، هذا ناهيك على أن حرمان المقاولين من الترشح بدعوى انتماءهم الحزبي أمر لا سند له لا في الدستور ولا القوانين، بل يعد خرقا فاضحا للدستور.

لحكماء الاتحاد وعقلائه نقول اليوم، الجهات الجنوبية تعرف تدافعا ديمقراطيا مشروع كباقي جهات البلاد، يجب أن يكون الفيصل في الحسم فيه صناديق الاقتراع وحدها، سواء تعلق الأمر بالانتخابات المهنية أو بالانتخابات السياسية، وليس قرارات مشبوهة المصدر معلومة الغايات، ولهم نقول أيضا لقد تم تجريب هذه الآليات مع حزب الاستقلال في الصحراء، ولكنها خابت وكان لها انعكاس خطير وسلبي على المسار الديمقراطي الذي ميز الحياة السياسية في الصحراء، إن مثل هذه القرارات تشكل أيضا تشويشا على المكتسبات المحققة في قضية الوحدة الترابية، فيما يرتبط بمشروعية التمثيلية السياسية للمنتخبين، سيما مع التأكيد الملكي المتجدد، بأن ممثلي الساكنة الشرعيين والوحيدين هم المنتخبون وليس الحفنة الانفصالية، التي ظلت أسيرة لدى الجنرالات في الجزائر، وهو ما يعني أن يسهر الجميع على توفير شروط التباري الديمقراطي، دون محاولات اللعب بالنار تحت مسميات الحياد والاستقلالية.

أما ما يتعلق بالمستجدات التي حملها مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين ذات الصلة، فهذا أمر سوف نرجأ فيه القول حتى نعمق النظر في جميع المقتضيات القانونية والتنظيمية ذات الصلة به، على ضوء قرارات القضاء الدستوري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *