وجهة نظر

مشاهد من الواقع الحزبي المغربي

استهلال

المشهد السياسي المغربي الحالي شبيه بدراما فيها من المشاهد والفصول ما يحز قلب الجمهور العريض المتمثل في مواطنين ومواطنات، لئن سألتهم عن مغزى وجود هذا الكم من الأحزاب فقد يشبهونهم بتسعة رهط يفسدون ولا يصلحون ، وما العزوف عن الانتخابات إلا برهان وبينة عن فقدان الثقة في العمل الحزبي والمؤسسات التمثيلية التي أضحت وكأنها حلبات للتنابز بالألقاب وتبادل التهم . سئم القوم الخطب المنمقة والوعود الرنانة التي دأبت الأحزاب على تنسيقها وزخرفتها في مناسبات انتخابية من ، وضاقت وضجرت من مواقف التهريج والمرح المقرف لمعارك وهمية جال بصيتها الركبان وامتد صيتها خارج الأوطان .

المشهد الأول : التشظي والتشرذم

من الواضح تلقائيا وبدون أدنى حاجة لأي مجهود فكري ، على أن المشهد الحزبي ببلادنا يعاني من التشظي والانقسام وقد تسارعت وتيرة هذا الوباء الفتاك الذي أصاب الجسم السياسي ببلادنا في السنوات الأخيرة لدرجة أضحى من الصعب ذكر كل مكوناته التي قاربت وشارفت الأربعين هيئة منها من لا يظهر خنشوشه إلا إبان الانتخابات ، ويبدو أن أحزابنا شبيهة بخلايا جسم الإنسان وأجسام غيرنا من الحيوانات حيث أنها دائمة الانقسام ، إلا أن الاختلاف يكمن في كون انقسام خلايا الإنسان وغيره من الكائنات لضمان نمو الجسم ، أو لتعويض ما يفقد أو يموت من الخلايا ، بيد ان الانقسام في الأحزاب المغربية تكون من انعكاساته ونتائجه خمود هذا الكائن الحزبي وترهله لدرجة يصعب معه إيقاظه وانبعاثه بالقوة والحيوية التي كان عليها والأمثلة عديدة ومتعددة في المشهد السياسي ببلادنا ،وهو ما يجسد فعلا القول المأثور للسيد المسيح أمام أتباعه على أن كل بيت منقسم على ذاته يخرب .

المشهد الثاني : تطابق الخطابات وتماثل الرؤى

من المتعارف عليه أن التمايز في المواقف والرؤى هي ما يميز الأحزاب بعضها عن البعض ، كما أن مقترحاتها و مخططاتها لتدبير الشأن العام هو ما يعطيها حظوظا أوفر لكسب قاعدة عريضة من الناخبين والمتعاطفين. إنها واختصار أحد مكونات الظاهرة الحزبية عبر العالم ، وهي فعلا مسألة عاشها المجتمع المغربي في سنوات أوج العمل الحزبي ،حيث كانت الفئات المختلفة من المجتمع المغربي تلتف حول هذا الحزب أو ذاك عبر مواقفه وما يقدمه كبدائل .إلا أن هذه المسالة أخذت منحى مأساويا بعدما أصيب السواد الأعظم من النخب الحزبية بفيروس المناصب ، وكان من عواقبه تردي العمل السياسي ببلادنا ، وانهيار قيمه النبيلة ، فلم يعد للرؤى واستشراف المستقبل مكان مركزي في برامج وخطابات الأحزاب ، أما ما كان في وقت ما بمثابة الخط الأيديولوجي للحزب الذي تنبني عليه خططه ، فقد أصبح جزء من الماضي لا مكان له في حاضر تغلب عليه التوافقات والتنازلات من أجل الظفر بالمنصب ، ولهذا تطابقت الخطابات وتماثلت الرؤى وأصبحت البرامج وكأنها استنسخت عن بعضها البعض مع فوارق بسيطة وبصيغ مختلفة .

المشهد الثالث : محاباة أهل الحل والعقد

عبقرية الأمثال الشعبية المتوارثة عبر الأجيال تسري في كثير من الأحيان على قضايا كثيرة في السياسة المغربية ، فهناك قول مأثور مفاده أن من آمن الزمان خانه ، وبمقايسة طفيفة نجد على أن النظام المخزني كالزمان إن آمنته خانك ، وقد تصل به إلى الأمور إلى حد الإذلال والخزي . وهذه مسألة أكدتها و صقلتها التجارب العديدة لمسؤولين حزبيين سعوا بكل إرادتهم لكسب ود أصحاب القرار النافذين ، كل من زاوية يرى فيها ولو شظايا منفعة حزبية قد تسنده وتوفر له الأرضية الخصبة لاعتلاء كرسي الولاية الحزبية تديمه متنفذا وماسكا لزمام الأمور ضمن تشكيلة قطبت وحيكت على مراد ومبتغى أهل الحل والعقد المستأثرين و المتنفذين في زمام الأمور ببلادنا، ولا غرابة أن تكون خطاباتهم ناعمة و سلسة وإرضائية حتى النخاع، ومنهم من يغالي في تقديم قرابين التودد والولاء ليصبح الانبطاح سمة هذا الحزب أو ذاك . و يتناسى بعضهم أن هذه النعمة زائلة لا محالة ، إما بزوال او تغير الظروف التي أملتها واستنفاذ مآربها، وآنذاك تنقلب الأمور رأسا على عقب لتتحول النعمة نقمة .

المشهد الرابع : الإسقاط الفوقي

من سمات المشهد السياسي المغربي أن هناك هيئات حزبية تحولت دون غيرها و في جزء من أنشطتها إلى قاعدة إنزال لاستقبال وافدين يتم إسقاطهم فوقيا بهدف استوزارهم وسربلتهم بعد ذلك بسربال هذه الهيئة . هذا النوع من الجيمناستيك ، أصبح امرأ مألوفا لدى هذه الهيئات . وهي عملية شبيهة باستئجار الرحم من طرف الام البديلة mère porteuse . أما المصالح التي يتم فيها تهيئ وتجهيز منصات الإسقاط والنط هاته فلها استراتيجيها الخاصة ، والتي تتلخص في الرغبة في التحكم في المشهد السياسي المغربي ، وما لجوؤها لراجمات لإنزال شخصيات مقربة من دوائر القرار وتوفير كل السبل لهم لبسط نفوذهم ، إلا واحد من تكتيكاتها لابتذال العمل الحزبي وضمان التحكم في مقاليد السلطة ، وتتكلف أحزاب بعينها بالقيام باستقبال هذا الوافد الجديد ضمن هياكلها ومنهم من يصبح في وقت وجيز مستنفذا في أمور الحزب الذي وفر لهم المأوى وتنعم عبره بنعم المناصب .