وجهة نظر

هل بدأت الحرب بين إيران وإسرائيل أم أنها مجرد مناوشات هنا وهناك؟

منذ أن تولّى جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل لم تهدأ بعد أن أبدى البيت الأبيض استعداده ورغبته الشديدة في العودة إلى الاتفاق النووي المبرم مع إيران سنة 2015م إثر انسحاب ترامب منه في سنة 2017م، ومنذ ذلك الوقت وإلى الآن تواصل إسرائيل التشويش على إيران بكل السبل وكل الطرق لثني الولايات المتحدة الأمريكية عن اتخاذ أي خطوة جديدة إيجابية في اتجاه إيران من جهة وإيقاع طهران في الفخ من جهة ثانية، لكن الإرادة السياسية الأمريكية الجديدة خالفت توقعات إسرائيل بل اتجاهات نتنياهو التي كانت تصب كلها في خانة أن إيران تريد امتلاك قنبلة نووية وبالتالي لا بد من لجمها والحدّ من حركتها وتقويض نفوذها في المنطقة، فلا صوت عنده يعلو في منطقة الشرق الأوسط على صوت إسرائيل.

ولكن الرياح ربما ستجري بما لا تشتهي إسرائيل دائما، فلئن كان الدعم اللامحدود قد تلقته من الإدارة السابقة التي يرأسها دونالد ترامب، فإنها اليوم وبعد تغيّرها قد ترى موقفا مختلفا نوعًا ما رغم أن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن قد طمأنها من خلال زيارة أولى له لإسرائيل أن أمريكا ملتزمة بأمن إسرائيل وتفوّقها في المنطقة لكنه يقيّدها باحترام الاتفاقيات الدولية وباحترام الاتفاق النووي مع إيران إن حصل من جديد، وهذا ما ترفضه قطعا إسرائيل نتنياهو، لكن إذا تغيّرت الحكومة الإسرائيلية بعد فشل نتنياهو في تشكيلها خلال 28 يوما قد تؤول الأمور إلى غير ما يريد نتنياهو.

وفي هذه الأثناء تمارس إسرائيل سياسة الاستفزاز والتشويش مع إيران وتختبر صبرها وقوتها في تحمل الضربات، فبعد استهداف السفينة الإيرانية الراسية في البحر الأحمر هاهي اليوم تعطّل اليوم منشأتها النووية في نطنز بعد قطعها الكهرباء في المحطة وقد اعترفت إسرائيل بالجريمة التي ارتكبها الموساد مفاخرا أو متفاخرا لكن إيران ردّت بقوّة وذكرت أن هذا العمل إرهابي ولها حق الاحتفاظ بالردّ في الوقت والمكان المناسبين، ويبدو أن إسرائيل تحاول من جهة استفزاز إيران واختبار صبرها ومن جهة أخرى تحاول اختراق البرنامج النووي الإيران وتعطيله، لكن الذي لم تأخذه في الحسبان كما يبدو هو الرد الإيراني كيف سيكون؟ وعلى أي شكل سيحدث؟

ومن المعلوم أن إيران تمتلك قوة كبيرة ربما لا تستطيع إسرائيل مقاومة ذلك مستقبلا، ولئن اعتبر نتنياهو أن الوقت اليوم مناسب لتوجيه ضربات لإيران قد لا تتوفر مستقبلا أيضا فإن تكهناته هذه تبدو خاطئة جدا، لأن إيران وبكل طاقاتها تدرس الموضوعات جيدا قبل القيام بأي رد يمكن أن يتسم بالتهوّر ويفضي إلى نتائج عكسية، فهي تريد اليوم أن تركّز على علاقتها مع واشنطن وتبني اتفاقا من جديد دون تغيير في محتواه ودون تجزئة وبشروطها في حين أن واشنطن تريد أن يكون هناك اتفاق جديد موسع ودون رفع كلي للعقوبات، وهو ما يتفاوض عليه الطرفان الآن ولم يصلا إلى نقطة الالتقاء بعد.

فالاتفاق إن حدث سيكون ضربة قوية لإسرائيل رغم التشويش المتعمد الذي تقوم به دولة الاحتلال، ورغم الاستفزاز الكبير التي تقدم عليه، وسيكون ربحا كبيرا ودعما قويا لإيران أنها استطاعت أن توثق العلاقات بينها وبين الدول الكبرى التي تسعى لإرضائها من التخفيف من الضغط العالمي والاستفادة من بنوده الكبرى، ولا يمكن لإسرائيل أن توقف هذا الاتفاق مهما حاولت ومهما صرّحت من تصريحات معادية لإيران من قريب أو بعيد ومهما حاولت اختراق المنظومة التقنية الإيرانية فإن مستوى اختراقها يبقى محدودا على القدرة النووية الإيرانية ولن تستطيع إسرائيل بأي حال من الأحوال أن توقف برنامج إيران النووي ولن تستطيع أيضا أن تُقدم على أي عمل حربي ضدها لأنها في الأصل عاجزة على مواجهة إيران على أي صعيد، فإيران ليست دولة ضعيفة عسكريا ولا ضعيفة اقتصاديا رغم العقوبات المشدّدة والحصار المفروض عليها من كل جانب. أما إسرائيل رغم تفوّقها العسكري في المنطقة وتبجّحها بقوّتها وغطرستها فهي ضعيفة أمام القوة البشرية والعسكرية الهائلة التي تملكها إيران.

فهل بدأت الحرب بين إسرائيل وإيران فعلا أم أنها تبقى مجرد مناوشات هناك وهناك للتشويش فقط واستعراض القوة وهي محاولات وإن كانت استفزازية لا تقود لحرب شاملة بين الطرفين فهناك أكثر من سبب يجعلنا متأكدين من أن هذه الحرب لن تقع على الأرجح وأن هناك قوى إقليمية في المنطقة وعالمية ترفض هذا التوجّه من الأساس وتعمل بكل قوة على إحداث توازن جديد يمكن أن يفي بالغرض خاصة بعد تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي أثناء لقائه بوزير الدفاع الأمريكي أن إسرائيل ستعمل وفق الاتفاق الجديد بين أمريكا وإيران إن توصل الطرفان إلى اتفاق جديد خلال المرحلة المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *