وجهة نظر

البرامج الانتخابية للأحزاب والنموذج التنموي الجديد

المغرب مقبل على نموذج تنموي جديد، وهو معطى سيجعل من الاستحقاقات الانتخابية المقبلة مختلفة ومغايرة لما شهدته البلاد من انتخابات في الماضي، سواء قبل أو بعد دستور 2011. وسترتكب الأحزاب السياسية خطأ منهجيا إن لم تأخذ بعين الاعتبار المعطى المرتبط بإقبال بلادنا على نموذج تنموي جديد. نحن على أبواب انتخابات جديدة، والأحزاب مطالبة بإعداد برامجها السياسية قبل دخول غمار هذه الانتخابات. لكن اللجنة المكلفة بإعداد النموذج التنموي الجديد لم تقدم بعد خلاصات عملها لجلالة الملك، ولم يتم تعميم هذه الخلاصات على الرأي العام ليطلع عليها المواطن المغربي ولتطلع عليها الأحزاب السياسية كذلك.

انطلاقا من كون النموذج التنموي المرتقب سيحدد خارطة طريق التنمية في بلادنا للعقود المقبلة، فمخرجاته يجب أن تكون ركيزة أساسية لكل برنامج انتخابي ستعتمده الأحزاب السياسية خلال الاستحقاق الانتخابي المقبل. هذه البرامج إذا أنجزتها الأحزاب السياسية قبل الاطلاع على مخرجات لجنة شكيب بنموسى، فهي ستكون برامج للاستهلاك فقط خلال الحملة الانتخابية ولن تكون برامج تتعاقد حولها الأحزاب مع الناخبين. فبعد الانتخابات، هل سيعتمد الحزب الفائز برنامجه الانتخابي، أم خلاصات النموذج التنموي المرتقب؟ هو سؤال موجه للنخبة الحزبية، إن كان لبرامجها الانتخابية صدقية مع المواطن الذي سيدلي بصوته في الصناديق الشفافة يوم الاقتراع المقبل.

ينبغي أن نشير إلى أن اجتهاد المغرب في إرساء معالم نموذج تنموي جديد، يعني بالضرورة الانتقال إلى ممارسة سياسية جديدة، تقطع مع كثير من الممارسات المألوفة حتى الآن في الساحة السياسية. فاعتماد نموذج تنموي جديد يعني انخراط المغرب في خارطة طريق تحدد معالم مغرب الغد، وترسم مسار الخيارات السياسية للأحزاب والذي يجب أن يكون منسجما مع روح النموذج التنموي المرتقب. فلا يمكن أن نتصور برنامجا سياسيا لحزب يتناقض مع روح النموذج التنموي، وإلا سنكون كدولة تريد أن تصعد للقمة وأحزابها تسبح في سفح الجبل.

المطلوب إذا هو أن تضع اللجنة المكلفة بإعداد النموذج التنموي خلاصات عملها قبل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وذلك لتمكين الأحزاب السياسية من إعداد برامج انتخابية تكون منسجمة مع مغرب النموذج التنموي الجديد. والمطلوب من الأحزاب السياسية أن تطور عملها الحزبي والسياسي، ليكون داعما للنموذج التنموي ومساهما في إنجاحه. فإعداد النموذج التنموي الجديد ليس هدفا في حد ذاته، وإنما هو أرضية لجعل رؤية المستقبل أكثر وضوحا، وجعل عمل الأحزاب أكثر انسجاما ويصب في اتجاه واحد، بعيد عن الاستقطابات المتوزعة بين المحافظة التي يعتبرها أصحابها تشبثا بالأصالة لبناء المستقبل، ويرى فيها خصومها رجوعا إلى الماضي وإهمالا للمستقبل. وبين الحداثة التي يرى فيها أصحابها منظومة منفتحة على العالم وعلى المستقبل، ويرى فيها خصومها منظومة فاقدة للبوصلة ومتنكرة للأصالة ولهوية بلد راكم حضارة ضاربة جذورها في التاريخ لأكثر من 10 قرون. إذا ساهم النموذج التنموي الجديد في حسم ثنائية المحافظة والحداثة التي تقسم نخب البلاد، فسيكون نموذجا يسير في الاتجاه الصحيح. وحينئذ يمكننا القول بأن المغرب بإمكانه دخول باب التنمية وهو واثق من نموذجه التنموي.

اعتماد المغرب لنموذج تنموي جديد، يجب أن تصاحبه ممارسة سياسية جديدة. فالنموذج التنموي، من منظور عام وشمولي، قائم على أساس ثلاثة دعائم: خلق الثروة، التوزيع العادل للثروة وبناء الإنسان. من هذا المنظور، يمكننا القول إن الممارسة السياسية للأحزاب، يجب أن ترتقي من المنهجية التقليدية القائمة على أساس التوازنات الماكرو اقتصادية (التحكم في التضخم، الموازنة العامة، ميزان الأداءات، الميزان التجاري….) ، إلى منهجية النموذج التنموي القائمة على أساس توفير الشروط الضرورية لخلق الثروة بتشجيع الاستثمار، وإقرار القوانين الضرورية من أجل توزيع عادل للثروة، واعتماد برامج فيها حس من الابتكار والابداع للنهوض بالإنسان، وبناء هذا الإنسان ينطلق من التعليم وينتهي إلى التعليم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *